حفر قناة السويس تحت السخرة والسياط.. قصة الفلاحين المجهولين ومآسي المشروع العظيم - بوابة الشروق
الثلاثاء 29 أبريل 2025 4:11 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

حفر قناة السويس تحت السخرة والسياط.. قصة الفلاحين المجهولين ومآسي المشروع العظيم

محمد حسين
نشر في: الثلاثاء 29 أبريل 2025 - 10:25 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 29 أبريل 2025 - 10:25 ص

دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى السماح بمرور السفن الأمريكية عبر قناتَي السويس وبنما مجانا، كما طلب من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو معالجة هذه القضية والعمل عليها بشكل فوري، وقد رأى البعض أنّ طلب ترامب لا يعدو أن يكون امتدادًا لسلسلة من التصريحات الارتجالية بدأها منذ خطابه الأول أمام الكونغرس في الخامس من يناير.

في ذلك الخطاب أعلن ترامب، عزمه تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، وانطلقت بعدها موجة من التصريحات التي طالت دولًا كالدانمارك، وكندا، وبنما، ثم شملت الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، وتحدث عن الاستيلاء على معادن أوكرانيا لقاء الدعم العسكري.

ونستعرض في التقرير التالي ملامح من تاريخ قناة السويس وقصة حفرها الذي جاء بدماء وعرق المصريين في ظروف بالغة القسوة، وفقا لما جاء في فصول كتاب "تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قُبيل الوقت الحاضر" لسليم حسن وعمر الإسكندري.

بداية الحفر في ظروف قاسية

انطلقت أعمال حفر قناة السويس قرب موقع مدينة بورسعيد الحالية في رمضان الذي تزامن مع شهر أبريل 1859، وسط بطء شديد بسبب نقص تدريب عمّال السخرة وصعوبة تأمين مياه الشرب قبل حفر الترعة العذبة. ومع محدودية إمكانيات شركة القناة، لجأ فرديناند ديلسبس إلى سعيد باشا لزيادة أعداد العمال المسخرين، مخالفًا شروط الاتفاق الأصلي.

وسُيق عشرات الآلاف من الفلاحين المصريين، تحت حراسة الجنود المدججين بالسياط، للعمل مجانًا، وكان يُستبدل كل 25 ألف عامل كل ثلاثة أشهر وسط ظروف قاسية من الجوع والظمأ والمرض، ما أودى بحياة أعداد غفيرة منهم.

غضب داخلي وخارجي على أوضاع العمال

أثارت هذه الانتهاكات غضبًا داخليًا وخارجيًا، خاصة في إنجلترا، حيث اعتبرها اللورد بالمرستون نوعًا من العبودية، فضلًا عن رغبته في الحد من النفوذ الفرنسي بمصر، مما دفع لندن إلى التحرك دبلوماسيًا عبر السفير الإنجليزي في القسطنطينية للاحتجاج رسميًا.

تدخل الخديو إسماعيل وتطورات المشروع

عندما تولى الخديو إسماعيل الحكم (يناير 1863)، عمل على تقليص امتيازات الشركة، فدفع لها 2 مليون جنيه نظير أسهم اشتراها سعيد باشا، ثم طلب تقليل أعداد العمال المسخرين واسترداد الأراضي التي مُنحت للشركة. لقي هذا الطلب دعمًا عثمانيًا وبريطانيًا، ما هدد المشروع بالتوقف، إذ كانت الشركة تعتمد على السخرة لاستكمال الحفر.

بمجهود ديلسبس، وبدعم الإمبراطور نابليون الثالث، جرى تحكيم فرنسي انتهى بإلزام مصر بدفع غرامة قدرها 3,360,000 جنيه تعويضًا عن إلغاء السخرة واسترداد الأراضي، إضافة إلى مقابل حفر ترعة الإسماعيلية. دفعت الحكومة المصرية هذه المبالغ عام 1869م، ما أنقذ الموقف المالي للشركة ومكّنها من استكمال المشروع باستخدام عمالة مدربة.

الاحتفال بافتتاح القناة

منذ ذلك الحين، دعم الخديوي إسماعيل المشروع بكل قوته، وتهيأ لاحتفال ضخم بمناسبة افتتاح القناة في شعبان نوفمبر 1869م.

المساعدات المالية المصرية للشركة

ولم تتوقف المساعدات المالية المصرية؛ ففي 1866م تنازلت مصر للشركة عن أراضي الطميلات مقابل 300 ألف جنيه، وفي 1868م دفعت نحو 1.2 مليون جنيه مقابل مبانٍ أقيمت في منطقة القناة. بلغت نفقات الحفر نحو 17.5 مليون جنيه وفق دفاتر الشركة، بينما قدرت خسائر الحكومة المصرية بحوالي 16 مليون جنيه.

عوائد محدودة وخسائر جسيمة

ومع ذلك، لم تحقق القناة أرباحًا فورية، حيث اقتصرت فائدتها أولًا على السفن الشراعية، قبل أن يؤدي تطوير المحركات إلى زيادة استخدام السفن البخارية للممر الملاحي. رغم تزايد حركة الملاحة، ظلت عائدات الشركة محدودة بسبب الرسوم المنخفضة (10 جنيهات للطن)، مما أدى إلى تراجع قيمة الأسهم سنة 1872، وعُقد مؤتمر دولي بالقسطنطينية في 1290هـ/1873م قرر رفع الرسوم بنسبة 40%، مما أنعش أوضاع الشركة.

الخسارة المصرية الفادحة

في المقابل، لم تجنِ مصر أي مكاسب من نجاح القناة، بل تكبدت خسائر جسيمة في الأموال والأرواح. بل إنها اضطرت سنة 1880 إلى التنازل عن نصيبها في أرباح الشركة البالغ 15% مقابل 700 ألف جنيه فقط، بعد عجزها عن سداد قرض من شركة فرنسية. وهكذا استفادت فرنسا وبريطانيا من المشروع، بينما دفعت مصر الثمن فادحًا، بفلاحيها وخزينتها واقتصادها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك