مصــــــر بين مشيرين - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصــــــر بين مشيرين

نشر فى : الإثنين 10 فبراير 2014 - 4:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 10 فبراير 2014 - 4:25 ص

قبل ثلاث سنوات بالضبط سأل الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» المشير «محمد حسين طنطاوى» أن «يحمى الشرعية» أو «يشيل الشيلة». بدا «طنطاوى» محرجا، فالشرعية تقوضت والجيش يستحيل عليه أن يتصادم مع شعبه. تناقضت اعتبارات الولاء التقليدية مع الإرادة الشعبية التى نهضت لإزاحة نظام تيبست مفاصله وخاصم عصره.

قضى الأمر فاضطر «مبارك» فى اليوم التالى (١١) فبراير (٢٠١١) لمغادرة حكم اتصل لثلاثين سنة.

فى الأسابيع الأولى لحكم «المجلس العسكرى» ارتفعت حظوظه فى تقلد المنصب الرئاسى، الشعب يثق فى جيشه وجماعة الإخوان المسلمين بسياساتها البراجماتية أبدت استعدادها لتأييد ومقايضة الرجل القوى الجديد فى مصر، والجماعات السلفية بدأت تبايعه فى الميادين العامة أميرا جديدا للمؤمنين(!)، وقوى سياسية مدنية عديدة لم تكن تمانع فى رئاسته كمرحلة انتقالية ضرورية.

باستثناء بعض الأصوات التى ارتفعت مبكرا للتنديد بما أسمته «حكم العسكر» فإنه لم تكن هناك معارضة يعتد بها لصعوده الرئاسى، غير أن الطريقة التى أدار بها المرحلة الانتقالية أفضت إلى سحب على المكشوف من رصيد الجيش فى الحياة العامة وتدهورت صورته بفداحة.

عزف المشير «طنطاوى» عن الترشح للرئاسة بعد أن آلت إليه مقاليد السلطة لأسباب متداخلة من بينها حالته الصحية ورغبته أن يقضى ما تبقى له من عمر بين أولاده وأحفاده. فى الوقت نفسه حجب أية احتمالات لترشح نائبه الطموح الفريق «سامى عنان» فطالما لن يترشح هو فإن أحدا آخر من المجلس العسكرى لا يحق له التطلع للمنصب الرئاسى.

عندما بدأ السباق إلى قصر «الاتحادية» لم يحسم المشير «طنطاوى»: مع أى مرشح يقف؟.

قال للواء الراحل «عمر سليمان»: «على بركة الله».. ولم ينبس بكلمة إضافية. بالقدر ذاته لم يتحمس لترشيح الفريق «أحمد شفيق».

كان قلقا بدرجة ما أن يتولى رئاسة الجمهورية رجلا بخلفية عسكرية يحاول إعادة استنساخ أدوار أسلافه فى العلاقة مع القوات المسلحة. تحفظ على «عمرو موسى» عندما علت فرصه باستطلاعات الرأى العام فى بداية السباق الرئاسى، ولم يكن مقتنعا بأن «مرشحى الثورة» بحسب التعبير الذى شاع وقتها لديهم فرصة. أبدى تعاطفا مع الراحل «منصور حسن» لكنه لم يحاول أن يسانده. راقب التطورات الجارية أمامه وتدخل فيها بأضيق نطاق وترك مصير البلد لمقاديره.

قرب حسم الانتخابات الرئاسية استبدت به الحيرة واحتار مقربوه معه، فلا مرشح يزكيه للرئاسة ولا حسم لمواقيت مغادرته المؤسسة العسكرية، فقد كان الحاكم الفعلى للدولة ورجلها القوى لعام ونصف العام. تضايقه الضغوط الأمريكية لكنه لا يصدها ويتابع تفاهماتها مع الاخوان المسلمين بلا اعتراض.

فى المشهد حيرة رجل لا يعرف بالضبط كيف يتصرف فى الأوضاع الجديدة. لم يطل الوقت عليه بعد صعود مرشح الإخوان المسلمين الدكتور «محمد مرسى» لقصر الاتحادية فقد أطاح به بعد أسابيع.

قرب النهايات تحكمت فيه نزعتان.. الأولى جسدتها عبارة منسوبة إليه: «لن أسلم البلد إلى الإخوان المسلمين»، وفيها اعتبارات ومشاعر متضاربة، فهو ملتزم بتسليم السلطة لمدنيين فى المواقيت المقررة وقلق فى الوقت نفسه أن تئول إلى جماعة الإخوان المسلمين.. والثانية عكستها عبارة أخرى توقع فيها أن: «الجيش سوف يعود بشروطه إلى ساحات السياسة فى غضون ستة أشهر»، وفيها اختلطت التوقعات بالأمنيات، فالأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التى خبرها بنفسه مرشحة للتفاقم، وفى الخلفية شىء من تمنى رد الاعتبار للمرحلة الانتقالية التى قادها.

أخفقت نزعته الأولى وسلم بنفسه السلطة للإخوان المسلمين وتأخرت الأخرى لستة أشهر إضافية على ما توقع، فقد أطيح بالجماعة فى (٣) يوليو انحيازا لإرادة شعبية جديدة تجلت فى (٣٠) يونيو (٢٠١٣).

تصدر المشهد الجديد رجل آخر حمل تالياً رتبة المشير من أقرب معاونيه لسنوات طويلة والعلاقة بينهما ــ بعيدا عن أية اعتبارات سياسية ــ أقرب إلى أب وابنه.

فى حقائق القوة الكامنة، بغض النظر عن أدوار الرجال، لم تكن إقالة «طنطاوى» خطا أحمر رسم فى الهواء لدور الجيش فى السياسة.

لم يكن هناك مفر من إطاحة «مرسى» وجماعته، فالبديل احتراب أهلى طويل ومهلك والتأخر فى الانحياز للإرادة الشعبية يفضى إلى أن تكون المؤسسة العسكرية نفسها جزءا من الفوضى وطرفا فيها لا مدخلا إلى مستقبل يحفظ البلد ويصونها.

تجنب الرجل القوى الجديد «عبدالفتاح السيسى» سيناريو الحكم العسكرى على النحو الذى جرى فى المرحلة الانتقالية الأولى وأسند السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا والحكومة إلى قيادات فى «جبهة الإنقاذ» واستولت عليه فى البداية فكرة أن يحفظ التاريخ صورته كـ«منقذ» لا كـ«رئيس» غير أن الضرورات استدعته للترشح الرئاسى، الحرب على الارهاب والفراغ السياسى يدفعانه لمهمة شبه مستحيلة فى تحمل «الشيلة». يدرك أن تبعاتها أطاحت «مبارك» الذى وصف مصر قرب نهايات حكمه بـ«الخرابة».. واستنزفت أعصاب «طنطاوى» الذى تساءل كثيرا: «ما الذى فعلته حتى تهتف المظاهرات ضدنا؟».. وقوضت حكم «أول رئيس مدنى منتخب» تصورت جماعته أن بوسعها «التكويش على الدولة» رهانا على تحالفات دولية وإقليمية وبنى تنظيمية متأهبة أن تردع بالسلاح من يفكر فى إطاحتها.

فى اعتقاد المشير «السيسى» أن أفضل ما ينسب للمشير «طنطاوى»، رغم سوء إدارة المرحلة الانتقالية الأولى، أنه تمكن من الحفاظ على الجيش وتماسكه وإبعاد أشباح الخطر عن ثكناته فى ظروف عاصفة.

حافظ على العهد العسكرى ذاته عندما أصبح وزيرا للدفاع على عهد «مرسى». حاول بقدر ما يستطيع إعادة الجيش إلى مهامه الأصلية وتأكيد تماسكه وإبعاده عن المجال السياسى، لكنه وجد نفسه فى وضع اضطرارى عائدا من جديد للميادين المفتوحة.

بحسب معلومات موثوقة إنه فكر فى أن يدرج فى نص خطابه يوم (٣) يوليو إشارة تحية إلى «طنطاوى» والمجلس العسكرى الذى كان عضوا فيه لكنه استبعدها خشية خلط الصور وإرباك التصورات.

وهو يقترب من حسم رئاسة الجمهورية فإن تجربته مع ثلاثة تحولات كبرى فى ثلاث سنوات تدعوه لقراءة الخرائط السياسية بنظرة مختلفة.

هو الذى اقترح على «طنطاوى» إعداد خطط احترازية تواجه احتمالات متوقعة لغضب شعبى جامح عند الشروع فى انتقال السلطة من الرئيس الأسبق «مبارك» إلى نجله الأصغر «جمال».

كانت هناك تكهنات قوية بأن «مبارك» قد يعلن عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة مفسحا المجال لنجله فى مايو (٢٠١٠) للإعلان عن خوضه هذه الانتخابات ووراثة أبيه على المقعد الجمهورى، لكن الحوادث سبقت خططه وجرت ثورة شعبية فى يناير، وبعض ملامح خطته نفذت بتعديلات عليها لتتسق مع الأوضاع المستجدة.

فى مرة ثانية وجد نفسه فى دوامات إطاحة المشير «طنطاوى» بالطريقة التى جرت بها وبدا رجلا ممزقا بين اعتبارات تجديد دم المؤسسة العسكرية وولائه للمشير الذى تولى تصعيده إلى أعلى المراتب ورشحه لخلافته.

هكذا وصل إلى التحول الثالث، لكنه هذه المرة كان الرجل الأول فى اللعبة كلها.

إنه رجل استراتيجى بدراسته وتفكيره وما يبدو عليه من عاطفية فى خطاباته المقتضبة لا تعكس أبعاد شخصيته كاملة.

وهو يتقدم لرئاسة الدولة فإنه يدرك من موقعه أنه أمام «شيلة» ثقيلة وأن الإخفاق فى مهمته العسيرة يسحب من شعبيته ويضع مستقبل البلد كله بين قوسين كبيرين.