قبل أن نضحى بالأم والأب والجنين من أجل إنقاذ الداية - إسعاد يونس - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبل أن نضحى بالأم والأب والجنين من أجل إنقاذ الداية

نشر فى : الخميس 30 أبريل 2009 - 5:43 م | آخر تحديث : الجمعة 1 مايو 2009 - 3:10 م
كان الحديث الأسبوع الماضى عن الأزمة العالمية التى طالت الجميع.. وكنا قد أسهبنا فى وصف كيف اتلزق كل منا على قفاه.. مما جعله يضطر لمواجهة نفسه والتفكير فى وضعه.. وترك اللطم جانبا ومحاولة البحث عن حلول.

وبصفتى أحمل شرف الانتماء إلى صناعة السينما المصرية.. فقد رأيت أن من واجبى أن أحاول وضع روشتة علاج من وجهة نظرى المتواضعة لما قد يصيب هذه الصناعة المصرية الرائدة من وعكة حادة قد تتحول إلى مرض مزمن إذا لم نلتفت للوضع الراهن ونخطط للمستقبل.

ولكن مناقشة وضع السينما الراهن يجب ألا تتم باعتبارها كائنا هرما مستضعفا نال منه الوهن وأصابت عظامه الخشونة ولحس عقله الألزهايمر.. فهى ليست صناعة متواضعة ولا ناشئة ولا غلبانة وجب سحبها من يدها والتسول بها على أبواب الحكومات والأجهزة والوزارات.. وعلينا أن نتوقف كثيرا.. ونراجع أنفسنا أكثر.. ونستدعى كل الكبرياء ونحن نتحدث عنها ونسعى لعلاجها.

فهذه هى السينما المصرية.. فإذا كان أول عرض سينمائى تجارى فى العالم بدأ فى باريس فى ديسمبر 1895.. فإننا بدأنا أول عرض تجارى لنا فى مصر بعده بأيام فى يناير 1896 فى الإسكندرية فى مقهى زوانى.. ثم تبعناه فى نفس الشهر بالعرض الثانى فى القاهرة فى سينما سانتى.. ثم بدأ التاريخ يضم بين صفحاته قصص المحاولات والانتصارات.. وبدأت سجلاته تدون عناوين أعمال لا تنسى وأسماء رصعت سماء الصناعة وسماء مصر كلها.. أسماء استخدمت حروفها فى بناء المعابر الثقافية لكل الجيران المحيطين بنا.. بل وشكلت وجدانهم مثلما شكلت وجداننا.. كان الفن يصنع فى مصر.. فيضعنا فى المقدمة.. ثم يخرج إلى حدود الجيران فيقتدون بنا.. ويقلدوننا.. ويتباهون بأنهم يتحدثون بلهجتنا ويرتدون أزياءنا ويضحكون مثلنا.. وتتلمذ على أيدى أساتذتنا تلاميذ كثيرون.. إن كان فى مجال الأدب السينمائى أو الإخراج أو التمثيل أو الغناء أو الرقص.. بل لقد هاجر الكثيرون إلى قلب عاصمتنا ليقدموا فنونهم ووجدوا الحضن الدافئ من الأم المعطاءة.. احتضنتهم بكل الثقة والسمو.. وفتحت ذراعيها لينهلوا من ثرائها الثقافى.. وعندما كبروا باهت بهم الأمم.. وأضافت إلى سمائها نجوما جديدة دون النظر للنوع أو الجنسية أو الديانة.. وإنما كانت الهوية تحمل خانة واحدة.. فنان عظيم فى فيلم مصرى.

هذه هى الصناعة التى يجب أن نتحدث عنها.. وعندما طالبت أن يكون لها أربعة آباء شرعيين.. كان الهدف أن ينتبه الكثيرون إلى أن فى بلدهم صناعة بهذه العظمة لا تتمتع بأى غطاء شرعى حقيقى.. تسببنا كلنا فى أن نجعلها من سكان العشوائيات.. فيحكم تصرفات أهلها عدم الشعور بالأمان.. وينتقل اليهم سلوك سكان العشوائيات.. ينظر كل منهم أبعد ما ينظر إلى بوز حذائه.. يبحث عن مصلحته الحالية فقط حتى لو أدى تحقيق هذه المصلحة إلى دماره هو مستقبلا.. فهل هذا غباء؟.. لا.. إنه سلوك من لا يضمن غده.. من يعلم أنه فى حالة تعرضه لأزمة ما لن يجد أى سقف يحتمى تحته.. ولا قانونا حقيقيا متطورا طبقا لتطورات وآليات السوق يأخذ به حقه.. والأمثلة على ذلك كثيرة يضيق بها المقام.

كان الاقتراح أن يكون الآباء الأربعة هم وزارة الثقافة.. وزارة الصناعة.. وزارة الإعلام.. ثم غرفة صناعة السينما التى يجب أن تكون المعلم والموجه لكل هؤلاء بحكم أن أعضاء مجلسها يدهم فى النار ويعلمون أدق تفاصيل الصنعة.. شريطة أن يتم نسف المجلس الحالى!

أعلم أن هذا التصريح سوف يجلب على الكثير من اللوم والعتاب والشجب والاعتراض.. ولكنى أذكر الجميع أن أول أصبع اتهام أوجهه إلى نفسى قبل أى أحد آخر.. فعندما حلت الانتخابات الماضية للمجلس.. اجتمع المنتجون والموزعون وأصحاب دور العرض الحاليون وهم تقريبا فى مجملهم يشكلون الكتلتين اللتين تهيمنان على الصناعة بشكلها الحالى باستثناء نسبة ضئيلة يمثلها جهاز السينما.. واتفقنا على ترشيح أنفسنا وإعطاء أصواتنا لبعض حتى نضمن الوجود بالمجلس.. وكان الهدف هو أن نكون فى موقع السلطة واتخاذ القرار بما لنا من مصالح تشكل فى مجموعها أهم مقدرات الصناعة.. وأن أى أحد آخر لن يرى المشاكل من جميع الزوايا كما يمكن أن نراها نحن.

بدأنا فعلا فى اجتماعات المجلس وقد عاهدنا أنفسنا على أن نترفع عن خلافاتنا وصراعاتنا.. والحروب الشرسة الضارية التى نخوضها ضد بعضنا البعض.. الشركة العربية ممثلة فى شخصى.. والتحالفات المنافسة.. والتى ذاع صيتها ووصلت آثارها إلى الجمهور العادى وغير المتخصص وذلك عبر أخبار الصحف ولقاءات التلفزيون إلى آخر تلك المواضيع.. واتحدنا فعلا فى بعض الأمور السطحية أو العامة التى لا تمس المصالح المباشرة من بعيد أو قريب.

إلا أن الأمور تتطور بسرعة رهيبة فى شأن هذه الصناعة حالها حال كل مجالات الدنيا.. كما يتطور العلم والتكنولوجيا.. تتطور قواعد التوزيع والتسويق.. وتتطور أيضا المشاكل والأزمات.. ومع تطورها تزداد تعقيدا وصعوبة بحيث تحتاج إلى استحداث خبرات جديدة غير الموجودة حاليا لمواجهتها.

فلم يعد ما نناقشه يدور فى فلك ضريبة الملاهى.. ولا السهر لما بعد الثانية عشرة.. ولا تخفيض أجور النجوم والعاملين.. ولا مشاكل التوزيع العادية.

بل أصبح الأمر يحتاج إلى فريق قانونى قوى ومتفرغ ولديه علاقات عميقة ومتشعبة ليتصدى لتغيير قوانين كثيرة واستحداث قوانين أخرى جديدة لدى مجلس الشعب ومختلف الجهات، وذلك لأن القانون البالى أمس يصبح مع تفاقم المشاكل رثا عتيقا يحتاج لتغيير جذرى وليس ترقيعا بمواد متناثرة هنا وهناك.. على أن يكون هذا الفريق مدعوما بقوة وسيادة الوزارات الثلاث.

يحتاج الأمر إلى فريق يضع دراسات ميدانية للأسواق الحالية والمستقبلية مع استحداث وسائل البث المتلاحق.. وإعادة تفنيط حقوق الأفلام وخرائط التوزيع على أن يتمتع هذا الفريق بقوة فرض قرارات مساندة أو مقاطعة لأى دول أو أسواق تفرض حصارا أو قيودا على الفيلم المصرى شأنه فى ذلك شأن أى دولة لديها صناعة رائدة تحافظ عليها دون النظر إلى المصالح الشخصية الوقتية أو العلاقات المزعومة الواهية.

يحتاج الأمر إلى فريق يتمتع بعلم التسويق الدولى والعلاقات الدبلوماسية ليخاطب الدول التى تخرج عن الإطار التقليدى للتوزيع البدائى الذى نمارسه الآن.. مع ملاحظة أن خريطة الدول التى يتم توزيع الأفلام فيها تتقلص يوما بعد يوم.. هذا الفريق يجب أن يضم شبابا يتقنون اللغات الأجنبية المتعددة، ومطلعين على قوانين حماية المصنف فى الدول الخارجية لدى السفارات ومكاتب التمثيل التجارى والمكاتب الفدرالية التى تحمى المصنف من القرصنة وتفرض هذه الحماية على الدول التى يعرض بها الفيلم.

كما أن اشتراك الوزارات الثلاث سوف يدعم إمكانيات الغرفة فى رصد الحقوق سواء المستغلة بشكل شرعى أو المنهوبة بوضع غرفة مراقبة ضخمة ترصد عروض أو بث الأفلام على أى وسيلة عرض فى العالم.. ودعم الغرفة بمكتب قانونى دولى يقوم بمطالبة أى وسيلة عرض أو بث بحقوق الفيلم المنهوبة فى أى دولة من الدول وذلك برفع قضايا تعويضات فى المحاكم الدولية.

المطلوب كثير جدا.. يفوق بكثير جدا طاقات أعضاء المجلس الحالى بأكمله.. فأعضاء المجلس مشغولون بالمشاكل اليومية المتفاقمة لدرجة النظر تحت أقدامهم لإنقاذ اللحظة واليوم والساعة.. والسبب.. عدم الأمان كما قدمنا.. ولذلك.. أرى أن نبدأ فى وضع خطة مبدئية لتحقيق كل ما سبق إذا اتفق معى الجميع.. بحيث تصبح الفترة المتبقية من الدورة الحالية هى فترة إعداد لتسليم الغرفة إلى كتيبة جديدة من الشباب الدارس الواعى المنتخب بدقة شديدة من قبل جميع المعنيين.. شريطة ألا تضم هذه الكتيبة أى شخص لديه ازدواجية من أى نوع.. ولا مصلحة مباشرة مع أى جهة.

أما نحن.. المجلس الحالى.. فيجب أن نتنحى جميعا عن إدارة المجلس.. ونضع أنفسنا تحت أمر الهيكل الجديد فى شكل لجان متخصصة تنصح وتوجه وتقدم الخبرة لتصويب القرارات التى قد تخرج بشكل عشوائى بسبب قلة الخبرة دون أن نشعر أن هذا قد انتقص من مكانتنتا أو قلل من الأبهة الشكلية فى وقت يجب علينا فيه أن نتحرك بشكل علمى واع لنترك للأجيال الجديدة السينما التى نحلم بها.

أما إذا استمررنا فى الحوسة التى نعانى منها الآن.. والتخبط فى القرارات.. وظللنا نجامل هنا.. ونتغاضى هناك.. متخيلين أننا ننقذ الصناعة.. فلن ينتهى الأمر إلا ونحن قد ضحينا بالأم والأب والجنين لننقذ الداية.
إسعاد يونس  فنانة ومنتجة سينمائية مصرية
التعليقات