مأزق القضية الفلسطينية - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 8:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مأزق القضية الفلسطينية

نشر فى : الخميس 11 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 11 أبريل 2013 - 8:00 ص

كنا نقول إن الاهتمام بالقضية الفلسطينية «قضية العرب الأولى» قد تراجع، والآن صمتنا حتى عن هذا القول. تراجع الاهتمام بالقضية بالفعل تحت وطأة متغيرات إقليمية وعالمية منذ ثمانينات القرن الماضى، وهى عقد الحرب العراقية ــ الإيرانية التى أحدثت تغيرات جذرية فى النظام العربى من أهمها ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بعد أن طغى عليها الخطر الإيرانى اعتباراً من 1986، وبدا هذا واضحاً فى قمة عمان 1987 التى تراجعت فيها أولوية القضية الفلسطينية للمرة الأولى فى تاريخ القمم العربية لحساب الحرب العراقية ــ الإيرانية. وما كادت هذه الحرب تنتهى حتى حدث الغزو العراقى للكويت فى 1990، وتسبب الموقف الفلسطينى من الأزمة الذى بدا مؤيداً لصدام حسين فى مزيد من تدهور مكانة القضية الفلسطينية عربياً، وظلت القضية تعانى من تداعيات ذاك الموقف حتى وقع الغزو الأمريكى للعراق فى 2003 الذى أوجد أولويات جديدة تماماً فى المعادلات السياسية للمنطقة.

 

 لكن مسئولية الفلسطينيين عن هذا التراجع كانت أساسية، وهى متعددة الأبعاد، وأول هذه الأبعاد توقف المحاولات الفلسطينية لتحسين ميزان القوى بينهم وبين إسرائيل، وثانياً ظاهرة الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية وتفاقمها، فأما عن توقف محاولات تحسين ميزان القوى بينهم وبين إسرائيل فقد توقفت الانتفاضات الفلسطينية لأسباب متعددة مع أن تأثيرها السياسى كان قوياً سواء بالنسبة لانتفاضة 1987 أو 2000، وبالنسبة للمقاومة المسلحة توقفت تماماً بالنسبة لفتح فى أعقاب اتفاقية أوسلو 1993 التى تحولت بموجبها قواتها إلى ما يشبه الشرطة الداخلية، وتوقف دورها المقاوم ليتحول إلى الفصل بين الجماهير الفلسطينية والقوات الإسرائيلية، وبقيت حماس وحدها فى ساحة المقاومة حتى فازت فى الانتخابات التشريعية لعام2006 وشغلت ببناء مؤسساتها كدولة عن دورها المقاوم الذى اقتصر على صد الهجمات الإسرائيلية.

 

●●●

 

 أما ظاهرة الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية فهى ظاهرة قديمة عرفها النضال الفلسطينى منذ بدايته، بالإضافة إلى أنه تم الاحتكام فيها إلى السلاح غير مرة، غير أنها اتخذت أبعاداً مختلفة بعد فوز حماس فى الانتخابات التشريعية عام 2006، ذلك أن الصراع على السلطة بينها وبين فتح عقب هذا الفوز قد تحول إلى صدام دموى مسلح، وترتب على هذا تدهور حاد إن لم يكن قطيعة بين الفصيلين، والأخطر من هذا أن كلاً منهما قد انفرد بحكم جزء من الفتات المتبقى من أرض فلسطين. فانفردت حماس بالحكم فى قطاع غزة والأمر نفسه بالنسبة للسلطة الوطنية فى الضفة الغربية، وخلق هذا وضعاً انقسامياً لم تعرفه القضية الفلسطينية من قبل، ونظراً لخطورة هذا الوضع على مستقبل القضية فقد تعددت محاولات المصالحة بين الفلسطينيين وكان الدور العربى حاضراً فيها وأساسياً، وعادة ما كُللت هذه الجهود بالنجاح، وتم التوصل إلى اتفاقات واضحة وصريحة، لكن التنفيذ كان صفراً. والواقع أن تحقيق المصالحة بين فتح وحماس أعقد مما تصور الكثيرون، ذلك أن ثمة حسابات سياسية خاصة بكل فصيل لا تتعلق بالقضية بصفة عامة عقدت عملية المصالحة، فمن ناحية كان من الواضح أن حماس تعتبر أن تأسيس سلطتها على الأرض إنجاز استراتيجى فى مسيرتها ينبغى الحفاظ عليه على الرغم من آثاره السلبية على دورها المقاوم، لأن اللحظة التى تنتقل فيها من أسلوب حرب العصابات إلى ما يشبه الدولة تعطى إسرائيل الفرصة لكى تضرب أهدافاً محددة بعد أن كانت تجد صعوبة حقيقية فى تعقب هذه الأهداف. من ناحية ثانية أضاف «الربيع العربى» إلى هذه الإشكالية بعد أن أصبح «الإخوان المسلمون» الذين تعد حماس فرعاً منهم هم القوة الرئيسية فى حكم مصر، ومن ثم أصبحت «حماس» تراهن على تغير جذرى فى الموقف المصرى لصالحها بعد أن كان النظام السابق مؤيداً بوضوح للسلطة الوطنية فى رام الله، وهو ما تم بالفعل فحدثت نقلة نوعية فى العلاقات الرسمية بحماس إلى درجة اعتبرتها بعض القوى السياسية غير الرسمية ماسة بالأمن القومى المصرى، بالإضافة إلى المؤسسة العسكرية التى يضمها البعض إلى القوى المتحفظة على تطور العلاقة بحماس. ويعنى ما سبق أن الانقسام بين «فتح» و«حماس» أصبح له منطقه الخاص بمصالح كل من الفصيلين، وهو ما يعقد قضية المصالحة الوطنية كثيراً على الرغم من الضغوط الداخلية الفلسطينية، وكذلك الضغوط العربية.

 

 أما بالنسبة لفتح والسلطة الفلسطينية فقد كانت الحسابات تنبع أساساً من ضغوط خارجية، فالمصالحة تعنى حكومة وحدة وطنية، أى مشاركة فى الحكم مع من تعتبره إسرائيل والولايات المتحدة تنظيماً إرهابياً، وكان هذا يعنى فيما يخص العلاقة مع إسرائيل تخريب العلاقة مع السلطة الوطنية بما فى ذلك فرض إجراءات عقابية اقتصادية، بالإضافة إلى القيام بعمليات عسكرية لمحاصرة حماس بعد أن أصبح لها وضع رسمى فى بنية السلطة الفلسطينية، أما الولايات المتحدة فكان من شأن السلطة إن أقدمت على الاتفاق مع حماس أن تفقد المساعدات المالية الأميركية السخية لها. هكذا أصبحت المصالحة الوطنية الفلسطينية تخضع لاعتبارات قادرة على تعويق المصالحة، تنبع لا من الداخل الفلسطينى فحسب وإنما من خارجه كذلك.

 

●●●

 

 فى هذه الظروف لم تتوقف الجهود العربية للدفع بقضية المصالحة، ولعب عدد من الدول أدواراً محددة فى هذا الصدد كمصر والسعودية وقطر واليمن لكن هذه الجهود كما سبقت الإشارة نجحت على الورق دون أن تغير من الواقع شيئاً، غير أن قمة الدوحة الأخيرة تميزت بأن الدور العربى فى المصالحة الذى اقترحته كان جماعياً، فقد وافقت القمة على اقتراح أمير قطر بعقد مؤتمر قمة مصغر فى القاهرة يبحث قضية المصالحة ويسعى إلى تحقيقها، وكان الجديد فى هذا الاقتراح أنه يمثل جهداً عربياً جماعياً على عكس الجهود الفردية السابقة، وكان من شأن هذا الجهد الجماعى أن يمارس على الطرفين المتناحرين ضغوطاً أقوى مما تستطيعه أية دولة بمفردها، ولذلك كان ثمة تفاؤلاً بالاقتراح القطرى، غير أن المفاجأة كانت هى رفض السلطة الفلسطينية حضور المؤتمر لسبب بدا غريباً للغاية، فقد ذكرت مصادر رسمية فى السلطة الفلسطينية وفتح أنه لا داعى لعقد المؤتمر لأن المصالحة تسير فى طريقها المرسوم (!) أما حماس فقبلت حضور المؤتمر على الفور، والواقع أن الحقائق السياسية الجديدة فى المنطقة تبدو هى السبب فى هذه المواقف المتضاربة، فالسلطة الفلسطينية فيما يبدو تخشى من أن مؤتمراً يُعقد فى مصر بعلاقاتها الجديدة بحماس قد لا يكون فى صالحها، وأن ضغوطاً قد تُمارس عليها فى هذا المؤتمر لقبول ما لا تريد قبوله، أما حماس فإن الاعتبارات السابقة نفسها (العلاقات المصرية الجديدة بحماس) هى التى تدفعها إلى الموقف المضاد لموقف السلطة الفلسطينية.

 

●●●

 

 هكذا تبقى القضية الفلسطينية غارقة فى معضلتها سواء بسبب المتغيرات الإقليمية والعالمية الجديدة أو بسبب الأوضاع الداخلية الفلسطينية، ولذلك فإن أياً من أطراف الصراع لا يتخذ أى خطوة فى اتجاه تسوية متوازنة، فإسرائيل ماضية فى سياسة الاستيطان دونما أدنى اعتبار للموقف الفلسطينى أو العربى أو الدولى، والولايات المتحدة أشد ما تكون حرصاً على تأكيد تحيزها لإسرائيل والتزامها بأمنها، والعرب يطرحون مبادرات للتسوية منذ حوالى ثلث قرن قدموا فيها التنازلات دون جدوى من غير أن يفكروا فى أن النهج نفسه يحتاج تغييراً مع أن فلسطين باتت تسير فى طريق محفوف بمخاطر جسيمة.  

 

 

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

 

ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية