قوانين الأحوال الشخصية فى زمن الكورونا - سهام على - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قوانين الأحوال الشخصية فى زمن الكورونا

نشر فى : الخميس 21 مايو 2020 - 10:40 م | آخر تحديث : الخميس 21 مايو 2020 - 10:40 م

رغم مرور مائة عام على إصدار قوانين الأحوال الشخصية، حيث صدر أول قانون عام 1920 إلا أنها لازال بها الكثير من العوار، ذلك العوار الذى يطفو على السطح من حين إلى آخر حيث لا تزال تلك القوانين على جمودها، بعد أن تجاوزها الواقع، «ولما لا، وهى لا زالت أسيرة تفسيرات وتأويلات دينية متحيزة ومغلوطة تتعارض وروح الشرائع السماوية التى تحض على العدل والمساواة من ناحية، ومفهوم السلطة الأبوية على النساء والموروثات الثقافية من ناحية أخرى».
لا يستطع أحدنا إنكار أن قانون الأحوال الشخصية هو القانون المؤثر بالدرجة الأولى فى حياة الأسرة، فهو القانون الذى من المفترض أن يدرأ الضرر الواقع على الحياة الشخصية للأفراد الذين يعانون من مشكلات متعلقة به والتى إذا لم تحل بالطريق القانونى الأمثل القائم على المراعاة التامة للحقوق والواجبات، أصبح عاملا مؤديا إلى أزمات عدة منها النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
منظومة قوانين الأحوال الشخصية الحالية، مع الأسف، منظومة عفا عليها الزمن نظرا لعدم تواكبها مع المتغيرات المتلاحقة على جميع المستويات وهو ما يتجلى عند ظهور الأزمات. فبالنظر إلى أزمة كورونا كإحدى الأزمات والكوارث الطبيعية التى يمر بها العالم بشكل عام ومصر بشكل خاص، سوف نلقى نظرة على ما رصدته مؤسسة قضايا المرأة المصرية بالتعاون مع عدد من مكاتب المحامين التى تعمل معهم من إشكاليات متعلقة بقانون الأسرة خلال شهرين منذ الإعلان عن الإجراءات التى بدأت الحكومة المصرية فى اتخاذها لمواجهة الأزمة حفاظا على صحة وسلامة المواطنين/ات ومنها الإجراءات الخاصة بسير العمل داخل المحاكم، بداية من قرار المستشار عمر مروان، وزير العدل، بتاريخ 15 مارس 2020 الخاص باتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية نحو تأجيل جميع الدعاوى المنظورة أمام المحاكم بأنواعها لمدة أسبوعين دون حضور أطراف التداعى (وعدم شطب أى دعوى) مع استمرار العمل الإدارى بالمحاكم لتلبية الطلبات خلال مواعيدها المقررة قانونا، وتخفيض عدد العاملين والموظفين بالمحاكم وغيرها من الإجراءات الاحترازية، وما تلاه من قرارات تصدر من حين إلى آخر حتى الآن، منها ما هو متعلق باجراءات الشهر العقارى ونوع التوكيلات ذات الأولوية لتوثيقها وما هو متعلق بسير العمل داخل المحاكم من عودة للجلسات ورفع الدعاوى تدريجيا وتشكيل الدوائر القضائية.. إلخ من أعمال المحاكم. إلا أن ما حدث بالفعل هو تفشى أزمة كورونا وانتشار الفيروس بعدد من المحاكم مما أدى إلى إغلاقها من أجل إجراءات التطهير واتخاذ الإجراءات الاحترازية، ومنها «محكمة زنانيرى» أشهر محاكم قضايا الأحوال الشخصية فى مصر..
***
عندما ألقينا الضوء على تلك الإجراءات وأثرها على مشكلات المتقاضين/ات، وجدنا أن:
ــ تأجيل جميع الدعاوى المنظورة أمام المحاكم أدى إلى وجود أزمات فى عدد من القضايا، وبخاصة تلك التى كانت فى مراحلها الأخيرة واستوفت جميع الإجراءات وتوقفت على جلسة النطق بالحكم والتى منها قضايا تعتبر مصيرية لكونها إما ترتبط بمصادر الدخل المادى وسبل الإعاشة مثل النفقات، أو لكونها ترتبط بتحديد الحالة الاجتماعية لبعض السيدات والتى سوف يترتب عليها عدة إجراءات أخرى مرتبطة بهن مثل الطلاق والخلع. وما أدى إليه هذا القرار من خيبات أمل لدى المتقاضيات الذين هم بالأساس كن يعانين من بطء الإجراءات نظرا لكثرة الدعاوى القضائية، لتجىء أزمة كورونا لتجعلهن قيد إجراءات وتأجيلات أخرى غير معلومة الأجل.
ــ قرار تخفيض عدد العاملين فى المصالح والأجهزة الحكومية لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد والذى يمثل الموظفين المنوطين داخل المحاكم بالأعمال الإدارية جزء منه، أدى إلى قلة عدد الأعمال الإدارية المهمة ومنها استكمال الأوراق المرتبطة بالدعاوى القضائية المنتهية والتى تم الحصول فيها على أحكام، ومن ثم التباطؤ فى استخراج الأوراق المرتبطة بها مثل الصيغ التنفيذية وأهمها فى هذه المرحلة الصيغ المرتبطة بأحكام النفقة والتى تحتاجها الكثير من النساء لتنفيذ الحكم واستلام مبلغ النفقة، إما عن طريق جهة عمل الزوج الحكومية أو عن طريق بنك ناصر وأخيرا عن طريق حملات التنفيذ فى حالة دعاوى متجمد النفقة ولا يخفى على أحد ما تعانى منه النساء فى كل مرحلة من تلك المراحل.
ــ بالإضافة إلى ذلك إشكالية «الرؤية» وما يعانيه الطرف غير الحاضن سواء لعدم إمكانية رفع دعاوى جديدة وفى حالة رفعها يتم تحديد أول جلسة بعد فترة ليست بالقليلة، أو فى الحصول على الصيغة التنفيذية إذا ما كان حاصلا على حكم سابق، أما المشكلة الأكبر فتتمثل فيما إذا كان حصل على حكم مستوفى إجراءات التنفيذ إلا أن أماكن الرؤية تم إغلاقها فى ضوء الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الدولة للحد من انتشار الفيروس والتى منها النوادى ومراكز الشباب.
ــ وأخيرا العنف الأسرى الذى زادت وتيرته خلال فترات الحظر وما أدى إليه من زيادة الخلافات الزوجية التى يؤدى بعضها إلى قيام الزوج بطرد الزوجة وأولادها من المنزل، فلا تجد الزوجة أمامها إلا الذهاب إلى منزل أسرتها الذين فى الغالب يعانون ماديا فلا يرحب بها فى أحيان كثيرة، لذلك تحاول اتخاذ خطوات قانونية كإجراءات التمكين من منزل الزوجية أو إقامة دعوى نفقة لتصطدم بصعوبة الإجراءات خلال تلك الفترة، وأخيرا عندما تحاول اللجوء إلى أحد الملاجئ التى تستضيف النساء المعنفات تجد صعوبة فى الإجراءات وربما رفض أو تأجيل الاستضافة كأحد الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا.
عند النظر أيضا إلى الأشخاص أصحاب المشكلات ذات الصلة بالقانون وتعاملهم مع تداعيات أزمة كورونا، وجدنا أن البعض منهم قد رآها فرصة للتنكيل بالطرف الآخر، فنجد عددا من الأزواج استغلوا تداعيات الأزمة من أجل التهرب من مسئولياتهم والتزاماتهم تجاه أسرهم بالرعاية والإنفاق، ظنا منهم أن الوضع يمكن استمراره لفترة طويلة وخاصة فى ظل غياب منظومة العدالة وتعطلها، سواء بتعطل المحاكم أو بطء الإجراءات. وهنا نتكلم عن الحالات التى لم يكن سبب عدم الإنفاق راجع فيها إلى ضيق اليد أو الظروف الاقتصادية، وإن كان هذا السبب قد قابلنا كثيرا خاصة إذا كان المسئول عن الإنفاق ضمن العمالة غير المنتظمة، وإنما فى حالتنا هذه كان الدافع هو الإضرار بالزوجة والأطفال والتهرب من دفع النفقات.
ــ امتناع بعض الأطراف الحاضنة عن تنفيذ أحكام الرؤية وحرمان الأطراف غير الحاضنة من رؤية الصغير وإرجاعهم ذلك إلى سببين، إما بسبب غلق بعض أماكن تنفيذ الرؤية مثل النوادى ومراكز الشباب ومن ثم لا يوجد مكان لتنفيذ الأحكام، بالإضافة إلى عدم شعورهم بالأمان من أخذ الطرف غير الحاضن للصغير فى أى مكان آخر أو استضافته بمنزله والتخوف من عدم إرجاعه فى ضوء وجود إجراءات قانونية صعبة التنفيذ مع ما تمر به البلاد. كل هذا لا يعد تنكيلا من وجهة نظرنا حيث إنه قائم على أسباب وجيهة من طرف قائلها، إنما التنكيل هنا عندما يتم منع الصغير من التواصل مع الطرف غير الحاضن سواء عن طريق الهاتف أو وسائل الاتصال الحديثة وهو ما تم رصده بالفعل.. بينما حدث العكس تماما فى مواقف أخرى حيث امتنع الطرف غير الحاضن الذى كان الصغير لديه لرؤيته بشكل ودى عن إعادته إلى الطرف الحاضن معتمدا على توقف بعض الإجراءات القانونية خلال هذه المرحلة.
السؤال الآن، ماذا لو استمرت أزمة كورونا لعدة شهور أخرى؟ والإجابة من وجهة نظر مؤسسة قضايا المرأة المصرية كأحد المؤسسات العاملة فى مجال حقوق المرأة بشكل عام وعلى قانون الأحوال الشخصية بشكل خاص منذ 1995، تتمثل فى ضرورة اتخاذ عدد من الخطوات والإجراءات، سواء على المستوى القريب لمواجهة أثر أزمة كورونا على متضررى قانون الأحوال الشخصية أو على المستوى البعيد فى ضوء العمل على قوانين الأحوال الشخصية بشكل عام.
توصيات وتدخلات عاجلة على مستوى الاجراءات والسياسات، فعلى مستوى الإجراءات نوصى باستخدام التكنولوجيا وتفعيل دور الإنترنت فى مجال عمل المحاكم والدعاوى القضائية أسوة باستخدامها فى مجالات عدة كمجال التعليم والصحة وغيرهما، فيتم عن طريقهم، على سبيل المثال، تقديم الطلبات الخاصة ببدء الدعوى أمام مكاتب تسوية المنازعات الأسرية وقيام المحاكم المختلفة بتوفير معلومات القضايا والقرارات والتأجيلات الخاصة بالجلسات فى الدعاوى على الموقع الإلكترونى للوزارة وعقد الجلسات عن بعد باستخدام برامج التكنولوجيا المختلفة وانتهاء بإصدار الأحكام، وذلك للتيسير على المحامين والمتقاضين من جهة وللحد من انتشار الفيروس ومقومات السلامة الصحية وتطبيق التباعد الاجتماعى من جهة أخرى. العمل على سرعة الفصل فى الدعاوى القضائية التى استوفت كامل إجراءاتها سواء على المستوى الشكلى أو الموضوعى حتى يتمكن المدعون من الحصول على حقوقهم المتعلقة فقط على مجرد النطق بالحكم والتى يتمثل أهمها فى أحكام النفقات والطلاق والخلع والرؤية، كما نأمل فى إعادة النظر بإجراءات تنفيذ أحكام الرؤية خلال هذه المرحلة وكيفية الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة (الهواتف ــ الإنترنت ــ تطبيقات الهواتف الذكية) كى تنفذ أحكام الرؤية والتواصل عن بعد وذلك بهدف استمرار التواصل بين الأطفال وأبويهم بالإضافة إلى حمايتهم من الفيروس الذى من الممكن تعرضهم له سواء فى مكان تنفيذ الرؤية أو منزل الطرف غير الحاضن، بالإضافة لعدم تنقلهم كثيرا كأحد التدابير الاحترازية للحد من انتشار الفيروس والذى قد يكون لا قدر الله منهم أو إليهم.
أما على مستوى السياسات وحفاظا على استقرار حياة الأم وأطفالها وتلبية احتياجاتهم نرى أنه لابد من وجود بند داخل صندوق الأسرة لدى بنك ناصر أو لدى وزارة التضامن الاجتماعى لمساعدة النساء سواء كانت قضايا النفقة الخاصة بهن قيد الرفع أو متوقفة على النطق بالحكم وذلك فى ضوء الإغاثة العاجلة لهن ولأطفالهن.
أما توصياتنا (طويلة الأجل) للعمل على تطوير منظومة قوانين الأحوال الشخصية، فتتمثل فى أهمية فتح حوار مع وزارة العدل والمشرعين ورجال القانون والجهات المعنية لتبنى مدونة تشريعية متكاملة خاصة بقضايا النساء بشكل عام وقانون الأحوال الشخصية بشكل خاص وعلاقته بالقوانين واللوائح والقرارات ذات الصلة لتتناسب مع تطورات الواقع سواء على المستوى الموضوعى، من خلال إيجاد منظومة متكاملة لقوانين الأسرة قائمة على العدل والمساواة والإنصاف، أو على المستوى الإجرائى، من خلال إعادة النظر فى آليات سير الدعوى وتنفيذ الأحكام وغيرها من الإجراءات وكيفية استغلال مجالات التكنولوجيا الحديثة، للمساعدة فى التخفيف عن كاهل المتقاضين والمحامين والقضاة وكذلك المساعدة فى اجراءات التنفيذ دون بيروقراطية إدارية.

التعليقات