زياد الرحباني.. الفرادة فى العزف على وتر الوجع الإنساني! - فخري كريم - بوابة الشروق
الأربعاء 30 يوليه 2025 11:44 م القاهرة

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

زياد الرحباني.. الفرادة فى العزف على وتر الوجع الإنساني!

نشر فى : الثلاثاء 29 يوليه 2025 - 7:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 29 يوليه 2025 - 7:15 م

قيل الكثير عن زمننا هذا، زمن الرثاثة والانحدار، ومن بين تداعياته «المريرة» ربما، ذاك الإحساس بالعجز عن مجاراة واقعٍ مؤلم، بالغ الرثاثة، تغنٍّ بـ«الزمن الجميل» واستدعاؤه كلما اشتدّ الوجع، واختنق الصراخ المكبوت، ليتحوّل إلى حالة يأسٍ وإحباطٍ من إمكانية الخلاص.

لم يقتصر الانحدار على فعل السياسة وتجلياته، بل امتدّ إلى سائر ميادين الحياة الثقافية والفنية، وحقول الاقتصاد والتربية والصحة، وسواها من مظاهر التصدع الاجتماعى والروحى. وكاد المشهد العام، فى مساراته وإسقاطاته، يبدو كما لو أنه تدوير لانهيار القيم والمبادئ الإنسانية، وتخلٍّ عام عنها، حتى على مستوى الاستنكار، وأحيانًا بالمجاراة والقبول بها، بوصفها شكلاً ملائمًا لتحولات مجرى التطور الحضارى وانعكاسًا له.

وليس غريبًا، فى ظل هذا المشهد، أن تتحوّل نتاجاته وانعكاساته إلى ثقافة مجتمعية ضاغطة، تدفع نحو مزيدٍ من الانحدار فى الوعى العام، وتضعف حصانة الرفض والتمرد والنهوض وفعل التغيير.

وقد بانَت مظاهر هذا الارتداد فى الوعى العام والبيئة السائدة بكل عنفها وأدواتها، فى السياسة وأنماط الحكم، وفى استقواء كل مفاعيل التخلف، وتغييب الدولة لصالح اللادولة، بكل ما تعنيه من تسلط حوامل التخلف فى قاع المجتمع، واستحضار أحطّ عهود «التوحش والفوضى والعنف المنفلت»، وانبعاث العودة إلى الهويات الفرعية، وقيمها وأساليبها، والاستقواء بها وترسيخها.

غير أن هذا كله لم يترسّخ فى الوعى العام دون انعكاسه فى الفن، وفى أنواعه الأكثر جماهيرية وتأثيرًا: الموسيقى، الغناء، والأنماط المرافقة لهما. وقد لامسَ هذا البُعدَ الثقافى الناقدُ إدوارد سعيد فى مقالته الشهيرة «عصر تحيا كاريوكا»، حين أضاء جانبًا من أثر الفن الجماهيرى فى إنتاج الوعى أو تكريسه.

وشهدت مرحلة امتدت مع صعود النضال والحراك الوطنى التحررى، منذ الإفلات من العهد العثمانى وانبعاث حركات التحرر القومى والوطنى، تألقًا للأغنية والنشيد والقصائد المغنّاة، بدورٍ تحريضى، توعوى، وتعبوى، أغنت الحركات الوطنية وساهمت فى إشاعة المفاهيم والقيم الإنسانية، ودفع أوساط أوسع للانحياز والمشاركة فى الحراك الاجتماعى والسياسى. وكان لذلك تأثيرٌ فيما تحقق من تحولات إيجابية فى الوعى العام، ومن إنجازات سياسية سيادية واستنهاض فى مختلف المجالات.

 

تلك الأدوار الإيجابية المؤثرة للفن، وللأغنية والنغم السياسى تحديدًا، فى مرحلة ما سُمى بـ«التحرر الوطنى» – التى غلبت عليها ظاهرة الانقلابات العسكرية – لم تخلُ، دون شك، من جوانب سلبية، أبرزها تكريس أنماطٍ فردية فى أساليب الحكم، وعبادة الزعيم والحزب القائد..!

لكن ظاهرة الفرادة، فى الجمع بين كل أدوات نغمٍ متكامل: كلمات، ألحان، أداء، وموقف، تمثلت فى مبدعٍ استثنائى، حمل تراث آل رحبانى الأيقونى الإبداعى، وتفرّد به، وارتضى أن يُعرف باسم: «زياد الرحبانى». لم يتكرّر فى غيره، حين يكتمل التوصيف بما عبّر عنه وانتهجه، ولم يحد عنه، باعتباره حاملًا لهمّ الفقراء والمحرومين والملتاعين من جور الاستغلال والتمييز والعسف، والعازف – بعاطفة لا تنضب – على وتر الوجع الإنسانى، كيفما انعكس وأينما تجلّى.

وبفقدانه، يُطوى خيطٌ منير من شمس الحرية، ويغيب قبسٌ من عملية إبداعية وسلوك يتوحّد فيه الفن بالتوهّج الإنسانى، وسط زمن الرثاثة والانحدار.. زمن قد يمضى، لكنه لن يُكتَب له أن ينتهى، دون أن يكون زياد جزءًا من فعله، أو من حلم تغييره.

فخري كريم رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير مؤسسة المدى العراقية للإعلام والثقافة والفنون
التعليقات