وجهة الطريق الغائبة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وجهة الطريق الغائبة

نشر فى : السبت 5 يوليه 2014 - 5:10 ص | آخر تحديث : السبت 5 يوليه 2014 - 5:10 ص

فى (٣) يوليو الجديد فإن هناك طرفا خسر مجددا دون أن يكسب الطرف الآخر.

طرف تقوضت فرصه فى المستقبل بتوغله فى العنف وشبه تصدعه التنظيمى وطرف آخر تضغط عليه حيرة التساؤلات ويحاصره قلقه.

طرف تصادم مع مجتمعه بقسوة وطرف آخر ظهيره الشعبى تعوزه الإجابات عن أسئلته ومخاوفه.

إشارات المشهد المضطرب أهم من وقائعه التى جرت فى الذكرى الأولى لعزل الرئيس الأسبق «محمد مرسى» وإطاحة «الإخوان» من الحكم.

لم يكن ممكنا لاستراتيجية «العبوات الناسفة» أن تغير من طبيعة المشهد السياسى أو تزحزحه عن مساره الحالى.

رهانات الترويع تبددت بأسرع من أصوات التفجيرات فمن حيث طلبت ارباك النظام الجديد استثارت غضب المواطن العادى ومن حيث أرادت العودة إلى السلطة تأكدت استحالتها.

بقدر إخفاق الجماعة المريع فى بناء موقف سياسى وأخلاقى قادر على اكتساب شىء من الاختراق لمناطق نفوذ خسرتها فإن السلطة الجديدة يعوزها بناء سياسات قادرة على الوفاء بمهمة الإنقاذ الوطنى والحفاظ على ذات درجة تماسك ظهيرها الشعبى.

تراجع الشعبية وافق التوقعات التى سادت المجال العام قبل انتخاب الرئيس، فالأزمات ثقيلة وضاغطة والموارد محدودة وشحيحة بينما الرهانات لا سقف لها. هو نفسه استمع كثيرا لتقديرات مالت لهذه التوقعات لكن المعضلة أن ما كان متوقعا يداهم المشهد مبكرا دون أن تكون هناك وجهة معروفة للحركة ورؤية مقنعة فى إدارة الملفات الرئيسية.

القضية ليست فى تراجع شعبية الرئاسة وإنما فى انسداد القنوات السياسية والاجتماعية التى تسمح باستعادتها ووضعها فى سياق مهمة إنقاذ ضرورية.

فى القلق تساؤلات عن الخيارات الكبرى التى سوف تتبع والأثمان الاجتماعية التى سوف تدفع للإصلاح المالى والاقتصادى وفى أى جانب تقف الرئاسة.

ومن الخطأ الفادح تصور أن الظهير الشعبى ثابت على حاله لا تطرأ عليه عوامل التجريف والتآكل، فهو يتماسك بقدر اقتناعه بأن هناك ما يستحق الدفاع عنه والتضحية من أجله.

راهن على أمل تطلع إليه لكن يصعب عليه استطراد المظالم على منوالها وإعادة إنتاج العقلية القديمة وتأجيل العدالة الاجتماعية إلى ما غير موعد.

البداية دائما الإحباط، وهو قد بدأ يطل على المشهد دون أن يفقد أصحابه الأمل فى استجابات أخرى من رجل راهنوا عليه.

ما بين الإحباط المخيم والأمل الممكن تراجع تماسك الظهير الشعبى حول رهانات (٣٠) يونيو فى بناء دولة قوية وحديثة وعادلة.

هذه حقيقة مفجعة فى توقيت حرج تستدعى مواجهتها وتصحيح مسارها بدلا من المضى بعربة مستهلكة فى طرق غير ممهدة بلا إشارات ترشد.

فى (٣) يوليو الجديد تصدرت مشاهده تظاهرات محدودة تقطع الطرق وتحرق الإطارات وأعمال عنف استهدفت مقار شرطية ومواطنين عاديين وحضورا أمنيا كثيفا أغلق ميادين عامة وفرض كلمته.

المشاهد ذاتها تومئ إلى أن الدولة لم تعد بعد إلى كامل عافيتها وأن المخاطر ماثلة ومستويات الأداء العام تتحمل المسئولية الأساسية، فلا يعقل أن تشل تقريبا تظاهرات محدودة مرور العاصمة أو أن توقف جزئيا العبوات الناسفة حركة الحياة.

تلخيص المشهد فى الجماعة والأمن يعنى أننا أمام مشكلة قد تتفاقم بالوقت، فالناس العاديون خارج المعادلة تقريبا بينما كانوا الأكثر تأثيرا وحسما فى مواجهات سابقة.

باستثناء الدفاع الطبيعى عن الحق فى الحياة ضيقا بالعنف وأصحابه فإنهم أقرب إلى المشاهدة لا المشاركة، لا يودون عودة الجماعة لكنهم لا يطمئنون للمستقبل.

وفق هذا الاستنتاج فإن هناك قلقا مرشحا أن يتجاوز حدود أمانه فى بنية المجتمع يعود إلى ضباب الرؤية التى تحكم التصرفات وعدم معرفة الوجهة التى نتحرك إليها.

ووفق الاستنتاج نفسه فإن إدارة ملفى الأمن والاقتصاد صلب تصاعد معدلات القلق وأى مواطن عادى تقابله ربما يسألك بصياغات عديدة: هل أنت مطمئن؟

فى إدارة الملف الأمنى لا توجد استراتيجية لمكافحة الإرهاب وتكاد تتلخص فى مداهمات أوكاره ومخازن سلاحه وتفكيك خلاياه وملاحقة كوادره، وهذا كله ضرورى لكنه لا يكفى لكسب الحرب مع الإرهاب بأسرع وقت وأقل كلفة.

من حين إلى آخر تتبدى ثغرات أمنية تسمح للإرهاب أن يمرق بينها ويوجه ضربات موجعة ويجرى الحديث عن ضرورات سدها ومحاسبة المسئولين عنها لكنه لا يجرى حديث مماثل عن الثغرات السياسية التى تتبدى فى غياب أية تصورات لمواجهة الموقف على مدى طويل نسبيا. فى إعفاء السياسة تحميل للأمن بأكثر مما يحتمل فى الحرب على الإرهاب ووضعه فى انكشاف تدريجى بانحسار ظهيره الشعبى.

للانحسار أسباب أخرى تقتضى مواجهتها بحسم فى العلاقة بين الأمن وشعبه فلم تعد الصورة على النحو الذى كانت عليه قبل عام.

الخروقات اتسعت إلى حد وضع المؤسسة الأمنية فى تعارض مع القيم الدستورية، وهذه مسألة تنال من شرعية الحكم كله والتباطؤ فى رفع المظالم كلفته باهظة بمدى منظور.

وفى إدارة الملف الاقتصادى فإن الإجراءات تسبق التصورات والقرارات تلاحق بعضها الآخر بلا نسق مقنع. بحسب ما هو ظاهر فالهدف هو خفض العجز فى الموازنة العامة إلى حدود تسمح مستقبلا باستعادة العافية الاقتصادية، وهذا كلام جدى شرط أن يكون واضحا من الذى سوف يسدد فارق العجز فى الموازنة؟

رغم الكلام الكثير عن العدالة الاجتماعية فإن الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا وعوزا سوف تسدد الجانب الأغلب من فاتورة تحريك الأسعار ورفع الدعم الجزئى عن الطاقة.

بالنسبة للأمن فالقرارات العشوائية بتداعياتها المحتملة فى الشارع عبء جديد عليه يخفض من مستوى كفاءة إدارة الحرب مع الإرهاب.

واللافت أن الحكومة تطلب دعم الإعلام لخطتها متصورة أن بوسعه إقناع المتضررين بتحمل الأعباء المترتبة عليها.

هذا رهان فى غير موضعه، فالناس تصدق الأسواق وفواتيرها قبل أى طرف آخر.. والكلام عن إصلاح مالى بلا رؤية اجتماعية أقرب إلى أحاديث عهد «مبارك» عن معدلات النمو بلا تنمية والتى أفضت إلى تقويض النظام كله.

بكلمات أخرى فإن أمنا بلا سياسة واقتصادا بلا عدالة أقرب إلى انهيارات صخرية غير مستبعدة. الانهيار المحتمل يفسح مجالا لتنظيمات الإرهاب أن تتمركز وللغضب الشعبى أن يعلن عن نفسه. لا تطلب من الناس أن تخرج لتقف معك وأنت لا تحادثها باللغة التى تفهمها وتشعرها بأن هناك أملا فى المستقبل ومعنى للتضحية وأن العدالة الاجتماعية قابلة للتحقق بإجراءات تشير إلى أنك سوف تمضى فى هذا الاتجاه. قد لا تكون كبيرة لكنها كافية لتحديد وجهة الطريق.