اللهم لا شماتة - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اللهم لا شماتة

نشر فى : الأحد 18 أبريل 2010 - 9:53 ص | آخر تحديث : الأحد 18 أبريل 2010 - 9:53 ص

 يبدو أننا سوف نحتاج كثيرا إلى القضاء العادل والمنصف الذى أصبح لا غنى عنه لتلقين هذه الحكومة، بين وقت وآخر، درسا فى العدل. فمحكمة القضاء الإدارى قد أصدرت حكما الشهر الماضى يقضى بضرورة تحديد الحكومة لحد أدنى للأجور، وذلك بناء على دعوى رفعها المواطن ناجى رشاد، والذى يعمل لدى شركة مطاحن جنوب القاهرة، ويتقاضى أجرا أساسيا مقداره 368 جنيها.

والمواطن ناجى رشاد، والذى يبلغ من العمر 45 عاما ويعول زوجه و5 أبناء، قد لا تبدو حالته مختلفة كثيرا عن أحوال ملايين غيره من الموظفين، الذين عليهم بهذه الجنيهات أن يدبروا حالهم.

وأن يقفوا الساعات الطويلة مرة أمام طابور العيش، ومرات فى طابور إحدى المجمعات الاستهلاكية لعله يفوز بالنذر القليل من جرامات اللحم المستوردة التى عزت على الجميع، أو لاقتناء فرخة أضطر المسئولون بالجمعية الاستهلاكية، نتيجة لدواعى تاريخ الإنتاج، إلى تخفيض سعرها لزوم تصريفها.

أو من هؤلاء الذين «يلفون» بمترو الأنفاق محطتين زيادة لكى ينالوا مقعدا يعينهم على طول الطريق، أو ينتظروا فرج الميكروباص الذى أصبح ينافس فى زحامه الأتوبيس.

والمواطن ناجى من المؤكد أنه لا يختلف كثيرا عن غيره الذين يقترضون من الأهل أو الجيران أول كل عام دراسى من أجل تدبير مصاريف المدارس أو الجامعات لأولادهم، عندما تنشف الأم دماغها وتصر على استكمالهم للتعليم تحت حلم لعله لن يأتى بتحسين أحوال الأسرة بفضل التعليم.

وهو أيضا ربما يكون مثل آخرين غيره ممن أصبحت ظروف الأعياد والمناسبات تضطرهم إلى شراء الملابس المستعملة لأطفالهم لعلهم يدخلون لقلوبهم بهجة، غيبتها الحكومة.

ولكن ظروف حياة ناجى ورفضه لقسوتها أتاحت لنا جميعا فرصة أن نشمت فى الحكومة وهى تتلقن كالتلميذ درسا على العلن فى العدل قل أن تسمعه. فحيثيات حكم المحكمة الذى يحمل رقما (21606) لسنة 63 قضائية ينص على «لم يترك الدستور أمر ضمان حد أدنى لأجور العمال لإرادة المشرع، إن شاء قرر هذا الحق وإن شاء حجبه عن العمال، ولكن نص الدستور على ضمان حد أدنى للعمال كحق دستورى، كما حمل السلطة التنفيذية واجب تنفيذ الدستور لتحديد هذا الحد». يعنى الحكومة ليس أمامها ترف المماطلة أو عدم التنفيذ.

وتكمل المحكمة «إن دور الدولة هنا هو دور إيجابى وليس دورا سلبيا فلا يجوز لجهة الإدارة أن تترك تحديد أجور العمال لهوى أرباب الأعمال من أصحاب رأس المال مستغلين حاجة العمال إلى العمل، وإجبارهم على تقاضى أجور غير عادلة لا تساير ارتفاع الأسعار». والمحكمة لم ترغب أن تترك الحكومة على مزاجها فى تنفيذ هذا الحكم التاريخى فهى أشارت إلى «لا يجوز أن تتخلى عن واجبها إهمالا أو تواطؤا».

«وإذا ظنت الإدارة أن تشكيل المجلس الأعلى للأجور هو غاية الالتزام لاستكمال الشكل الحضارى أمام العالم، دون أن يكون أثره الفعال على روافد الحياة الواقعية للعاملين، فإنها تكون قد أخطأت فى فهم نصوص القانون والدستور، وتخلت عن التزامها تجاه العاملين، ويشكل مسلكها قرارا معيبا».

يعنى مرة أخرى لا تستطيع الحكومة أن تستمر (كما اعتادت) فى تشكيل لجان، أو مؤسسات لزوم التباهى أمام المنظمات الدولية، التى لا تسعى إلا لنيل رضاها علها تضعها فى مرتبة متقدمة فى قوائم الدول التى تضع لها تصنيفا هنا أو هناك على هوى المؤسسات الدولية. لن تستطيع الحكومة أن تستمر على هذا لأن عليها حكما لابد من تنفيذه ولن يكون مقبولا بعد ذلك أن يبقى المجلس الأعلى للأجور مزارا للتباهى أمام الأجانب.

إلى هنا وانتهى دور المواطن الغاضب والمحكمة العادلة، أما دور الغاضبين الآخرين فيبقى الأهم وهو ألا يتركون هذا الإنجاز يفلت من أياديهم، وأن يرفضوا كل العروض الهزيلة، والأرقام المضحكة التى تطرحها الحكومة للحد الأدنى للأجور. وألا ينخدعوا بالحديث عن عجز الموازنة عن تدبير تلك الزيادات.

فإذا اجتهدت الحكومة قليلا وبحثت فقط عن أمثال ذلك المسئول الحكومى البارز الذى حصل على ملايين من الدولارات واليورو، لكى يسمح بشراء سيارات مرسيدس لمسئوليين حكوميين ليسوا بحاجة إليها، وطلبوا منهم أن يعيدوا هذه الأموال لاستطاعت الحكومة أن تفك «زنقتها» أمام المحكمة وأمام مواطنيها الغاضبين. فما بالك لو بحثت الحكومة أبعد من ذلك المسئول وزملائه المبتدئين فى تفتيح الدماغ الذين مازالوا يلعبون فى حدود أقل من نصف دسته من الملايين، عندها سيكون الحد الأدنى للأجور أعلى مما يطالب به العمال أنفسهم.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات