الصين.. قوة تصحيح فى النظام الدولى أم لتغيير هياكله؟ - معتمر أمين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصين.. قوة تصحيح فى النظام الدولى أم لتغيير هياكله؟

نشر فى : الخميس 9 فبراير 2023 - 8:15 م | آخر تحديث : الخميس 9 فبراير 2023 - 8:15 م

انشغلت العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية بالصعود الصينى منذ سنوات طويلة، فى محاولة للإجابة عن السؤال، هل هذا الصعود يتماشى مع الترتيب العالمى القائم، أم للصين تصور مختلف عن الترتيب الحالى؟. وانقسمت الدراسات إلى رأيين، الأول يرجح أن الصين لن تغير النظام العالمى وستعمل من خلاله لتحسين مكانتها، بينما يرى الثانى الصين ليست مجرد قوة تصحيح للترتيبات القائمة فى العالم، وإنما هى قوة تسعى لإعادة الهيكلة لتصل لهيمنة القوى العظمى. وتلا ذلك محاولة الإجابة عن سؤال آخر يتعلق بطبيعة الصعود الصينى، هل سيكون سلميا أم بالقوة؟. وتباينت التوجهات فى الإجابة عن هذا التساؤل، حيث رجحت مجموعة أن الصعود لن يكون سلميا، ومجموعة أخرى ترى أن الصين عملاق اقتصادى لن يسعى لتبديد مكاسبه، بل سيفعل كل شىء لعدم الانزلاق إلى مواجهة يفقد فيها الكثير، وقد لا يصل للنتائج المرجوة. ويبدو أن هذه الأسئلة وجدت إجابات حاسمة فى الولايات المتحدة، التى رجحت أن الصين ليست مجرد قوة تصحيحية ولكنها قوة لإعادة الهيكلة، وأن الصعود الصينى لن يتسم بالسلمية بل سيصل لحافة المواجهة. من هنا نعيد قراءة المشهد فى ثلاث مناطق للمواجهة بين الطرفين.
• • •
بالرغم من أن المنطقة الأولى التى تشهد هذا النوع من المواجهة هى جزيرة تايوان، لكن لنبدأ بالمشهد فى أوكرانيا التى تعد أكثر منطقة ملتهبة فى المناطق الثلاثة. إذ فرضت الأزمة الأوكرانية نفسها على المعادلة الاستراتيجية، التى وضعت روسيا فى جانب مقابل الناتو فى جانب آخر، بينما الصين بعيدة عن تداعيات الأزمة، فيما يبدو وكأنه انتكاسة للغرب تأتى لصالح الصين. ولقد أخذت الحرب فى أوكرانيا منحى جديدا بعد كسر الغرب لكل الخطوط الحمراء التى حذرت منها روسيا. وقطع وعد لأوكرانيا بمدها بالدبابات «الحديثة« الأمريكية والألمانية والبريطانية، والمقاتلات من طراز تايفون الإنجليزية، وإف ــ 16 الأمريكية، ومنظومة الدفاع الجوى المتطورة من طراز إم آى إم ــ 104 باتريوت، والصواريخ الهجومية الموجهة إم 142 هيمارس الأمريكية. ولكن يبدو أن مخزونات الذخيرة آخذة فى التراجع لدى 50 دولة تمد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية، والتى اجتمعت فى قاعدة رامشتين الجوية الأمريكية بألمانيا يوم 19 يناير الماضى. وبدا أن أهم تحدٍ يواجه الغرب هو نزيف مخزونه من الذخيرة مما ينذر بتغير لصالح روسيا فى الأسابيع القادمة. وفى هذا السياق، هل بوسع الغرب فتح معركة حاليا مع الصين ولديه مخزونات خاوية؟
لننتقل إلى المنطقة الثانية، وهى جزيرة تايوان. فبعد اندلاع الحرب الأوكرانية، حاولت الولايات المتحدة استفزاز الصين فى أغسطس الماضى عبر زيارة رئيسة مجلس النواب الديمقراطية السابقة لتايوان، مما رفع حالة التوتر بين البلدين. لكن لم تنزلق الصين لمواجهة فى تايوان، ويدور الآن الحديث فى واشنطن عن زيارة جديدة لرئيس مجلس النواب الجديد الجمهورى يتم الترتيب لها فى الربيع القادم. وبغض النظر عن التفاعلات السياسية الداخلية بالولايات المتحدة، وألاعيب إثبات القوة بين الحزبين الديمقراطى والجهورى، فإن السؤال الأهم هل تتحمل الصين الاستفزاز للمرة الثانية أم ستضغط عليها الكرامة الوطنية وتنزلق مبكرا فى المواجهة؟ لقد حث الرئيس الصينى جيشه لاتخاذ كافة الاستعدادات من أجل القيام بعملية عسكرية فى تايوان عام 2026، ويمثل هذا الإعلان الصريح أن المواجهة الاستراتيجية بين الطرفين ستأخذ منحنى واسعا فى السنوات القليلة القادمة. علما بأن أخطر ما فى المواجهة بين الطرفين يدور حول «الرقائق الإلكترونية» المصنوعة فى تايوان، حيث يعتمد خمس إنتاج الصين على تلك الرقائق. وتسعى الولايات المتحدة لقطع وصول الصين لتلك التكنولوجيا لإبطاء تقدمها التكنولوجى العسكرى. وبدورها فاجأت الصين واشنطن بوجود منطاد تجسس صينى فوق ولاية مونتانا يحمل قمرا صناعيا يلتقط صورا للقواعد الجوية الاستراتيجية، وقواعد الصواريخ الباليستية. وهى حادثة المنطاد الأولى التى يكشف عنها إعلاميا. وتسببت فى إرجاء زيارة وزير الخارجية الأمريكى لبيكين التى تعد الأولى من سبع سنوات. والسؤال الآن، إلى متى يستطيع الطرفين ضبط النفس أمام الاستفزازات المتبادلة؟
المنطقة الثالثة المؤهلة للمواجهة المحتملة هى منطقة الخليج العربى، التى تشهد موجة من الاجتماعات على مستوى القمة. حيث زار مستشار الأمن القومى الأمريكى إسرائيل، وعقد قمة أمنية إبراهيمية فى شهر يناير الماضى حضرها رئيس الوزراء الإسرائيلى، وممثلين عن الإمارات العربية والبحرين. وعقدت قمة فى أبو ظبى جمعت أربع دول خليجية إضافة لمصر والأردن بدون حضور السعودية. ثم زار نتنياهو الأردن واجتمع بالملك عبدالله الثانى، وبعدها سافر الملك إلى قطر وعقد لقاء مع الأمير تميم. وجاء وزير الخارجية الأمريكى للمنطقة وزار مصر وإسرائيل. وتلاها زيارة وزير الخارجية المصرى إلى موسكو. والسؤال المحورى فى هذه القمم لا يدور حول فلسطين التى تشهد تصعيدا من أكثر حكومة يمينية متطرفة فى تاريخ إسرائيل. وإنما السؤال حول التصدى للخطر الإيرانى. واكب هذه التحركات قيام إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بأكبر مناورة عسكرية بين البلدين فى شرق المتوسط. كما سحبت الولايات المتحدة نصف مخزون الذخائر من مخازنها بإسرائيل وحولتها إلى أوكرانيا. كما تدرس إسرائيل إرسال أسلحة إلى أوكرانيا فى ظل تهديد روسيا برد الفعل. واتهمت إيران إسرائيل بالوقوف وراء الهجوم ضد مصنع المسيرات بمدينة أصفهان الذى يمد روسيا بالمسيرات فى حربها ضد أوكرانيا. وهذه التطورات تنذر بأن تفاعلات الحرب الأوكرانية تصل لقلب الخليج العربى. ولكن ما علاقة الصين بهذا المشهد؟
• • •
لو نظرنا إلى الصورة من منظور أكثر شمولا، فى محاولة لفهم ماذا يجرى فى عالم ما بعد كورونا، نجد بعض الدراسات الاستراتيجية التى أمعنت النظر فى مسألة انتقال الثقل العالمى من الغرب إلى الشرق، بمعنى من مجموعة الأطلسى إلى مجموعة أوراسيا. ويبدو أن ميدان المعركة الأوكرانى هو ثانى محطة عملية لهذا الانتقال، بينما المحطة الأولى هى تدشين مجموعة بريكس عام 2009 المكونة من الصين، والهند، وروسيا، والبرازيل، وجنوب أفريقيا، والتى عقدت القمة الرابعة عشر يوليو 2022. ويبدو أن الولايات المتحدة تفعل كل ما بوسعها لمحاصرة القوة الآسيوية الصاعدة وزعزعة استقرارها الإقليمى. ونجحت فى فصل روسيا عن أوروبا بعد حالة التقارب التى شهدتها موسكو وبرلين. وكادت أن تنجح فى إشعال الموقف مباشرة مع الصين، والآن على وشك أن تكرر الأمر نفسه فى الخليج العربى، مما يقطع طريق الحرير البرى، ويهدد طريق الحرير البحرى أيضا.
فى كل تلك المواجهات لا تقوم الولايات المتحدة بدور عسكرى مباشر وإنما بدور سياسى واستراتيجى مباشر. وتترك المواجهات إلى دول المناطق، وتكتفى بمدهم بالمعدات والذخيرة. فهل يسقط الخليج فى هذا الفخ؟ وهل تنجح الولايات المتحدة فى فرملة انتقال الثقل العالمى إلى الشرق؟ ولكن هل يحمل المنطاد الصينى رسائل تغير شكل المواجهة؟
باحث فى مجال السياسة والعلاقات الدولية
الاقتباس:
هذه الأسئلة وجدت إجابات حاسمة فى الولايات المتحدة، التى رجحت أن الصين ليست مجرد قوة تصحيحية ولكنها قوة لإعادة الهيكلة، وأن الصعود الصينى لن يتسم بالسلمية بل سيصل لحافة المواجهة. من هنا نعيد قراءة المشهد فى ثلاث مناطق للمواجهة بين الطرفين.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات