الحرب فى غزة.. مرايا العجز الأوروبى - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرب فى غزة.. مرايا العجز الأوروبى

نشر فى : الجمعة 26 يناير 2024 - 10:35 م | آخر تحديث : الجمعة 26 يناير 2024 - 10:35 م
أثبتت الحرب فى غزة بما لا يدع مجالا للشك أن أوروبا لا سياسة خارجية موحدة لها، وأن دولها الكبرى كبريطانيا وفرنسا وألمانيا لا تعدو أن تكون كيانات غير فاعلة وتابعة فيما خص منطقة الشرق الأوسط وصراعاتها المتراكمة.
• • •
غابت دبلوماسية الاتحاد الأوروبى مثلما غابت الدبلوماسية البريطانية عن جهود الوساطة بين إسرائيل وفلسطين إن لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب أو من أجل التوصل إلى هدن مؤقتة تحمى الأرواح والمنشآت العامة والخاصة. على مدار الأسابيع الأولى للحرب، لم يفعل الأوروبيون غير التوافد الكثيف على تل أبيب للتعبير عن التضامن الكامل مع الدولة العبرية ولإعلان تأييدهم الشامل للحرب فى غزة التى كان واضحا ما سترتبه من أوضاع إنسانية كارثية وما ستسقطه من ضحايا بالآلاف. وتجاوزت الحكومتان الألمانية والبريطانية الدعم المعنوى والدبلوماسى إلى تقديم الدعم العسكرى والمالى، بينما طالب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بتشكيل «تحالف دولى لقهر الإرهاب» فى غزة على غرار ما فعلته الدول الغربية لهزيمة داعش فى العراق وسوريا وسرعان ما تراجع عن الفكرة وصمتت عنها الدبلوماسية الفرنسية.
ومع تنامى الاحتجاجات الشعبية فى العواصم الأوروبية بسبب استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وحقائق الدماء والدمار والنزوح والجوع والعطش التى كانت تفرضها على أكثر من مليونى فلسطينى وفلسطينية فى القطاع وبسبب تواصل عنف المستوطنين المتطرفين فى الضفة الغربية، مع تنامى تلك الاحتجاجات اتجهت الحكومات الأوروبية إلى الضغط الأمنى على المواطنين والمقيمين ذوى الأصول الفلسطينية والعربية والإسلامية، وإلى المنع الإدارى لبعض التجمعات والتظاهرات تارة بالدفع بحضور أعلام ولافتات لحركة حماس المصنفة «إرهابية» وتارة باستدعاء «معاداة السامية» كاتهام مسبق وجاهز للتعميم على جميع الفلسطينيين والعرب والمسلمين من غير دليل. فى هذا السياق أيضا، اتسمت ممارسات الحكومات الألمانية والبريطانية والفرنسية بالتعسف الشديد، فى برلين بتعقب أمنى لا سند قانونيا له لأشخاص متعاطفين مع فلسطين، وفى لندن بتصريحات عنصرية لوزيرة داخلية اضطرت إلى الاستقالة، وفى باريس بشيطنة للحضور العربى والإسلامى ما لم يعلن تنصله من الحق الفلسطينى.
• • •
اختلف جذريا المشهد المجتمعى فى أوروبا عن نظيره فى الولايات المتحدة الأمريكية. فالأخيرة وإن انحازت سياسيا وعسكريا وماليا بالكامل لإسرائيل، إلا أن لا سلطاتها الفيدرالية ولا حكومات ولاياتها قيدت الاحتجاجات المناهضة للحرب التى نظمت فى عديد المواقع ولم تحدث بها ممارسات يمكن توصيفها كصنوف من التعقب الأمنى. بل إن ضغوط الأيام الأولى للحرب التى واجهها الأشخاص المتعاطفون مع قضية فلسطين فى الجامعات الأمريكية، إن كطلاب أو أعضاء هيئات تدريس، تراجعت تدريجيا على وقع تصاعد الانتقادات العلنية الموجهة إلى إسرائيل وشبهات تورطها فى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب فى غزة. وبينما طالت تلك الانتقادات عتبة غير مسبوقة بمناقشة مجلس الشيوخ الأمريكى لمقترح السيناتور، بيرنى ساندرز، المتعلق بفرض قيود على الدعم العسكرى والمالى المقدم للدولة العبرية بسبب الجرائم المرتكبة فى القطاع، فإن أوروبا لم تتحرك لا على مستوى حكوماتها ولا على مستوى برلماناتها فى اتجاهات مشابهة.
كذلك، وبعيدا عن تصريحات منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى وتصريحات وزير الخارجية البريطانى ديفيد كاميرون والرجلان لا يطرحان سوى مبادئ عامة، ابتعدت أوروبا عن جهود الوساطة والتفاوض بين إسرائيل وفلسطين وتركت الأمر لأطراف إقليمية مؤثرة كمصر وقطر ومعهما الولايات المتحدة. كانت الوساطة المصرية ــ القطرية التى أنجزت الهدنة الأولى والوحيدة حتى الآن وأسفرت عن الصفقة التبادلية بين رهائن إسرائيل وأسرى فلسطين، كانت هذه الوساطة هى التى نجحت قبل الهدنة فى إخراج رعايا أوروبيين من غزة وتمكنت مع الهدنة من الإفراج عن بعض حملة الجنسيات الأوروبية من الرهائن الإسرائيليين (أى بعض مزدوجى الجنسية). ولم يجُب الشرق الأوسط بحثا عن فرص لتهدئة الأوضاع واحتواء الحرب فى غزة ومنع تمددها الإقليمى من الغربيين سوى بعض المسئولين الأمريكيين الذين توالى إرسال إدارة بايدن لهم من وزير الخارجية أنتونى بلينكن ومستشار الأمن القومى جيك سوليفان إلى مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز ووزير الدفاع لويد جيمس أوستن (قبل مرضه).
فقط فى سباقين محددين يرتبطان بخطر التمدد الإقليمى للحرب نشط بعض الأوروبيين، لبنان والمدخل الجنوبى للبحر الأحمر. فقد عبرت فرنسا أكثر من مرة عن قلقها من التصعيد العسكرى بين إسرائيل وحزب الله وأرسلت وزير خارجيتها إلى تل أبيب وبيروت لحث جميع الأطراف على ضبط النفس والبحث عن سبل دبلوماسية للاحتواء على نحو يسمح بعودة المهجرات والمهجرين الإسرائيليين إلى الشمال ويحمى المدنيات والمدنيين اللبنانيين فى الجنوب ويحمى كل لبنان من ضربات انتقامية مدمرة.
من جهة أخرى، شاركت أكثر من دولة أوروبية، من بينها ألمانيا، فى التحالف البحرى الدولى الذى شكلته الولايات المتحدة الأمريكية لحماية الملاحة الدولية فى البحر الأحمر على خلفية هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية ثم انضمت القوات البحرية والجوية البريطانية إلى القوات الأمريكية فى شن هجمات على مواقع الحوثيين فى اليمن بهدف الردع. كما اتجهت الدبلوماسيات الأوروبية صاحبة العلاقات الهادئة مع إيران، تحديدا دبلوماسيات باريس وبرلين وبدرجة أقل لندن، إلى مطالبة طهران بالضغط على القيادات الحوثية للتوقف عن مهاجمة السفن التى تمر فى البحر الأحمر والامتناع عن تهديد الملاحة البحرية فى ممر بالغ الأهمية للتجارة العالمية. وكان الأوروبيون هنا يفعلون ما طالبتهم به الولايات المتحدة، مثلما طالبت الأخيرة الصين بالضغط على إيران للسيطرة على وكيلها فى اليمن.
• • •
بعيدا عن الساحة اللبنانية والتطورات فى اليمن، لم يخرج الأوروبيون عن كمونهم فيما خص الحرب فى غزة وسجلوا بذلك تقزيم دولهم إما إلى كيانات غير فاعلة أو كيانات تابعة للولايات المتحدة. والحقيقة أن ذلك يمثل تحولا كبيرا فى السياسات الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية التى سبقت القارة العجوز إلى دعمها وإقرار حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير فى ١٩٨٠ (إعلان البندقية)، وأتبعت ذلك بدبلوماسية سلام نشيطة فى أعقاب حرب تحرير الكويت ١٩٩٠ــ١٩٩١ كما ظهر فى استضافة العاصمة الإسبانية مدريد لمؤتمر السلام، وفى إجراء الإسرائيليين والفلسطينيين لمفاوضات السلام اللاحقة فى العاصمة النرويجية أوسلو والتى أسفرت عن توقيع اتفاقيات سلام فى ١٩٩٣، وفى الدور الهام الذى اضطلع به الأوروبيون فى اللجنة الرباعية الدولية التى عملت على الحيلولة دون انهيار مفاوضات الحل النهائى والتسوية السلمية على أساس حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين طوال النصف الثانى من التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة.
لم تعد أوروبا مأزومة فقط على صعيد تحولاتها السياسية والمجتمعية الداخلية التى تشهد صعودا حادا لليمين المتطرف وللتيارات العنصرية، بل أضحت عاجزة أيضا فى سياقات سياستها الخارجية التى اتجهت إلى التورط فى مواجهة خاسرة مع روسيا فى أوكرانيا، وها هى اليوم تتجاهل منطقة الشرق الأوسط وترتضى الانكماش إلى طرف هامشى فى جوارها المباشر فى شرق البحر المتوسط.
أستاذ علوم سياسية، بجامعة ستانفورد
الاقتباس:
لم يخرج الأوروبيون عن كمونهم فيما خص الحرب فى غزة وسجلوا بذلك تقزيم دولهم إما إلى كيانات غير فاعلة أو كيانات تابعة للولايات المتحدة. والحقيقة أن ذلك يمثل تحولا كبيرا فى السياسات الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية التى سبقت القارة العجوز إلى دعمها وإقرار حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات