يروى الفنان التشكيلى محمد عبلة رحلة حياته فى الجزء الأول من مذكراته «مصر يا عبلة.. سنوات التكوين»، الصادر عن دار الشروق، والذى يأخذنا فيه للمرحلة الأولية من مشواره، منذ تعرفه فيها على الفن وأهميته فى التفاعل مع قضايا المجتمع من جميع النواحى المختلفة سواء الاجتماعية والسياسية والثقافية حتى وصل به الأمر للمشاركة فى كتابة الدستور المصرى فى العام 2013.
يبدأ محمد عبلة فى مذكراته منذ طفولته ونشأته منذ أن كان تلميذا فى المرحلة الابتدائية، وبدأ فى اكتشاف موهبته وشغفه بالرسم، وتأثير البيئة الريفية عليه وبالطبع تأثير العائلة من والده ذات الطباع الشديدة، ووالدته التى كانت تشجعه وجدته التى تأثر بحكايتها وحواديتها الخاصة التى شكلت جزءا كبيرا من خياله.
يركز عبلة، على سنوات دراسته فى كلية الفنون الجميلة فى الإسكندرية، والتى تعتبر أبرز محطات سنوات التكوين، على أن يتبعها بأخرى عن بقية محطات حياته الزاخرة بالشغف بمختلف ألوان الفنون، واهتمامه بعدد من القضايا السياسية والاجتماعية.
ويستهل عبلة فى حديثه عن مرحلة الدراسة الجامعية الثمن الذى دفعه نتيجة الاعتراض على رغبة والده ثم خيبة ظنه عندما ذهب لكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية بحماس الشباب ليقدم أوراقه وفوجئ برفض جديد، ليجول باحثا عن الفنان التشكيلى الكبير سيف وانلى والذى ساعده فى الالتحاق بالفنون الجميلة وتحقيق حلمه.
ومن خلال مذكراته يسرد عبلة الفترة الحياتية المهمة التى عقبت وفاة الرئيس جمال عبدالناصر وبدايات حكم الرئيس السادات والتحولات المجتمعية التى شاهدها المجتمع وكيف أثرت على الفن ودراسته وقتها.
كما يروى عبلة تجاربه وخبراته المتنوعة والمواقف التى أثرت به فى شكل حكايات ممتعة خاصة أنها تمتزج بنوع من الفانتازيا والصدف غير المتوقعة، لكنها تركت أثرها فيه منها علاقة عبلة مع الشاعر الذى ينتحر كل يوم، وتجربة الذهاب إلى الموت والعودة منه، أو شرب «الكابتشينو» للمرة الأولى، مرورا بالتحديات التى واجهها وكيف كان يتغلب عليها لملاحقة شغفه الأكبر وهو الفن.
كما نرى تأثير المدن على رحلة حياة الفنان محمد عبلة الشخصية والفنية بشكل كبير وكيف كان لها تأثير كبير على تكوينه وتشكيل رؤيته ووجدانه، وبأسلوب لا يخلو من الفكاهة، يروى عبلة تحديات حياته فى فترة الشباب بداية من انتقاله من بلقاس فى الدقهلية، إلى كلية الفنون الجميلة، وشوارع الإسكندرية، ورحلته فى القاهرة، ومغامرته فى الأقصر، وفترة الجيش، حتى استعداده للسفر إلى إسبانيا.
ولا ينسى عبلة خلال رحلته ذكر أهم رموز حركة الفن التشكيلى فى فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى والذى كان لهم تأثير مادى ومعنوى على رحلته سواء بتقديم مساعدة له بشكل مباشر أو تأثير عليه من خلال الفن ومن أبرز ما ذكر كل من سيف ونلى ومنير فهيم وكامل مصطفى وحسين بيكار وكمال الملاخ وحامد ندا، وفاطمة العرارجى.
وبالطبع حرص عبلة على ذكر أول معرض له، فى المركز الثقافى الإسبانى، حين عرضت كل أعماله لأول مرة فى مكان واحد، وشعوره حينها.
ثم تنتهى سنوات التكوين وهو فى مطار القاهرة فى صيف العام 1978 استعدادا للسفر إلى إسبانيا بهدف الدراسة الأكاديمية.
إن مذكرات محمد عبلة ليست فقط حكايات عن فنان مغامر جرىء امتلكته «نداهة» الفن ولكنها أيضا تشهد على سنوات مهمة من تاريخ مصر وما بها من تغييرات وتحولات فى المجتمع والشعب المصرى ولكن بعيون مختلفة.