الشرق الأوسط منطقة عصية على الدراسة - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشرق الأوسط منطقة عصية على الدراسة

نشر فى : الثلاثاء 13 أغسطس 2019 - 9:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 13 أغسطس 2019 - 9:35 م

نشرت مؤسسة Village space Global مقالا للكاتب Sarmad Ishfaq يتناول فيه العقبات التى تقف أمام الباحثين فى دراسة منطقة الشرق الأوسط وكيف يمكن مواجهتها.
لطالما كان الشرق الأوسط منطقة متنوعة ثقافيا وسياسيا وتاريخيا، ومنطقة غامضة للغاية أمام الباحثين. ويرجع ذلك إلى تعقيدات الماضى والحاضر فى المنطقة بالإضافة إلى الصورة الغامضة التى رسمتها المنهجيات التى استخدمها العلماء فى الماضى. وعلى الرغم من وجود العديد من المشكلات، إلا أن الكاتب ركز على عدد من المشكلات الرئيسية، مثل التاريخ، وقضايا التعريف، والإسلام، والمجالات التى يسيطر عليها الغرب، والاستشراق، والافتقار إلى التركيز النظرى. ويسلط الضوء على التعقيدات التى تواجه باحثى العلاقات الدولية وعلماء الأنثروبولوجيا.

التاريخ
للشرق الأوسط تاريخ عميق وثرى يشمل الحضارات القديمة والإمبراطوريات، وفى العقود الأخيرة نسبيا، مختلف الدول القومية. وعلى الرغم من أن هناك العديد من الأحداث التى شكلت المنطقة، إلا أن إشكالية الدراسة بدأت من الإمبراطورية العثمانية. فى عام 1299، نشأت الإمبراطورية العثمانية وفى سنواتها اللاحقة شهدت تقدما لافتا، ألقى بظلاله على العالم. واستوعبت الإمبراطورية العثمانية، فى أوجها، جزءا كبيرا من أوروبا الشرقية والشرق الأوسط. ولكن بقدر ما أدى صعود وهيمنة الإمبراطورية العثمانية إلى تغيير المشهد الجغرافى والاجتماعى والسياسى فى المنطقة، إلا أن تراجعها وزوالها ربما ساهما أكثر من ذلك. حيث تدهورت الإمبراطورية فى فترة اكتسبت فيها القومية شعبية كبيرة وأصبحت الصهيونية إلى جانب الإمبريالية البريطانية والفرنسية من الجهات الفاعلة فى المنطقة. حيث تأسس الانتداب البريطانى والفرنسى فى المناطق الجغرافية غير التركية بعد تفكك الإمبراطورية فى الحرب العالمية الثانية.
فى الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى، وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت العديد من مستعمرات الشرق الأوسط مثل الأردن وتونس والعراق دولا مستقلة، بينما حصلت إسرائيل ــ أول دولة يهودية ــ على استقلالها. ولا بد من الإشارة إلى أن الطريقة التى رسم بها البريطانيون والفرنسيون الحدود وتثبيت الأنظمة الموالية لهم، لا تزال لها آثار على المنطقة حتى يومنا هذا.
ومن ثم لم تتمكن دول الشرق الأوسط من بناء هوية وطنية بعد الإمبراطورية العثمانية. وأحد الأسباب هو الإمبريالية البريطانية الفرنسية، حيث إنه فى ظل حكمهم إما تم تقسيم المجتمعات الوطنية المتجانسة إلى دول مختلفة أو تم دمج مجتمعات وطنية مختلفة معا لتشكيل دولة واحدة. وهكذا، تم إنشاء الدول القومية بالفعل لكنها كانت مليئة بالتعقيدات.
فى الأزمنة الحديثة، كانت هناك حروب وثورات وانقلابات وديكتاتوريات وحركات علمانية وانتفاضات إسلامية وانخراط فى حقوق المرأة وأيضا «ربيع عربى». تتميز المنطقة بانقسام شيعى سنى وصراع عربى إسرائيلى. فالشرق الأوسط منطقة لها تاريخ من التسييس العميق، والذى كان يخضع لتدخلات خارجية كبيرة. وعلى الرغم من أن التركيز ينصب عادة على المسلمين والإسلام، إلا أن المنطقة تضم مجموعة متنوعة من الأعراق والديانات، من الأقباط المسيحيين فى مصر وليبيا والسودان إلى أكراد تركيا وسوريا وإيران.
يتناقض عرب المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية، ودول مجلس التعاون الخليجى الأخرى مع غير العرب فى إيران وتركيا. يتم الحديث عن المنطقة تحت عنوان الشرق الأوسط لكنها مساحة مليئة بالتعقيدات التاريخية والثقافية والسياسية التى توجد فيها العديد من الدول القومية المتنوعة. المنطقة كانت ولا تزال فى حالة من التغير وتاريخها ــ القديم والمعاصر ــ يثبت ذلك.

قضايا التعريف
«الشرق الأوسط» هو مفهوم أوروبى محمل بالعديد من التعقيدات. لا يوجد اتفاق عالمى حول البلدان التى يشملها الشرق الأوسط. بعض التعريفات تشمل باكستان وأفغانستان بينما البعض الآخر لا يشملها؛ وبالمثل، يشمل البعض تركيا بينما يستبعدها البعض الآخر. فـ«الشرق الأوسط» ليس فقط ابتكارا أوروبيا ولكن ليس له حدود ثابتة واضحة..

دين الاسلام
أصبح مصطلح «الشرق الأوسط» مرادفا للإسلام بالنسبة لغالبية العالم، وينطبق الشىء نفسه على الخطاب الأكاديمى المحيط بالمنطقة. يذكر العديد من الأكاديميين الغربيين أن الإسلام هو السبب فى تخلف الثقافات فى المنطقة، ومناهضة للغرب، وانتشار الإرهاب. وهذه التعميمات قديمة للغاية ويبدو أنها تزايدت فى الوقت الحاضر، ليس فقط فى الخطاب الأكاديمى ولكن أيضا فى وسائل الإعلام. كراهية الأجانب المتصاعدة وكراهية الإسلام التى تظهر فى أمريكا (خاصة فى عهد ترامب) وكذلك فى أوروبا، تؤكد هذه النقطة.
الخطاب الغربى يروج لفكرة أن الإسلام هو ضد وجودهم. وهذا لا يعنى أن جميع الكتاب الأكاديميين استخدموا مثل هذه العدسة غير الموضوعية لدراسة كيانا واسعا مثل الإسلام، ولكن بشكل عام هذا التعميم موجود. لا يصح أن يدرس علماء الأنثروبولوجيا شخصا أو مجتمعا ويعمموا نتائجهم لتشمل مناطق بأكملها؛ لأن هذا يقوض تنوع الدين. كما يجب التأكيد على أن المجتمعات الدينية والاثنية الأخرى فى المنطقة قد تم عزلها أكاديميا بسبب تركيز العلماء فقط على الإسلام.
لا يتم التركيز على دراسة اليهودية والمسيحية فى الشرق الأوسط.. حيث تم التركيز على دراسة الحركات الإسلامية فى السنوات الماضية. ونفتقر إلى دراسة الحركات الإسلامية بشكل علمى. حيث تم استخدام نظرية الحركة الاجتماعية من قبل الأكاديميين فى الغالب فى الأميركتين وأوروبا ولكن لا يوجد مثل ذلك بالنسبة لحركات الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، عند دراسة هذه الحركات، يظهر نوعا من الجدل العلمانى مقابل الدينى. وبالتالى، ينظر إلى المشاركون فى الحركات الإسلامية باعتبارهم «أصوليين وغير عقلانيين يستغلون الدين لتعزيز دوافعهم».

حقل يهيمن عليه الغرب
إن مجال الأنثروبولوجيا والعلاقات الدولية ليس له أصول غربية فحسب، بل يسيطر عليه أيضا علماء غربيون يدرسون الغرب أساسا. ولدت نظرية العلاقات الدولية من الدول الغربية من قبل علماء غربيين لجمهور غربى. وهذا يثير بعض المشكلات بسبب كون هذه الحقول مسيطر عليها من قبل قلة محدودة.. ولا يقتصر الأمر على إهمال الشرق الأوسط من قبل علماء العلاقات الدولية فيما يتعلق بتطور النظرية، ولكن بعض العلماء يشيرون إلى أن المنطقة تبدو غير متوافقة مع معظم نظريات العلاقات الدولية ونتج عن ذلك عدم الاهتمام بالشرق الأوسط، مقارنة بأجزاء أخرى من العالم وخاصة الغرب.
لم تأخذ النظريات والمناهج الغربية فى الاعتبار وجهات نظر المناطق المختلفة، لذلك لا يمكن تطبيق هذه النظريات العالمية «المزعومة» على مناطق أخرى فى العالم. من الواضح، حتى يومنا هذا، أن الاستعمار وما بعد الاستعمار قد عرَض معظم العالم للعقائد والممارسات والنظريات والأطر التى صاغتها القوى الاستعمارية. وتستمر الهيمنة الغربية أيضا بسبب القيود المفروضة على العلماء المحليين أو الباحثين فى الشرق الأوسط ومثل هذه البيئة ليست مواتية لتنشئة العلماء المستقلين.

استشراق
عند الحديث عن العقبات التى تقف فى طريق دراسة منطقة الشرق الأوسط لابد لنا من الحديث عن «الاستشراق». يرى إدوار سعيد أن العدسة أو الإطار المستخدم لدراسة الشرق، بما فى ذلك الشرق الأوسط، غير موضوعية وتعطى المشاهد صورة مغلوطة عن الشرق. والمشكلة هى أنه كان ولا يزال هناك عدد كبير من الأعمال «الخيالية» تتعلق بالشرق كان المؤرخون والروائيون والعلماء السياسيون والكتاب يعتمدون عليها ولا زالوا. ويضيف سعيد إن هؤلاء الأكاديميين والفنانين استخدموا تقسيم الشرق والغرب كنقطة انطلاق لأعمالهم. ولذلك فأعمال الاستشراق فى الماضى ليست غير موضوعية فحسب، بل تظل أساسا خاطئا لأى أكاديمى يرغب فى الاستفادة منها ومن ثم لابد من إعادة التفكير فى كيفية التعامل مع دراسة الشرق الأوسط. ولسوء الحظ أنه لا يوجد حتى الآن طريقة سليمة أو عالمية لدراسة الشرق الأوسط.
الاستشراق والاستعمار يسيران جنبا إلى جنب، وفقا لسعيد. فهو يرى أن الاستشراق هو أكثر من كونه مجرد تحريف للشرق. يصور الشرق على أنه متخلف وهذا هو السبب فى أن البريطانيين والفرنسيين ــ فى القرن التاسع عشر ــ وبعد ذلك الأمريكان ــ فى القرن العشرين ــ برروا احتلال الشرق الأوسط ماديا ولاحقا بطريقة غير مادية بعد الاستعمار.
لقد ترك الاستعمار نفسه إرثا سلبيا للغاية للمناطق المستعمرة: إنشاء دول قومية جديدة ذات حدود غير واضحة؛ وضع حكومات أو ملكيات صديقة للإمبريالية لحماية المصالح الإمبريالية. لسوء الحظ، أصبح الاستشراق وما بعد الاستعمار حقيقة حتى اليوم حيث يتم تصوير العرب كإرهابيين وأصوليين من قبل هوليوود ووسائل الإعلام. وهذا يدل على أن الشرق الأوسط الحقيقى وشعبه يظلون إلى حد ما لغزا لمعظم الجمهور الأنجلو أمريكى.

عدم التركيز النظري
لم يكن معظم الكتاب الغربيين مستعدين لتطوير نظريات جديدة تمكنهم من دراسة الشرق الأوسط ولكنهم ركزوا بدلا من ذلك على المقالات السردية الموجودة بالفعل. وبدون بناء النظريات، سيبقى الشرق الأوسط أكاديميا فى الظلام، إذا جاز التعبير. إذ أن التركيز النظرى والنظريات المنتجة من المنطقة أمر لا بد منه لأنها ستسمح لفهم أفضل للمنطقة التى يساء فهمها حاليا بشكل خطير.
إن دراسة منطقة الشرق الأوسط محفوفة بالتعقيدات التى تجعل من دراسته أمرا صعبة للغاية. تلعب جميع المشكلات التى تمت مناقشتها دورا رئيسيا فى ذلك. ولكن لا ينبغى أن تشكل هذه المشكلات رادعا للباحثين لتجنب دراسة الشرق الأوسط، ولكن بدلا من ذلك، يجب أن تكون بمثابة دليل لمساعدتهم على تجنب ارتكاب الأخطاء التى ارتكبت فى الماضى وزيادة فهمهم للمنطقة.

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى:من هنا

التعليقات