أسئلة الشيخ عبدربه التائه عن كيف تنتهى المحنة؟ - بوابة الشروق
الخميس 11 سبتمبر 2025 6:54 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

حكم محفوظ فى «أصداء السيرة الذاتية»:

أسئلة الشيخ عبدربه التائه عن كيف تنتهى المحنة؟

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
كتبت ــ شيماء شناوى:
نشر في: السبت 29 أغسطس 2020 - 12:06 ص | آخر تحديث: السبت 29 أغسطس 2020 - 12:06 ص
«إن خرجنا سالمين فهى الرحمة، وإن خرجنا هالكين فهو العدل».. واحدة من الحكم المتداولة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعى خاصة فى أوقات الأزمات والمحن. أيضا نجد انتشارا واسعا لمقولة «سألت الشيخ عبدربه التائه: متى يصلح حال البلد؟، فأجاب: عندما يؤمن أهلها بأن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة».
فى كتاب صغير الحجم كبير القيمة، وبنصوص قصصية شديدة التكثيف وفلسفة تستمد عظمتها من بسطتها، وأقوال تدعو إلى التأمل، يأتى كتاب «أصداء السيرة الذاتية» للروائى العالمى نجيب محفوظ، الصادر عن دار الشروق، بصفحاته المتخمة بالحكمة والمعانى والآراء والأفكار، ليقدم خلاصة الخبرات الحياتية والفكرية لرجل عاش قرابة المائة عام يتأمل العالم من حوله ويكتبه.
اختار «محفوظ» لهذه المجموعة اسم «أصداء» لينفى عنها صفة السيرة الذاتية، على الرغم من أنه كتب بطريقة غير مباشرة عن طفولته وصباه وشبابه ورجولته وأزمته الفكرية وخبراته السياسية والحياتية، بمقاطع قصيرة للغاية ومكثفة ورمزية. ويعتبر بعض النقاد أن هذه المجموعة من أعمق ما كتب «محفوظ»، وتمثل تجربته وخبرته.
فـ «اقرأ وتدبر ما اقتطفناه منه»:
♦♦ انتهاء المحنـة
سألت الشيخ عبدربه التائه:
ـ كيف تنتهى المحنة التى نعانيها؟
فأجاب:
ـ إن خرجنا سالمين فهى الرحمة، وإن خرجنا هالكين فهو العدل.
♦♦ حوار الأصیل
نظر فى وجوههم وسألهم:
ماذا تقولون بعد هذا الذى كان ؟
فأجاب الأكبر: لا أمل بغير القانون
وأجاب الأوسط: لا حياة بغير الحب
وأجاب الأصغر: العدل أساس القانون والحب
فابتسم الأب وقال: لا بد من شىء من الفوضى كى يفيق الغافل من غفلته.
♦♦ الأیام الحـلوة
كنا أبناء شارع واحد تتراوح أعمارنا بين الثامنة والعاشرة. وكان يتميز بقوة بدنية تفوق سنه. وكان فظا غليظا شرسا مستعدا للعراك لأتفه الأسباب. لا يفوت يوم بسلام ودون معركة، ولم يسلم من ضرباته أحدٌ منا حتى بات شيخ الكرب والعناء فى حياتنا. فلا تسأل عن فرحتنا الكبرى حين علمنا بأن أسرته قررت مغادرة الحى كله، شعرنا حقيقة بأننا نبدأ حياة جديدة من المودة والصفاء والسلام. ولم تغب عنا أخباره تماما، فقد احترف الرياضة وتفوق فيها وأحرز بطولات عديدة حتى اضطر إلى الاعتزال لمرض قلبه، فكدنا ننساه فى غمار الشيخوخة والبعد.
وكنت جالسا بمقهى بالحسين عندما فوجئت به مقبلا يحمل عمره الطويل وعجزه البادى.
ورآنى فعرفنى فابتسم، وجلس دون دعوة. وبدا عليه التأثُر فراح يحسب السنين العديدة التى فرقت بيننا. ومضى يسأل عمن تذكر من الأهل والاصحاب، ثم تنهد وتساءل فى حنان:
ــ هل تذكر أيامنا الحلوة؟!.
♦♦ الرحمـة
..البیت قدیم وكذلك الزوجان
.هو فى الستین وهى فى السبعین
.جمعها الحب منذ ثلاثین عاما خلت، ثم هجرهما مع بقیة الآمال
.ولولا ضیق ذات الید لفر العصفور من القفص
.یعانى دائما من شدة نهمه للحیاة، وتعانى هى من شدة الخوف
.ویسلى أحلام یقظته بشراء أوراق الیانصیب لعل وعسى
.«كلما اشترى ورقة غمغم: «رحمتك یارب
.«فیخفق قلب المرأة رعبا وتغمغم: «رحمتك یارب».
♦♦ الرســـالة
.عثرت یوما على وردة مطروحة تحت قدمى. لم تخلُ من
وإذا بورقة مطویة مربوطة بخیط أبیض حول عودها الأخضر. بسطتها بفضول فقرأت: «تعاَل، فستجدنى كما تحب»
سرحت فى ابتسامة وتساءلت: كیف أخطأت الرسالة هدفها؟ لماذا ألقى بها فى التراب؟
.وهمت حینا فى وادى الفروض والاحتمالات، ولكنى أثنیت على الدنیا التى لا ینضب فیها معین الحب
.ونسمت علَى نسائم من الماضى البعید فخفق القلب بقدر ما أتیح له .وفجأة تجاوزت ترددى القدیم .وعزمت على أن أبدأ الإجراءات لیكون لى مدفن فى هذه المدینة المترامیة.
♦♦ الطـامــة
لم ترفض فى حیاتها طلبا أو تتجاهل إشارة
.وكانت تلبى نداء الشوق دون مبالاة بالثمن
وأنذرها منذر بسوء العاقبة
.ولكنها كانت شدیدة الإیمان بالغفور الرحیم
♦♦ الفـتنة
كنت أتمشى عند الباب الأخضر، فصادفت درویشا منتحیا جانبا بامرأة. كانت وسیطة العمر، ریانة الجسم، فواحة
.الأنوثة، محتشمة النظرة
:ولما اقتربت منهما سمعتها تقول
.ـ یا سیدنا، إنى أرملة، أعیش مع شقیقتى، مستورة والحمد الله، ولكنى أخاف الفتنة
:فقال لها
.ـ أدى الفرائض
:فقالت بصدق
.ـ لا تفوتنى فریضة
:وأضافت
.ـ وأسمع تلاوة القرآن لدى كل فرصة
:فقال
.ـ لن یمسك الشیطان
:فقالت
.ـ ولكنى أخاف الفتنة
♦♦ المـعـركــة
رجعت إلى المیدان بعد زیارة للمشهد الحسینى. رأیت زحاما یحدق براقصة وزمار. الزمار یعزف، والراقصة
تتأود لاعبة بالعصا، والناس یصفقون والوجوة تتألق بالسرور والنشوة. فكرت غاضبا كیف أفض الجمع. ولكن في
.لحظة نور رأیت فى مرمى الزمن الجمیع یهرولون نحو القبر، كأنهم یتسابقون حتى لم یب َق منهم واحد
.عند ذاك ولیتهم ظهرى وذهبت.
♦♦ قبیل الفجر
تتربعان فوق كنبة واحدة. تسمران فى مودة وصفاء. الأرملة فى السبعین وحماتها فى الخامسة والثمانین. نسیتا
عهدا طویلا شحن بالغیرة والحقد والكراهیة. والراحل استطاع أن یحكم بین الناس بالعدل، ولكنه عجز عن إقامة العدل
بین أمه وزوجه ولا استطلاع أن یتنحى. وذهب الرجل فاشتركت المرأتان لأول مرة فى شىء واحد وهو الحزن
.العمیق علیه
.وهدهدت الشیخوخة من الجموح، وفتحت النوافذ لنسمات الحكمة
.الحماة الآن تدعو للأرملة وذریتها من أعماق قلبها بالصحة وطول العمر
.والأرملة تسأل االله أن یطیل عمر الأخرى حتى لا تتركها للوحدة والوحشة.
♦♦ من التـاريـخ
فى ذلك الوقت البعيد قيل إنه هاجر أو هرب. والحقيقة أنه كان يجلس على العشب على شاطئ النيل مشتملا بأشعة القمر. يناجى أحلامه فى حضرة الجمال الجليل.
عند منتصف الليل سمع حركة خفيفة فى الصمت المحيط. ورأى رأس امرأة ينبثق من الماء أمام الموضع الذى يفترشه. وجد نفسه أمام جمال لم يشهد له مثيلا من قبل. ترى أتكون ناجية من سفينة غارقة؟ لكنها كانت غاية فى العذوبة والوقار فداخله الخوف ـ وهم بالوقوف تأهبا للتراجع، ولكنها قالت له بصوت ناعم:
اتبعنى.
فسألها وهو يزداد خوفا:
ـ إلى أين؟
ـ إلى الماء لترى أحلامك بعينيك.
وبقوة سحرية زحف نحو الماء وعيناه لا تتحولان عن وجهها.
♦♦ سـؤال عن الدنيا
سألت الشيخ عبدربه عما يقال عن حبه النساء والطعام والشعر والمعرفة والغناء، فأجاب جادا:
ـ هذا من فضل الملك الوهاب.
فأشرت إلى ذم الأولياء للدنيا، فقال:
ـ إنهم يذمون ما ران عليها من فساد.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك