محاربة الفساد أولوية قومية تسبق ما عداها - فاروق حلمى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاربة الفساد أولوية قومية تسبق ما عداها

نشر فى : الإثنين 30 مارس 2015 - 9:50 ص | آخر تحديث : الإثنين 30 مارس 2015 - 9:50 ص

أما وقد نجح المؤتمر الاقتصادى فى تحقيق نتائج باهرة، فمن واجبنا أن نجعل محاربة الفساد أولوية قصوى فى المرحلة التالية، ليس فقط لإثبات مصداقيتنا فى أعين المستثمرين، وللحيلولة دون تبديد أو اختلاس أى قدر مما اتفق على استثماره، وانما أيضا لنبدأ اصلاحا جديا لما فسد فى مجتمعنا وأخلاقياته نتيجة شيوع الفساد. ولنا فى ذلك تجربة حية فى الصين يجب أن نهتدى بها.

فلقد جاء ترتيب مصر فى قائمة منظمة «الشفافية الدولية» لعام 2014 فى المرتبة الـ94 من بين 175 دولة، واعتبرت من دول الفساد العالى فى قطاعها الحكومى تأسيسا على الانطباع السائد بين الخبراء ودوائر الأعمال حول العالم، بالنظر لانتشار الرشوة وغياب العقاب وعجز المؤسسات العامة عن تلبية احتياجات الفئات الأكثر معاناة.

كما كشف مسح لمؤسسة «ارنست آند يانج» الدولية فى نوفمبر أن القطاع الخاص المصرى يعتبر الأكثر فسادا فى العالم، حيث أشارت جهات الأعمال ومكاتب المراجعة إلى مستويات عالية من الفساد فى شركاتنا سعيا لحجم أعمال أو ربح أكبر وباستخدام الرشوة والغش لضمان اغتنامه.

ولا يقتصر ضرر الفساد فقط عادة على سرقة الموارد من الطبقات الكادحة وانما يعتبر آفة الآفات التى تصيب المجتمع، حيث يقوض العدالة ويهدر المال العام ويعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويدمر ثقة الشعب فى الحكومة والزعماء، بل وانه ــ مع انعدام المساءلة والجزاء الرادع ــ أشاع الكثير من الصفات الكريهة بين المواطنين فى بلدنا، بما فيها الغش والسرقة والكذب والسلبية والتواكل والفردية والانتهازية والابتزاز وفرض الإتاوات مقابل الخدمة العامة وغيره، كما أفقدهم الأمل فى الإصلاح وجعلهم يستسلمون لليأس وأضعف وازع الانتماء للوطن لديهم، بل وسهل تجنيد بعضهم لصالح تيارات متطرفة، ودفع الكثيرين للسفر للخارج متسببا فى هجرة العقول التى كان يمكننا الاستفادة منها.

ولاشك أن الرئيس السيسى والنظام الحالى يعلم بكل هذه المساوئ، لكننى أتمنى أن يدرك جيدا أنه لن يتمكن من حشد طاقات الجماهير إلا اذا سارع لإطلاق حملة قومية لا هوادة فيها على الفساد بنفس القوة التى تشهدها حربنا ضد الإرهاب، حيث حتى اذا صدقت التوقعات الخاصة بغالبية المشروعات الاستثمارية فإن الكثير منها سيتطلب تنفيذه سنوات ولا يفى إلا بالقليل من متطلبات الجماهير العريضة، ويفيد المستثمرين بأكثر من السواد الأعظم من الفقراء. والرئيس لن ينقذ البلاد بهذا التحرك من التدهور المستمر ويضعها على بداية طريق الإصلاح فحسب، وانما يزيل كذلك الانطباع الذى تولد لدى البعض ــ رغم الثقة الكبيرة فى نزاهته ووطنيته ــ بأن نظامه امتداد محسن للنظام البائد، أخذا فى الاعتبار عدم معاقبة مبارك ورموز عهده على ما أفسدوه فى مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا، وعدم استرداد أى من الأموال المنهوبة والمهربة.

•••

ولقد أدرك الزعماء الصينيون الذين تولوا القيادة فى 2013 الحاجة للإصلاح الشامل، لمحاربة آفات أصابت مجتمعهم نتيجة فجوة الثروات الناجمة عن تسارع النمو وحرية القطاع الخاص وتزايد التسيب والفساد، وذلك بهدف تنقية المجتمع واستعادة الثقة التى ضعفت فى الحزب الشيوعى والحكومة ودفع عجلة النمو، وأعطوا الأولوية فى ذلك لحملة قومية أطلقوها ضد الفساد وممارسات العمل الضارة، تشن يوميا بصرامة متناهية لا استثناء فيها حتى أعلى المستويات فى الحزب والحكومة، لتعقب ومعاقبة كل ممن أطلق عليهم اسم «النمور» و«الذباب» نسبة لكبار المسئولين الفاسدين وصغارهم.

وتركز الحملة ليس فقط على رصد السلوكيات غير المشروعة مثل المتاجرة بالنفوذ من أجل الأموال واساءة استغلال السلطة والغش فى تنفيذ المشروعات والإثراء غير المشروع والرشاوى، وانما أيضا ممارسات العمل الضارة كالبيروقراطية والمظهرية والرفاهية والبذخ وحتى التقصير فى أداء الواجب. وتتشدد السلطات فى تتبع مخالفات الانضباط التى تشمل الاستخدام الشخصى لسيارات رسمية وتلقى مساعدات غير شرعية وتقديم أو قبول هدايا والإنفاق ببذخ، واستخدام أنشطة ترفيهية ورحلات وسفر للخارج من الأموال العامة اضافة للتراخى فى العمل.

ولضيق المساحة، فسوف نعرض فى مقال منفصل آخر تطورات تلك الحملة عسى أن تلهمنا وتدفعنا للتحرك، أخذا فى الحسبان أن الكثير من المفاسد بالصين يماثل ما هو سائد لدينا.

•••

وينعقد الأمل على أن يقدم الرئيس السيسى وحكومته دون ابطاء على اطلاق حملة جادة شاملة فى جميع أرجاء البلاد لمحاربة الفساد، ليتسنى تعبئة الشعب وراء عملية إعادة البناء وما ستتطلبه من تواصل المعاناة والتضحية لفترة لاشك أنها ستطول، وكلما أمكن تحقيق نتائج ملموسة للجماهير ضمنا اكتساب ثقتها فى الحكام وحشد الطاقات لمساندة جهود الدولة. وهذا بالإضافة لتحقيق غاية أسمى وهى بدء تعويد الناس ــ من خلال تغليظ العقوبات الرادعة وتطبيقها الحازم ــ على عادات وصفات جديدة تعيد تدريجيا احياء القيم والأخلاقيات التى سادت فى الماضى البعيد، مثلما أشاعت الدولة عكسها فى السابق من خلال التهاون مع الفساد لعقود طويلة.

وسنكون آملين المستحيل لو نادينا بإصلاح الأفراد لما بأنفسهم وتركنا الأمر لهم، ونخدع أنفسنا لو تصورنا اقدام الناس على تغيير ما بذاتهم وانتظرناه، فهى فى المقام الأول مسئولية الدولة التى يتحتم عليها خلق الأطر لسلوكيات أفضل وفرضها. وما أدل على هذا من أن المصرى الذى يهاجر لدولة أخرى منظمة تعلى القانون وتصون الحقوق والحريات وتكافح الفساد غالبا ما يظهر أحسن الصفات والسلوكيات ويكون منضبطا ومجتهدا ومتفوقا فى العمل، ومن واجب الدولة لدينا أن توفر الأساسيات التى تضمن اخراج أفضل ما فى الإنسان تحقيقا لتقدم المجتمع.

ولنتخذ من الصين عبرة ومثالا يحتذى، ونسارع لإنشاء «هيئة عليا مستقلة لمكافحة الفساد»، تنسق الجهود مع الأجهزة الرقابية القائمة أو تدمج تلك الأجهزة فيها لتفادى الازدواجية وهو الأفضل، بحيث تتخذ زمام المبادرة لرصد الانتهاكات والتحقيق فيها، واحالة الجسيم منها للقضاء والأقل جسامة إلى الحكومة لتوقيع الجزاءات الملائمة، إلى جانب اقامة خطوط ساخنة ومواقع على الإنترنت لتمكين المواطنين من الإبلاغ عن وقائع الفساد مع التدقيق فى مدى مصداقية الشكاوى.

وينبغى ألا تصرفنا الحرب ضد الارهاب والجهود الجارية لجلب الاستثمارات عن هدف محاربة الفساد وما تؤدى اليه من اصلاحات نحن فى أمس الحاجة اليها، وانما يجب أن تسير هذه التحركات جميعا بالتزامن والتوازى لتحقيق أملنا فى انقاذ البلاد والنهوض بها.

فاروق حلمى خبير في الشئون الصينية مقيم في هونج كونج
التعليقات