بعد 9 سنوات على بريكست.. هل ربحت بريطانيا بخروجها من الاتحاد الأوروبي أم دفعت الثمن؟.. كِتاب يوضح - بوابة الشروق
السبت 27 سبتمبر 2025 8:51 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لقمة الأهلي والزمالك المقبلة؟

بعد 9 سنوات على بريكست.. هل ربحت بريطانيا بخروجها من الاتحاد الأوروبي أم دفعت الثمن؟.. كِتاب يوضح

منى غنيم
نشر في: السبت 27 سبتمبر 2025 - 6:10 م | آخر تحديث: السبت 27 سبتمبر 2025 - 6:12 م

مع مرور أكثر من تسع سنوات كاملة على الاستفتاء التاريخي "بريكست" الذي صوّت فيه البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، لازالت بريطانيا تعيش حالة من الجدل والانقسام، بعد أن شهدت عقدًا كاملًا من الاضطراب السياسي لم يسفر سوى عن إحباط متزايد لدى مؤيدي الخروج والبقاء على حد سواء.

وقدم الصحفي السياسي البريطاني، توم ماكتاجو، عبر صفحات كتابه الجديد المعنون "بين الأمواج: تاريخ الثورة البريطانية الخفية من 1945 وحتى 2016" رؤية شاملة لذلك الأمر؛ إذ أعاد قراءة علاقة بريطانيا بأوروبا ضمن إطارها التاريخي الأوسع، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم.

ورسم "ماكتاجو" مسارًا زمنيًا يبدأ من الحقبة التي كان يُنظر فيها إلى الانضمام إلى أوروبا كــ "علاج ناجع" لتراجع بريطانيا في مكانتها العالمية؛ لاسيما بعد انحصار أنشطتها الاستعمارية، وصولًا إلى الحقبة التي أُتهم فيها الاتحاد الأوروبي بأنه سبب التراجع ذاته.

وعبر صفحات الكتاب الجديد، تحدث المؤلف عن الاستفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي، لا باعتباره ثورة غضب من طبقات مسحوقة اقتصاديًا، بل كنتيجة منطقية لمسار علاقة غير مستقرة منذ البداية؛ فمنذ اللحظة الأولى، واجهت بريطانيا خيارًا صعبًا؛ ألا وهو الانضمام إلى اتحاد هدفه الأساسي توحيد السيادة الأوروبية خوفًا من احتمالية أي تهديد قد ينشأ مثل عودة ألمانيا قوية على سبيل المثال وإعادة ما حدث في زمن هتلر — وهو هدف لم تثق فيه — أو البقاء خارجه والمخاطرة بكيان قد يتحول إلى تهديد مباشر للمصالح البريطانية لأنه سيضم كل الدول الأوربية ما عداها.

وظلّت الحكومات الإنجليزية المتعاقبة تتأرجح بين هذين الخيارين على مدار عقود من الزمن، متجاهلة عمدًا مهمة الاتحاد الجوهرية المتمثلة في تحقيق مزيد من التكامل والوحدة، ومركّزة فقط على الفوائد الأخرى التي تراها من منظورها، نقلًا عن صحيفة الجارديان.

وقال المؤلف إن قرار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ديفيد كاميرون ، بالدعوة إلى الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يكن متسرعًا أو أهوجًا كما أشاع البعض؛ فكاميرون كان من أشد مؤيدي عدم الانفصال عن الاتحاد الأوروربي الذي كان يرى فيه قوة بريطانيا اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، ولكنه اضطر للقبول أمام الضغط الشعبي.

وأوضح المؤلف أن احد أسبباب تصديق "كاميرون" على القرار أيضًا كان صعود السياسي الشعبوي، نايجل فاراج، زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة، الذي تمكن من جمع العديد من الأصوات الموالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مما شكل ضغطًا إضافيًا على الحكومة.

وناقش المؤلف طرح "فاراج" الذي يقول إن امتناع حكومة "بلير" عن فرض قيود انتقالية على هجرة مواطني أوروبا الشرقية هو ما غذّى المشاعر المناهضة للاتحاد، لكنه خلص في النهاية إلى أن هذا التفسير يفتقر إلى العمق والتعقيد.

وكشف المؤلف أن استفتاء "بريكست" كان من هذا المنطلق محاولة جادة لمواجهة التناقضات التاريخية في علاقة بريطانيا بالاتحاد، وهي تناقضات طالما جرى تجاهلها، ثم كشفها توسّع الاتحاد الأوروبي بشكل أكثر وضوحًا.

وركز المؤلف بشكل مطوّل على شخصيات بارزة من الساحة السياسية البريطانية؛ على غرار السياسي البارز ووزير التعليم السابق، مايكل جوف، الذي كان من أبرز مؤيدي الخروج من الاتحاد، وكذلك المستشار السياسي الذي يعتبر العقل المدبّر لاستراتيجية حملة "البريكست"، دومينيك كامينجز.

كما استعرض المؤلف بالتفصيل تجربة مجموعة الضغط الاقتصادية المعروفة باسم “بيزنس فور ستيرلينج"، التي تأسست في أواخر التسعينيات من القرن الماضي بهدف رفض إدخال بريطانيا في العملة الأوروبية الموحّدة (اليورو)، وكانت تمثّل صوتًا قويًا داخل معسكر التشكيك في الاتحاد الأوروبي.

وفي المقابل، لم يتوسع المؤلف في الحديث عن فترة حكم توني بلير وجوردون براون (وكلاهما رئيسيّ وزراء من حزب العمال بين عاميّ 1997 و2010) رغم أن تلك المرحلة كانت شديدة الأهمية؛ ففي ذلك الوقت لم يكن الخلاف حول الخروج أو البقاء، بل كان النقاش بين مؤيدي الاتحاد أنفسهم، واختلافهم كان حول مدى عمق الاندماج، وكان السؤال المطروح هو: هل تكتفي بريطانيا بالاستفادة الاقتصادية والسياسية من الاتحاد الأوروبي، أم تدخل في مشروع اندماج أوسع يشمل العملة الموحدة ومزيدًا من الصلاحيات للاتحاد الأوروبي - ومقره بروكسل - على حساب السيادة الوطنية؟

ولم يتطرق المؤلف أيضًا للحديث عن القارة الأوروبية ككل؛ حيث اختزل السرد في سلسلة من الشخصيات البريطانية الكبرى مثل السياسي البريطاني المحافظ، إينوك باول، الذي كان من أكبر رافضي مشروع الاندماج الاوروبي، واشتهر بشكل أساسي بخطاب ألقاه سنة 1968 عُرف باسم "خطاب أنهار الدم"، اللي هاجم فيه بشدة الهجرة إلى بريطانيا وحذّر من تبعاتها على المجتمع البريطاني مما جعل اسمه يرتبط دومًا بالتيار القومي المتشدد والرافض للتعددية الثقافية، ورئيسة وزراء بريطانيا السابقة، مارجريت تاتشر، بالإضافة إلى "فاراج" و"كامينجز"، بينما ترك البعد الأوروبي كخلفية ضبابية لصراعات بريطانيا الداخلية.

وكان من شأن إضافة التجارب الأوروبية الأخرى أن تثري النص، خصوصًا من دول مثل أيرلندا والدنمارك التي واجهت صعوبات مماثلة في الحصول على موافقة شعوبها لمزيد من التكامل، لكنها في النهاية التزمت بالاستمرار في الاتحاد.

وفي الختام، أقر المؤلف بأن علاقة بريطانيا مع أوروبا قد لا تكون مستقرة كما تبدو الآن، خاصة مع عودة التهديد الروسي الذي يعيد ربط المصالح البريطانية بجيرانها الأوروبيين، وفي هذا تذكير برسالة الكتاب الأساسية؛ ألا وهي أن الفكرة البريطانية عن أوروبا لم تكن ثابتة يومًا، بل ظلّت قابلة لإعادة التشكيل وفقًا للظروف.

وهكذا، أكد المؤلف أن قصة "البريكست" قد تكون انتهت كفصل من فصول التاريخ، لكن الحكاية نفسها لم تصل بعد بالتأكيد إلى خاتمتها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك