هل أُلفت حركة النهضة بين التونسيين؟ - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل أُلفت حركة النهضة بين التونسيين؟

نشر فى : الثلاثاء 1 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 1 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

استهل راشد الغنوشى خطبته التى ألقاها فى مؤتمر شباب النهضة بالآية القرآنية « وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (الأنفال63) متوجها إلى شباب الحركة بالدرجة الأولى بخطاب أشاد فيه بفضائل الشباب الإسلامى بالسبعينيات ثمّ شباب النهضة، مذكّرا ببطولاتهم السابقة دون أن ينسى دورهم فى مقاومة الاستبداد. ولكن لسائل أن يسأل هل حدث التآلف بين التونسيين فى عهد الحكّام الجدد؟

 فبعد تقسيم التونسيين إلى معسكرين: الإسلاميون والعلمانيون، وتوزيع النساء على أساس الهيئة والملبوس بين محجّبات ومنتقّبات وسافرات، ها نحن اليوم إزاء فرز أيديولوجى آخر: شباب الحركة الإسلامية والشباب الماركسى، شباب الحركة الإسلامية الذين أرسوا قيم الحرية والشباب الذى كانت لغته الفرنسية ويمارس العنف فى الجامعة، وبين من منّ عليهم الله بالحرّية  من خلال الثورة، ورهط يحاربون الثورة ويريدون استعادة منظومة الاستبداد.

ولئن سعى الغنوشى إلى تأصيل قيم الثورة بربطها بالمرجعية الإسلامية فإنّه بقى مشدودا إلى أفق أحادية التصوّر. ولمّا كان الخطاب يشى بما يحاول صاحبه أن يتجنّبه فقد بدا التعارض واضحا بين إلحاح الغنوشى على عدم استبعاد التونسيين من جهة، واعتبار جميع التونسيين مسلمين «والحمد لله» من جهة أخرى، فهل نسى الخطيب أنّ ممارسات الاستبعاد تنطلق من نظم الكلم، وأنّ تجاهل باقى التونسيين من اليهود والمسيحيين والبهائيين والملحدين فى فترة بناء التحول الديمقراطى يعدّ علامة على عدم الإقرار بحقّهم فى بناء الوطن، من منطلق المواطنة الكاملة. كما أنّ شطب فئة من التونسيين يعتبر شكلا من أشكال العنف الممارس على أساس المعتقد، وهو ممارسة مركوزة فى فكر الإخوان وإن حاول صاحب الخطاب الادّعاء بأنّ حزبه يؤمن بالديمقراطية.

●●●

عبثا يحاول الغنوشى إقناع التونسيين بأنّ حزبه سيرسى أسس الديمقراطية ويمنح الحرية للجميع. فالخطاب يفضح صاحبه، وممارسة السلطة كشفت المستور. فهل يجوز لمن آمن بثورة قادها الشباب أن يتجاهل معاناة جرحى الثورة الباحثين عن حقوقهم المهدورة؟ وهل من العدل أن ينصف شباب النهضة فيعثرون على عمل ينسيهم مرارة الظلم فى حين يواجه الشباب العاطل عن العمل بهراوات الشرطة تؤدبهم على احتجاجات عكّرت صفو النظام؟ وهل من الإنصاف شنّ حملة على التجمعيّين وتمكين فئة منهم من زمام السلطة من جديد؟ وهل يجوز لمن آمن بفكرة التداول على الحكم، والانتخابات النزيهة والشفافة  أن يؤكد بأسلوب ينهل من نسغ الفكر الوثوقى أنّ حزبه سيفوز فى الانتخابات القادمة؟ وهل وهل... أسئلة تطرح معبّرة عن هذا التعارض بين القول والفعل ، بين منظومة قيمية لم تتجاوز الشعارات ، ولم تفعّل على أرض الواقع،... عبثا يحاول الغنوشى التأليف بين التونسيين وهو يذكّر بصراعات الماضى، ويفتح أرشيف الذاكرة، عبثا يحاول ادعاء الممارسة الديمقراطية وهو يكرّر «لن نسمح، لن نسمح، لن نسمح... ينبغى أن نكون جميعا ديمقراطيين». إنّ بنية الخطاب حبلى بمعانى التسلّط لمن يدعى بأنّه «لن يسمح بعودة الاستبداد».

●●●

هذه عيّنة من عينات خطب القياديين تدل دلالة واضحة على أزمة الخطاب السياسى الراهن الذى فقد قوّته على التأثير فى الجماهير حتى وإن تحمّس شباب النهضة وردّدوا «الشعب يريد النهضة من جديد» وكبّروا علّ الله يمنّ عليهم بالنصر من جديد... فأنى لمن قاد الحركة أن يقنع ويحاجج وهو بلا «كاريزما»؟ وأنى لرئيس بخلفية حقوقيّة أن يحظى باحترام السامعين والمشاهدين والحال أنّه كلما تكلم طالبته الجماهير الغاضبة بالتنحّى عن رئاسة البلاد؟

 

أستاذة بالجامعة التونسية

التعليقات