حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة فى العمل العربى المشترك.. شروط القيادة.. وهم القيادة العربية فى القرن الحادى والعشرين - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة فى العمل العربى المشترك.. شروط القيادة.. وهم القيادة العربية فى القرن الحادى والعشرين

نشر فى : الجمعة 19 يونيو 2020 - 8:15 م | آخر تحديث : الجمعة 19 يونيو 2020 - 8:15 م

فى مواجهة التحديات والعقبات التى تمنع انطلاق مرحلة إيجابية جديدة فى العمل العربى المشترك، دعت «الشروق» عددا من الكتاب والمفكرين والمتخصصين العرب لإجراء حوار بشأن الشروط التى يجب توافرها فى دولة أو ائتلاف عربى يتولى مهام القيادة فى النظام العربى ويتغلب على هذه التحديات. وكان أول من استجاب لدعوتنا المفكر العربى الكبير ووزير التربية والتعليم الأسبق فى دولة البحرين الدكتور على فخرو. وبطبيعة الحال فإن الآراء المنشورة فى سلسلة مقالات «حوار مفتوح ــ من يقود الأمة نحو عمل عربى مشترك» تعبر عن أصحابها فقط وليس عن وجهة نظر «الشروق».

الحديث عمن يتولى القيادة فى الوطن العربى حديث ذو شجون، إذ ينهض على افتراض أن هناك وطنا عربيا، وأن هناك من يرغب أو يتطلع لقيادته. طبعا فى وقت من الأوقات وليس منذ زمن بعيد كان الحديث عن وطن عربى حديثا له مصداقية، ربما كان آخر ذلك العهد شهر أكتوبر ١٩٧٣ عندما اتخذ جيشان عربيان المبادرة بشن حرب تحرير لأراضى بلديهما من الاحتلال الإسرائيلى، وتضامن مع دولتيهما سوريا ومصر كل العرب، بالفعل من المحيط إلى الخليج، ووقفت دول الخليج ومعها سائر الدول العربية المنتجة للنفط مع الشعبين العربيين، وفرضا مقاطعة الدول التى تساند الاحتلال الإسرائيلى، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية نصير إسرائيل الأول فى الماضى والحاضر. قارن ذلك بما يجرى اليوم. تستعد إسرائيل لضم مساحة واسعة من الضفة الغربية وتحدد لذلك موعدا بداية شهر يوليو القادم، ولا تسمع عن مظاهرة واحدة فى أى دولة عربية تضامنا مع الفلسطينيين، ولا تجد قائدا عربيا واحدا يرفع صوته استنكارا لهذا العمل سوى عبدالله ملك الأردن، وإذا كان قادة عرب آخرون يستنكرون فى الغرف المغلقة ما تقوم به إسرائيل ويحرجهم، فهم يعولون على أن إسرائيل سوف تستجيب لرغبة الرئيس الأمريكى بأن تؤجل هذا الأمر لشهور، حتى يجد طريقة لإقناع الفلسطينيين بما يسميه خطة للسلام تنتهى بهم أيضا إلى قبول الضم فى مقابل إقامة كيان لهم فيما ستتركه إسرائيل لهم من الضفة الغربية.
***
شروط وجود قيادة للعرب غير متوافرة اليوم، ولا تنبئ تطورات النظام الدولى أن تتوافر فى المستقبل. مثل هذه القيادة سواء انعقدت لدولة أو مجموعة من الدول تشترط أن يتوافر لهذه الدولة أو الدول قدر هائل من عناصر القوة المادية المتنوعة يفوق ما يتوافر لغيرها من الدول العربية، وأن يكون لها قبول واسع داخل العالم العربى لما حققته من إنجازات على أصعدة عديدة، وأن تحمل رسالة يمكن أن تلتف حولها أغلبية شعبية واسعة فى كل هذه الدول، وأخيرا أن يسود الإحساس بين الغالبية العظمى فى العالم العربى أن هناك ما يجمعهم ويفرقهم عن غيرهم، ليس فقط ثقافة مشتركة، وإنما إدراك أن بينهم مصالح مشتركة، وهوية جامعة، وأن خيرهم فى تضامنهم، وأن خسارتهم هى بتفرقهم.
لا توجد دولة عربية ولا مجموعة من الدول تملك هذا التنوع فى مصادر القوة على نحو يفوق ما هو متاح لأى دولة أو مجموعة من الدول. أكبر دولة عربية من حيث السكان والتى لعبت هذا الدور فى الخمسينيات والستينيات فى القرن الماضى مثقلة بالديون، وإذا كانت هى الأكثر استقرارا فى الوقت الحاضر، فإن إنجازها الاقتصادى ونظامها السياسى ليسا مما يثير الإعجاب لا فى الوطن العربى ولا خارجه، كما أنها لا تبشر بأى رسالة، وإنما هى منكبة على أوضاعها الداخلية، ومهمومة بتهديدات لأمنها الوطنى من الجنوب والشرق والغرب، وعلاقاتها العربية تكاد تكون أوثق مع معظم دول الخليج، وهى تتسم بالفتور مع دول أخرى خصوصا فى المغرب العربى، وغير قائمة مع سوريا وقطر. بل ولا تسعى القيادة المصرية لأن يكون لها دور عربى مستقل، خطابها يتوجه للمصريين، بالاساس وليس للعرب. أما دول الخليج، فإن كان أربع منها يملك احتياطات مالية هائلة، ونجح فى تحديث مرافقها ومؤسساتها الطبية والتعليمية، وكذلك أذرعتها الشرطية والعسكرية، إلا أنها تفتقد باستثناء السعودية القاعدة البشرية التى تسمح لها بمواصلة تقدمها الاقتصادى دون الاعتماد على قوة عمل أجنبية تشكل غالبية سكانها، وتعول فى ضمان أمنها كلها بلا استثناء على العون، بل الوجود الغربى والأمريكى خصوصا، وليس فى نظمها السياسية ما يلهم العرب المتطلعين لنظم عصرية، تقوم على المساواة فى المواطنة، وليس على حكم القبيلة، كما هو الحال فى كل هذه الدول، وباستثناء مستويات معيشة رغدة وفرته لمواطنيها، فهى مازالت تحت رحمة تقلبات سوق النفط، كما أنها حتى فيما بينها لا تنجح فى إدارة خلافاتها، وإذا كان هناك ما يجمع السعودية والإمارات والبحرين، فلكل من قطر والكويت وعمان توجهات مغايرة، وأخيرا فليست هناك رسالة واحدة تخرج من أى من هذه الدول يمكن أن يلتف العرب حولها: إسراعها فى التطبيع مع إسرائيل، وخلافها مع إيران، والذى يجعلها تقبل الإغداق على أكثر قيادة أمريكية معادية للعرب توهما أنها يمكن أن تساعدها فيما تتصوره خطرا إيرانيا عليها، ليس مما يؤهلها لأن تكون القيادة المقبولة من جماهير عربية ارتفع وعيها بفضل مستويات أعلى من التعليم وانتشار أدوات التواصل الاجتماعى بينها.
وأخيرا ومع عدم وجود مثل هذه القيادة المحتملة، فإنه مما يضاعف من صعوبة ظهورها توارى الشعور القومى العربى، إذا كانت له ثمة بقية وراء الهويات الطائفية والمذهبية والدينية والقطرية التى نجح القادة السياسيون فى الحكم والمعارضة على السواء فى غرسها فى نفوس مواطنيهم يراكمون بها رأس مال سياسى يستعينون به فى الانتخابات إذا كانت نظم بلادهم تسمح بها، أو لتوطيد شرعية هشة فى حالات أخرى، أو هى نتيجة الصراعات الأهلية التى دفعت المواطنين للانتماء فى حضن ولاءاتهم الأولية فى غياب الدولة التى فى ظلها يمكن أن يتمتعوا بالحقوق الأساسية للبشر فى الحياة والحرية والعيش الكريم.
***
ما هو المخرج إذا. دعونا نتواضع فى أحلامنا، ولكن فلنبدأ من البدايات الأولى، ولنعترف بأن تغيير الأوضاع الحالية على نحو يعزز تضامنا عربيا هو صعب فى ظل انشغال الحكومات العربية، أو ما هو قائم منها، بأوضاعها الداخلية أو بالتنافس مع خصومها العرب وبالتعاون مع قوى أخرى إقليمية ودولية، وأننا كمثقفين لا وزن لنا لدى حكوماتنا إلا كأدوات دعاية لها. فلنتحمل مسئولياتنا تجاه الرأى العام فى بلادنا، والخطوة الأولى هى أن نجتمع لتدارس الأوضاع القائمة والتفكير فى سبل الخروج منها تدريجيا. لقد ندرت فى السنوات الأخيرة تلك الاجتماعات التى تضم مثقفين عربا من كل الاتجاهات الفكرية ومن كل الدول العربية على نحو ما كان يفعل مركز دراسات الوحدة العربية فى بيروت فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى. صحيح أن اجتماعا أول من هذا النوع جرى فى ليماسول بقبرص بعد أن تعذر عقده فى أى دولة عربية، ربما لا نجد التمويل الذى يغطى استضافة مئات من المثقفين العرب، ولكن قد يمكن التقاء عشرات فى عاصمة عربية يمكن أن تجرى فيها مثل هذه الاجتماعات، وأظن أنه لم يبق سوى عمان الأردن مدينة لا تزال تفتح صدرها للقاءات مثل هذه، تسودها نبرة متأملة هادئة، وروح لا تطلب المستحيل، ويواكب مثل هذه الاجتماعات إحياء الجمعيات الفكرية التى انبثقت عن أحد مؤتمرات ذلك المركز للاقتصاديين وعلماء الاجتماع والسياسة وغيرهم فى الدول العربية. إذا نجحت هذه الدعوة فى بث الصحوة فى نفوس المثقفين العرب، فربما يكون لها ما بعدها مخرجا من أوضاع التفكك والهزائم المستمرة التى لا نشهد سوى غيرها فى الوقت الحاضر.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات