العصابات التى تحكمنا - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 1:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العصابات التى تحكمنا

نشر فى : الأحد 14 يونيو 2009 - 10:28 م | آخر تحديث : الأحد 14 يونيو 2009 - 10:28 م

 أى تنظيم لأى جماعة أو فئة سياسية أو مهنية أو تجارية، هو فى الأساس تنظيم من أجل حماية مصالح هذه الجماعة أو الفئة، سواء للتعبير عن المصالح أمام الرأى العام، أو حماية لحقوقهم أو لدرء المشكلات التى تحيط بهم وكذلك لمواجهة الدولة بقوة التنظيم فى حالات التشريع وسن القوانين المتعلقة بمواقفهم السياسية أو بتفاصيل مهنتهم أو أوجه تجارتهم. والعلامة الأبرز لفلسفة أى تنظيم لجماعة أو فئة هى استخدام القوانين المنظمة للتعبير عن مصالحهم إلى جانب عدم الخروج على الشرعية التى تصوغها الدول والحكومات.

وعلى العكس تماما تكون التشكيلات العصابية، والتى تتكون أيضا لتحقيق مصالح، ولكن بطرق ينكرها القانون ووسائل ترفضها الشرعية، وهى غالبا ما تكون فى مواجهة فئات أخرى تمتهن نفس مهنتها أو تعمل فى ذات تجارتها.. ولا مانع أحيانا من استخدام قوة التشكيلات العصابية للضغط على الحكومات أو لضرب أحد رجالات الدولة أو مسئولين حكوميين، تعتقد هذه التشكيلات أنها تقف فى وجه مصالحها.

والمشهد الخفى فى مصر الآن، يكشف عن أن هناك نوعا من هذه التشكيلات العصابية فى جميع المناحى! من السياسة إلى كرة القدم.. ومن التجارة إلى الثقافة.. ومن الصناعة إلى الإعلام.. ومن السينما إلى البصل والبطاطس.. وقبلهما القمح الذى بات عنوانا ساخنا لملف سياسى وصراع عنيف قبل أن يكون تخطيطا لصناعة الرغيف.

هذه العصابات قد تكون قد بدأت بريئة فى تشكيلها، وربما نبيلة فى بعض أفكارها.. لكن فى ظل غياب رقابة الدولة، وفساد معظم أجهزة الرقابة الشعبية، ومع تعاظم مصالح كل نشاط.. تحول التحالف النبيل أو الذكى أو المشروع إلى تحالف شرير وغبى وخارج على القانون ويتعدى على الشرعية، متجاوزا للأخلاق العامة وللأعراف والتقاليد.. وكلما زادت المكاسب وتفاقمت الأرباح.. زادت هذه العصابات شراسة وغباء وغطرسة.. وأصبح ضحاياهم مساكين، لا يجدون العون من أى جهة فى هذا الوطن.. وكلما ابتعد أى شخص أو كيان عن هذا التشكيل أو ذاك.. زادت العدوان تجاهه من هذه العصابات، وأصبح هدفا سهلا يمكن الإجهاز عليه وإنهاء حاضره ومستقبله.. أيًا كانت قوة ونصاعة ماضية.

ما أتحدث عنه.. أصبح سرطانا متفشيا فى كل جنبات حياتنا وأنشطتنا.. وطبعا كلها تدور حول المكاسب الشرهة غير المشروعة، خاصة بحكم الأخلاق وقواعد المهن وشروط المنافسة التجارية.. حدث ولا حرج فى الصناعات الثقيلة والنشاطات التجارية الكبرى.. هذه أمور تحت سمع وأبصار الجميع وبحجم مكاسبها تكون شدة الصراع السياسى والمالى.. فإذا كانت بعض العصابات الأخرى تفعل ما تفعل فى السر فإن أى عصابة من عصابات الأنشطة الكبرى تفعل ذلك علانية ولا تخشى حكومة ولا تخاف من رقابة ولا يهددها عقاب، حتى لو حاولت الدولة إجهاض ما يفعلون!! فهذه ميزة العصابات: القوة والغطرسة والعقاب الذى لا يرحم..
واسألوا رجالات شرفاء من مصر لماذا خرجوا من مناصبهم ولماذا يجلسون الآن فى بيوتهم محاصرين لا حول لهم ولا قوة؟

والأمر لا يتوقف على الأنشطة الكبرى.. فحتى نشاط مثل كرة القدم ضربه هذا الفكر العصابى.. فهل يصدق أحد أن هناك خمسة أو ستة أفراد يتحكمون فى سوق بيع وشراء وانتقالات لاعبى كرة القدم.. وأصبحوا من القوة أن أندية كبرى مثل الأهلى والزمالك تخضع لهم وتنصاع لقراراتهم وفرماناتهم.. بل هناك لاعبون كبار ونجوم يخشون هؤلاء باعتبار أنهم قادرون على اعتزالهم المبكر«!» كما أن بعضهم يجنى معظم أرباح ومكاسب هؤلاء اللاعبين..

وكذلك فى صناعة السينما هناك من يرفض المشاركة فى بطولة فيلم أعجبه، لأنه يعلم جيدا أن
هناك من هو قادر على عدم إتاحة الفرصة له فى دور العرض الكبرى..

كما أن هناك أفلاما تحطمت ونجوما ضاع مستقبلها.. لمثل هذه الأسباب.

وحتى الذين يعملون فى نطاق الثقافة أصبحوا جزءا من هذه اللعبة المقيتة.. فكل من يرفض أمرا، أو يناهض سياسة بعينها للسلطة الثقافية يصبح خارج قوائم النشر والمناصب والجوائز، وربما يصبح مطاردا كذلك من دور النشر الخاصة التى تربطها مصالح مع السلطة الثقافية.. واسألوا لماذا ينشر بعض أعلام الأدب والفكر فى بلادنا أعمالهم على نفقاتهم الخاصة؟

أما أسوأ هذه التشكيلات العصابية.. فهى التشكيلات التى تكونت فى وسائل الإعلام.. العامة والخاصة.. المطبوعة والمرئية.. لأن هذه العصابات الإعلامية لا تعمل فقط من أجل مصالحها، بل هى شريكة فى جميع التشكيلات العصابية الأخرى.. فهى تسمح لهم بممارسة إجرامها من دون اعتراض، بل وتصل الأمور فى بعض الأحيان إلى تحية هذه العصابات وتكريمها وتشجيعها.. أما المذهل فى الأمر فهو أن بعض أفراد مجموعات الإعلام هذه يدركون جيدا، بل ويعترفون صراحة بأن مصالحهم صغيرة ومكاسبهم ضئيلة أمام الذين يمثلونهم ويحافظون على مصالحهم..

فالأرقام باتت تتجاوز الأصفار التسعة «مليارات».. وأصبح هؤلاء ــ بكل أسف وخجل ــ أبطال هذا المجتمع ورموزه المشرفة ونجومه المشرقة، ونماذجه التى يجب أن تتكرر وتعم البلاد وتصبح كاتالوج كل شاب يبدأ فى البحث عن مستقبله.

عشت حياتى أرى الاعوجاج فى نظام الحكم..

والفساد فى أجهزة الدولة.. والتخاذل والتكاسل فى أركان الحكومة.. وكنت أرى فى ذلك الخطر كل الخطر الذى يحيق بالبلاد.. والآن ــ مضطرا ــ أرى هذا الحكم ضعيفا.. مهلهلا خائفا وجبانا فى مواجهة بعض تلك العصابات.. فهناك مِن بين الذين يحكموننا يعرفون جيدا ما أقول.. ويتمنون نهاية عصر هذه العصابات التى تحيق بالبلاد شرا مبينا..

لكنهم ــ أيضا مثلنا ــ لا حول لهم ولا قوة.. إلا بأضعف الإيمان.. بالكلمات الغاضبة.
أما لهذا البلد من رجال قادرين على وأد هذه العصابات؟!.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات