الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.. محصلة الاحتلال والتضليل - فكري حسن - بوابة الشروق
الإثنين 14 يوليه 2025 8:05 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.. محصلة الاحتلال والتضليل

نشر فى : الأحد 15 أكتوبر 2023 - 3:20 م | آخر تحديث : الأحد 15 أكتوبر 2023 - 3:20 م

لا يوجد حل نهائي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني سوى من خلال حل الدولتين الذي أقرته الأمم المتحدة في 1947 (رقم 181) على أن تكون القدس وحده مستقلة Corpus separatum. وكما يتطلب الحل النهائي الخضوع لقرار مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 2334 في 23 ديسمبر 2016 الذي يقر بأن المستوطنات الإسرائيلية تمثل تعديا صارخا Flagrant violation للقانون الدولي وأن ليس لهذه المستوطنات أي شرعية قانونية، وأن على إسرائيل أن توقف النشاط الاستيطاني وأن تقوم بمسؤوليتها كقوة محتلة تحت ميثاق جنيف الرابع، علما بأن إسرائيل قد انتهكت ما يزيد على 30 قرار للأمم المتحدة منذ 1968 ،ومن المتوقع بعد أن تقوم دولة الاحتلال بانتهاك أي قرار للأمم المتحدة يدينها بشأن جرائم الحرب ضد الإنسانية التي تقوم بها حاليا في غزة.

تعتمد دولة الاحتلال الإسرائيلي على الدعم الدائم والقوى لها من الولايات المتحدة الأمريكية على أساس مصالح سياسية في الشرق الأوسط وقيم مشتركة -حسب ما صرح به الرئيس الامركي جو بايدن نفسه، ويدعم إسرائيل لوبي يهودي قوى من 34 منظمة يهودية يعمل لمصلحة اليهود ومصلحة دولة إسرائيل، كما أنه يشمل منظمة "المسيحيون الصهانية"، وبهذه المناسبة فلقد كتب Franklin Foer في 10 أكتوبر 2010 في Atlantic ، أن بايدن سوف يشترشد بصهويونيته، "Biden Will Be Guided by His Zionism".

كما صرح الرئيسي الأمريكي بايدن نفسه أنه "لا يتحتم أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا"، هكذا حسب مقال بيتر باركر في New York Times11 أكتوبر/ تشرين الثاني الجاري، في اللقاء الذي نظمه دوج ايمهوف، وهو يهودي وزوج نائبة الرئيس كاميلا هاريس، لقادة اليهود الأمريكيين.

وكان بايدن قد صرح مسبقا في 21/9/2023 حسبما جاء في Times of Israel أن "أمان كل يهودي في العالم يرتبط بوجود إسرائيل"، وهو ما اعتبره المناصرون لإسرائيل كأروع تصريح صهيوني من أي رئيس أمريكي. ويبدو أن الأمر يتعدى مجال الأمور السياسية، وأنه يعتمد على قناعات بايدن الدينية وهو ثاني رئيس كاثوليكي بعد جون كيندي، والتي تظهر من خلال إشارات عديدة في أحاديثه إلى "الرب" و"البابا" واستخدام عبارات من الانجيل، لا ضير في ذلك ما دامت تهدف إلى دعم المساواة والعدل والإنصاف والقيم الدينية النبيلة، ولكنها تحيد عن فضائل القيم الدينية، عندما تدعم اغتصاب الأراضي وانتهاكات حقوق الفلسطيني على مدي 75 عاما مرت على " النكبة" التهجير الجماعي للفلسطينيين في 1947. 

ويبدو أن بايدين كغيره – إن كان صادقاً – وأظن أنه كذلك – يخلط بين العاطفة الدينية التي ترتبط في ذهنه ما بين الديانة اليهودية والديانة المسيحية، في إطار مصطلح الأعراف اليهودية-المسيحية الذي لم يظهر إلا في القرن التاسع عشر وشاع في أمريكا في مواجهة الشيوعية خلال الحرب الباردة. وهو مصطلح يغمط دور الثقافة الاسلامية في تشكيل مصادر القيم اليهودية بعد التوراة في العصور الوسطى كما جاء في موسوعة فلسفة العصور الوسطي، بقلم Hava Tirosh-Samuelson.

كما يظهر تأثر بايدن بالأيديولوجية "اليهومسيحية" في تبريره لدعم إسرائيل على أساس ما حسبه القيم المشتركة بينهما – ولكنه لا يفصح عن ماهية هذه القيم، وهي أما على أساس ما تدعيه إسرائيل من "قيم ديمقراطية" أو ما يعتنقه بايدن من أن اليهودية، التي يبدو أنه يخلطها بالصهيونية، هي من القيم الأمريكية المشتركة مع المسيحية، وهو ميراث العداء مع الاتحاد السوفيتي علي أساس انه شيوعي كافر (ملحد). ويبدو أن خلط السياسة بالدين في بلد يفترض أنه يفصل الدين عن السياسية ، أمر متكرر اذا ما تذكرنا مقولات جورج بوش الابن في غزو العراق، التي استدعي فيها أطروحة الحروب الصليبية.

وتدعى اسرائيل أنها دولة ديمقراطية، وهي كذلك لمواطنيها اليهود البيض، لكنها ليست كذلك لمواطنيها الفلسطينيين الذين يمثلون 20% من عدد سكان دولة إسرائيل، أو الأفارقة (كما اتضح من مظاهرات اليهود الإثيوبيين ضد التمييز العنصري في 18/1/2012)، كما أنها لم تتخذ أي إجراءات رسمية للفصل بين الدين والسياسة، أو عن تجنيد اليهود الأرثودوكس المتشددين ultraorthodox، وفق ما طرحه مليسا مورجان في 4/8/2023 بمقال في معهد الدرسات الدولية بجامعة ستانفورد، وحسب ما جاء في المقال، فأن حكومة نتنياهو في خطر وأن حكومته ستخسر في أي انتخابات قادمة، وأن هناك خطرا على المسار الديمقراطي.

ولا ننسي أن مئات من الجامعيين السياسيين اليهود باسم اليهود الأمريكيين وقعوا علي عريضة في شهر أغسطس الماضي تخاطب "قادة" يهود أمريكا الشمالية، وتندد بإفلات إسرائيل من العقاب، وتطهيرها العرقي للفلسطينيين، وعقيدتها عن تفوقها اليهودي، وتتمحور الرسالة المفتوحة التي تحمل عنوان "الفيل في الغرفة" حول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الذي تقول إنه "أدى إلى نظام الفصل العنصري".

وخارج سياق البروباجندا الإسرائيلية على أنها دولة ديمقراطية عتيدة، فهل من حق الديمقراطيات سحق الأقليات واستخدام الاحتلال ونشر المستوطنات في الأراضي المحتلة، وما هي " القيم " التي يتحدث عنها بايدن؟.

علينا لذلك أن ننظر في أمر قيم العقيدة اليهودية، ونتوقع بالفعل أن تتطابق هذه القيم الدينية مع قيم الدولة اليهودية، التي لجأت إلى عرض هويتها في إطار ديمقراطي (علماني) حتي تحظى بشرعية دولية في عصر الدول الحديثة وتحث هذه القيم اليهودية على العدالة ( مشبات Mishpat ) والحق ( تصدقه / الصدق Tzadakat) والرحمة ( رحمانيم Rachamin ) والإحسان (Chesed) وقد لخص "هليل" القيم التوراتية في قوله " لا تفعل مع رفيقك الإنسان، ما تكرهه لنفسك ".

ولكن يبدو أن ذلك يختلف مع ما تراه الوكالة اليهودية لإسرائيل The Jewish Agency for Israel التي تستعرض مصادر القيم الإخلاقية لليهود من خلال التوارة، ووصايا الشريعة الحاخامية (Halakhah) كما في القوانين والتعليقات مثل المشناه والتلمود وموسي بن ميمون وغيرهم ، كما أن الوكالة تضيف إلى ذلك التفاسير المسيحية، وفي كل تعليق على هذه المصادر تؤكد الوكالة على أن كل هذه المصادر منقوصة ومشكوك في مصداقيتها أو إمكانية تطبيقها، وتخلص من ذلك إلى نتيجة أغرب من الخيال وهي أن "الجانب الأساسي في الأخلاق اليهودية هو بقاء الشعب اليهودي" 

( هكذا ) ثم تضيف أن "معاملة اليهود تكون بغرض منعهم من الوقوف ضد اليهود"، ولهذا السبب فإن ما تعتبره معظم النظريات أساسياً "ألا تسرق.. ألا تقتل.. إلخ" يمكن أن توضع جانباً في ظل ظروف معينة من أجل الهدف الأعلى المتمثل في "بقاء اليهود" (هكذا نصا!)، كما جاء في موقع الوكالة اليهودية لأسرائيل تحت عنوان Jewsih Ethis: are they Ethical or Jewish?

وتتخفي هذه النزعة اللأخلاقية تحت سحابات التضليل التي لا تنظر سوي لما تعرض له اليهود تحت الحكم النازي (وليس تحت حكم العرب في الأندلس الذين ازدهرت الثقافة اليهودية تحت رعايتهم) ، وتستخدمه لابتزاز الدول الأوربية وتأنيب الضمير الإنساني ليتغافل عن أي جرائم حرب أو عنصرية تقوم بها ضد الفلسطينيين الذين لم يكن لهم ناقة ولا جمل في الهولوكوست)، ولا تشير لأي جرائم أبادة أخري قبل وخلال وبعد الحرب العالمية الثانية. وهناك ما لا يقل عن 45 كارثة إنسانية تشمل الإبادة الجماعية منها ما قامت به الحكومة النازية ضد أسرى الاتحاد السوفيتي (3.3 إلى 3.5 مليون شخص) والبولنديين، والقضاء على Dzungar في القرن 18 من Qin Dynasty، وإبادة السكان الأصليين في كاليفورنيا (1873 – 1846) ومذبحة الأرمن (1894 – 1896 ، 1915 - 1917) ، وما حدث في رواندا (1972- 1978) وكمبوديا (1975 – 1979). 

ولا أجد سبباً لمعاقبة واتخاذ نهج الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين لأن الحكومات النازية والأوروبية تسببت في إفناء ملايين من اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وهو بالتأكيد حدث لا يمكن إغفاله، ولكن لا يمكن على أساسه إعطاء إسرائيل رخصة لقتل كل من يقفوا ضد مخططاتها الاستعمارية والاستيطانية.

كما يشير بايدن وغيره في إطار الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى المشاعر المضادة للسامية Anti-Semitism بمعنى الاعتداء أو التمييز العنصري ضد اليهود، وفي استعمال هذا المصطلح يتسع ليشمل أي نقد لما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي على أساس الخلط المفاهيمي بين "اليهودي" و"الصهيوني" و"الإسرائيلي" علماً بأن هناك يهود داخل وخارج إسرائيل معادون للصهيونية ولسياسات الاحتلال الإسرائيلي وعلى هؤلاء اليهود تم ابتكار مصطلح "اليهود الذين يكرهون أنفسهم Self-hating jews (!) حتى يتم التشهير بهم. والمدهش أن مصطلح "الساميه" Semitism يعود إلى التقسيمات العرقية للشعوب التي ظهرت في القرن الثامن عشر في إطار تصنيف البشر على أساس توراتي (أبناء سام وأبناء حام) واستخدمها اللغويون الألمان في (1781 – 1795) لمجموعة اللغات التي تشمل العربية والأمهرية والعبرية. وبالتالي فمصطلح مضاد للسامية امتداد لخطأ تاريخي تم الترويج له في 1881 عندما ترجم من الألمانية إلى الإنجليزية، بدون مراعاة أن العرب أيضاً ساميون. 

ويستدعي الأمر التحقق من ظاهرة "معاداة اليهود" وأسبابها ودوافعها، لا مجرد التعرض بالتجريح لكل من تلقى عليه تهمة معاداة اليهود (السامية) جزافاً، كما يمكن، بالمثل، أن نتحقق في أسباب ودوافع ظاهرة "كراهية العرب والمسلمين" Islamophobia والتي استفحلت بعد هجوم 11 سبتمبر، وما ترتب علي ذلك من وصف المسلمين والعرب على وجه العموم بالإرهابيين، وهو الوصف الذي أطلقته إسرائيل وأمريكا على المقاتلين الفلسطينيين في غزه مؤخراً. 

لن تجدي كل هذه النعوت والمسميات في نهاية الأمر، وسيستمر الصراع تؤججه هذه المفاهيم المغلوطة وخلط المعايير وتجاهل القضية الأساسية، مما يهدد أمن وسلام ومستقبل كل من يعيش في منطقة الشرق الأوسط، وما قد تؤدي إليه المواجهات الإقليمية من تدخلات دولية، خاصة وأن روسيا والصين يقفان بالمرصاد للتحركات الأمريكية وانتشارها في المنطقة، وأن إسرائيل تستخدم إيران كدولة تهدد كيانها كما كانت تستخدم العرب من قبل حتى يتسنى لها جمع التبرعات والمعونات من الأفراد والدول والمؤسسات.

أن تتخلى إسرائيل عن مواثيق الديانة اليهودية وأن تنتهك الحقوق الإنسانية والدولية، وتستخدم التضليل والمغالطات لتبدو كدولة ديمقراطية حديثة وتلعب على الدعم المطلق لها من أمريكا، يضعها في محيط أمواج السياسة المتلاطمة ورهن عواصف قد تأتي بما لا تشتهي السفن.

فكري حسن استشاري برنامج المياه العالمى والرئيس الأسبق للجمعية العالمية لتاريخ المياه
التعليقات