حق سوريا القومي على أمتها - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حق سوريا القومي على أمتها

نشر فى : الأربعاء 16 أكتوبر 2019 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 16 أكتوبر 2019 - 9:20 م

بعيدا عن مماحكات السياسة فى المشهد العربى السورى، وتجنبا عن الانحياز أو التعاطف مع هذه الجهة أو تلك، يتطلب الأمر النظر بموضوعية تامة من جهة، وبالتزام مبدئى عروبى قومى من جهة ثانية.

فى هذا المشهد نحن أمام تناقضات غريبة تخفى نوايا سيئة، وخططا استخباراتية دولية استعمارية خارجية، وعبثا عريا قلَّ نظيره.

التناقض الأول يتمثل فى المفارقة التالية: تتواجد الجمهورية العربية السورية فى كل المحافل والمؤسسات الدولية، حيث يجلس فى المقاعد التى تحمل اسمها مندوبون رسميون عيَّنتهم السلطة التنفيذية فى الحكومة السورية الحالية. أما فى الجامعة العربية فإن مقعد الجمهورية العربية السورية يبقى سنة بعد سنة خاليا بدعوى وجود جهات معارضة، مسنودة من قبل هذه الجهة العربية أو الخارجية وتلك، تدَّعى بأنها هى الأحق فى الجلوس فى ذلك المقعد.

لو أننا قبلنا بهذا المنطق فكم مقعد فى الجامعة العربية يجب أن يبقى خاليا بسبب وجود معارضات مسلَّحة أو جماهير حاشدة تجوب الشوارع وتنادى بسقوط هذا النظام أو ذاك، بل كم مقعد فى المنظمات الإقليمية والدولية يجب أن يبقى خاليا بسبب وجود أشكال كثيرة من المعارضات السياسية أو العسكرية التى تدعّى أنها تمثِّل سلطات الحكم المتخيلة؟

التناقض الثانى: يتمثّل فى إبعاد دولة عربية كانت من مؤسَّسى الجامعة العربية ومن بين أهمّ المكوّنات للكيان العربى الكبير، تاريخا وعطاءًّ حضاريا غزيرا وتضحيات هائلة لردِّ كل عدوان على أيِّ جزء من الوطن العربى، وعلى الأخص العدوان الصهيونى، بينما يبقى آخرون، ممَّن كانت مساهماتهم التاريخية والحضارية والنضالية هامشيَّة ومتواضعة إلى أبعد الحدود.

التناقض الثالث: هو أن مجلس الجامعة قد سمح لنفسه بأن يناقش، وبصدق وحق، موضوع الاحتلال التركى للجزء الشمالى من سوريا العربية، باعتبار أن أرض سوريا هى جزء من الوطن العربى الكبير، بينما أحجم نفس المجلس طيلة ثمانى سنوات عن شجب ومعارضة تصرُّفات تركيا التى أعطت لنفسها الحق فى أن تصبح ممَّرا آمنا لدخول برابرة الجهاد التكفيرى المجنون فى أعماق سوريا، واحتلال ثلث أرضها، والاعتداء الطائفى على شتَّى مكوناتها الوطنية والدينية، وإحالة الكثير من مدنها وقراها إلى أرض يباب، وتشريد الملايين من العرب السوريين إلى الملاجئ والمنافى. فهل الاحتلال التركى أسوأ وأخطر من احتلال برابرة الشيشان وباكستان وأفغانستان والغرب الاستعمارى وشتّى بقاع العالم الكثيرة؟

التناقض الرابع: هو بقاء مؤسسة الجامعة العربية شبه نائمة ومشلولة عبر الثمانى سنوات الماضية، ووقوفها شبه متفرجة على مأساة الصراعات والمؤامرات والتدخلات الخارجية فى جمهورية سوريا العربية، وترك محاولات الوساطات وتقريب وجهات النظر وطرح حلول سياسية معقولة للغير، بينما كانت هيئة الأمم ومضاربات مصالح الدول الكبرى وجنون بعض الدول العربية تخيط وتبيط فى المشهد السورى. ألا يثير السكوت الطويل المطبق، وفى أحسن الحالات التفوُّه ببعض الكلمات المترددة الخائفة من هذه الجهة أو تلك، ألف سؤال وسؤال حول الرَّعشة الغاضبة الأخيرة للجامعة والتى ما زالت تقف حائرة مترددة أمام الأهمية القصوى لوجود مخرج قومى واقعى لرجوع الجمهورية العربية السورية إلى مقعدها الشاغر فى الجامعة العربية؟

لنؤكد بصورة قاطعة، وبلا خوف من بلادات الاتهامات الانتهازية، بأننا لا نبتغى من وراء إثارة هذه الأسئلة الانحياز لهذه الجهة أو تلك، أو لوم هذه الجهة أو تلك، فهذا سيأتى أوانه فى المستقبل، وسيكون الشعب العربى السورى الشقيق أول من سيقوم بمهمّة المحاسبة، وإنما نرمى إلى المساهمة فى تنبيه مجلس الجامعة إلى أن ينتقل إلى مرحلة جديدة بالنسبة لهذا الموضوع، وأن يعطى أولوية قصوى لإخراج الملايين من شعب سوريا من جحيم الذل والدموع والعذابات التى يعيشها.

من حق شعب سوريا، الذى ضحى فى الماضى بالغالى والرخيص فى سبيل مساعدة إخوته العرب فى كل مكان وإبّان كل محنة تعرّضوا لها، إعانته على الوصول إلى قيام حياة سياسية وحقوقية يرتضيها لنفسه، دون أية تدخُّلات خارجية.

إن شعب سوريا الذى دحر الاستعمار الفرنسى، وقاوم الوجود الصهيونى فى فلسطين المحتلة، وأغنى الحياة الفكرية السياسية بعطاء فكرى وثقافى قومى متميّز، ورضى بشهامة وحميمية أن يشاركه فى عيشه وكل خدماته المجتمعية ملايين الإخوة العرب من المشرّدين والمضطهدين، هذا الشعب له الحق الأخلاقى والإنسانى والقومى فى أن تجنِّد الجامعة العربية كل طاقات وإمكانيات دولها العضوة فى حل مشاكله التى تكالبت كل قوى الشر على تعقيدها وارتهانها فى يد المتلاعبين الآخرين من غير العرب. وأول ما يجب أن تقدم عليه الجامعة هو منع التدخلات النفعية العبثية، الممارسة من قبل بعض الجهات العربية، من الاستمرار وذلك من أجل خدمة الأجندات الخارجية.
لا يحتاج شعب سوريا الشقيق إلى ألاعيب وتوازنات القوى الدولية، وإنما يحتاج إلى أن يشعر بأن انتماءه إلى أمته العربية ووطنه العربى هو الضمان الأهم لخروجه من المحنة التى يعيشها والتى سمحنا، نحن العرب، بما فيهم جامعة الدول العربية، بأن تؤججها وتديرها وتهيمن على كل تفاصيلها جهات خارجية حاقدة متآمرة، بينما وقفنا نتفرَّج ونتثاءب.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات