الإنذار الأخير فى شأن إنفلونزا الخنازير - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 5:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنذار الأخير فى شأن إنفلونزا الخنازير

نشر فى : الأربعاء 26 أغسطس 2009 - 5:24 م | آخر تحديث : الأربعاء 26 أغسطس 2009 - 5:24 م

 بدأت وتيرة انتشار إنفلونزا الخنازير تتسارع على نحو ملحوظ فى الآونة الأخيرة، ووصل عدد المصابين إلى ستمائة حالة على الأقل، وهو عدد بالغ الضآلة إذا حسبنا نسبته إلى سكان مصر، أو جرت مقارنته بضحايا أمراض أخرى تفتك بهم، غير أن المشكلة من ناحية أن عدد المصابين يزيد بمتوالية هندسية، ويهدد بأن يتجاوز قدرة الاستعدادات الرسمية على التعامل بكفاءة مع حالاتهم، ومن ناحية أخرى فإننا مقبلون على أحداث كبرى ترتبط ــ مع كل القداسة الدينية التى تتسم بها ــ باحتمالات أوسع لانتشار المرض، وهى تحديدا عمرة رمضان التى تكاد أن تكون حجا من منظور أعداد الذين يحرصون على أدائها ثم شعائر الحج نفسه، ناهيك عن أن البيئة المصرية بحكم التكدس السكانى والعادات المنتشرة ملغومة باحتمالات تفشى المرض، وهذا فى الوقت الذى تتحدث فيه منظمة الصحة العالمية عن ضرورة الاستعداد لموجة ثانية وأخرى ثالثة من هذا المرض. فأين يكمن الخطر على الشعب المصرى فى هذا كله؟

ليست المشكلة فى غياب أجهزة مسئولة عن صنع القرار على أعلى مستوى، ذلك أن متابعة تطورات المواجهة الرسمية للمرض تكشف عن اجتماعات تعقد برئاسة رئيس مجلس الوزراء يشارك فيها جميع الوزراء المعنيين، وعن هذه الاجتماعات تصدر قرارات أو توجيهات للجهات المعنية، كتلك المتعلقة بوضع قيود عُمرية على الراغبين فى أداء العمرة، أو إلغاء الموائد أو الخيام الرمضانية أو حفلات الإفطار الجماعى وغير ذلك، ومن هذه الاجتماعات أيضا نعرف أن هناك وحدة للأزمات بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تعقد اجتماعا أسبوعيا، وأن هناك سياسة تتبع حاليا للمواجهة تقوم على خيار احتواء المرض، بمعنى الحد من انتشاره، بحيث لا تحدث زيادة كبيرة فى أعداد المصابين خلال فترة زمنية قصيرة، مما يعنى أن هناك بنية متكاملة لصنع القرار تتعامل مع الموقف.

مع ذلك فإن مكامن الخطر تبدو للأسف عديدة، ذلك أنه من أبجديات صنع القرار الرشيد أن تبدأ بتحليل دقيق للموقف الواجب مواجهته، ويرتبط بذلك اختيار الهدف الذى سيتم السعى لتحقيقه فى هذا الموقف، ثم يأتى بعد ذلك البحث عن البدائل أى السبل الكفيلة بتحقيق هذا الهدف، ثم يتم الاختيار من هذه البدائل فيكون البديل المختار هو أساس القرار المتخذ.

ولا يمكن للمرء أن يتجاهل أن خطوة تحديد الموقف تبدو فاقدة لعنصر مهم، وهو تحديد درجة خطورة المرض، لأن ثمة علاقة طردية بين زيادة الإحساس بخطورة المرض وجدية مواجهته، وقد نذكر أن وزير الصحة كان فى البداية متعاطفا ــ وقد يكون الحق معه فى هذا ــ مع وجهة النظر التى ترى أن منظمة الصحة العالمية قد بالغت فى تقدير خطورة المرض، وهى وجهة النظر التى ارتبطت بنظرية «مؤامرة» ترى أن القصة كلها تهدف إلى الترويج لأدوية بعينها، غير أننا الآن بتنا فى قلب الأزمة، وعلينا أن نصل بكل الطرق العلمية إلى إجابة عن هذا السؤال: ما هى درجة خطورة المرض على حياة المصريين؟ وهل هى خطورة عادية لا تجعلنا نجزع من التزايد الحتمى المتوقع للإصابات إلى آفاق مقلقة أو حتى مخيفة؟ أم أنها خطورة تهدد حياة أعداد كبيرة من المصريين؟ لأنه بناء على إجابة هذا السؤال يمكن اتخاذ قرارات فى قضايا بالغة الحساسية كأداء العمرة والحج، وقد أوضح عدد من كبار رجال الدين أنه لا مشكلة فى صدور فتوى تستند إليها قرارات كهذه بشرط أن يكون الخطر داهما على حياة المصريين وفقا لما يراه المختصون.

أما فيما يتعلق بتحديد الهدف فهو أمر يحسن تركه لهؤلاء المختصين الذين اختاروا كما سبقت الإشارة أن يكون الهدف هو احتواء المرض، وهو هدف معقول بشرط متابعة درجة النجاح فى تحقيقه، إذ إنه لا يخفى أن عددا متزايدا من الإصابات مجهولة المصدر بدأ يتم اكتشافه، الأمر الذى يعنى أن هناك ناقلى عدوى فى الأراضى المصرية لا تطولهم سلطاتها الصحية، وأن خطرهم يزداد يوما بعد يوم كلما اتسعت دائرة انتشار المرض. ويرتبط بهذا أن الوسائل التى تم اختيارها لتحقيق الهدف قد لا تكون فعالة على نحو كافٍ، أو أن تطبيقها لا يتم بالكفاءة الواجبة، ويستطيع أى مواطن مهتم أن يبدى عديدا من التحفظات على حملات التوعية بالمرض وطرق الوقاية منه، وعلى الإجراءات الصحية المطبقة فى المطارات، وغير ذلك.

غير أن ما سبق يهون إذا قورن بما هو أخطر، وهو أن القرارات التى تتخذ لاحتواء المرض تتسم بسمات خطيرة تبعدها عن تحقيق الهدف منها، وأول هذه السمات هو عدم الاتساق، فثمة حديث عن قرار بمنع إقامة الخيام الرمضانية وحفلات الإفطار الجماعى، وهى أنشطة لا يمكن مقارنتها بما يحدث فى وسائل النقل العام مثلا، أو بما سيحدث فى فصول المدارس المكدسة ومدرجات الجامعات المكتظة، وهى أنشطة ليس ثمة تفكير فى إلغائها بطبيعة الحال، الأمر الذى يفضى بنا إلى السمة الثانية لتلك القرارات، وهى ما يبدو من أنها تتخذ بناء على اعتبارات الملائمة وتفادى الحساسيات، فلأن إلغاء الخيام الرمضانية وحفلات الإفطار الجماعى يبدو ممكنا صدر قرار بذلك، لكن إيقاف الانتقال بوسائل النقل العام يبدو مستحيلا وكذلك تعطيل الدراسة، وهذا يعيدنا إلى السؤال الأساسى عن ضرورة تحديد الموقف، ولأن إلغاء الموالد يبدو ممكنا باعتبار أنها ليست من صلب الشعائر الدينية صدر قرار بهذا المحتوى، لكن إيقاف أداء العمرة أو الحج ينطوى على درجة هائلة من الحساسية، ولذلك اكتفى بتحديد سن الراغبين فى أداء هذه الشعائر، وهكذا.. وبالنظر إلى ما سبق يمكن القول بأن السمة الثالثة للقرارات هى عدم الكفاية، لأنه إذا كانت القرارات غير شاملة للحالات المتماثلة وخاضعة للحساسيات والملائمات فلابد ألا تكون كافية.

غير أن الأخطر من كل ما سبق أن قرارات الدوائر المسئولة يتم تحديها بسهولة قولا وفعلا، بل ويشارك مسئولون رسميون فى هذا التحدى، ولنأخذ على سبيل المثال قرار إلغاء الموالد، ونلاحظ أن هذا القرار تم تسفيهه لفظيا من المعنيين به على الفور، فرئيس اللجنة الخماسية المكلفة بإدارة مشيخة الطرق الصوفية يطالب وزير الأوقاف بالكشف عن «هويته»، فهو «إما سلفى أو وهابى» نتيجة قرار إلغاء موالد أهل البيت وأولياء الله الصالحين، وشيخ الأزهر يقول بعد أيام قليلة من تصريح منشور لوزير التنمية المحلية نفى فيه أى تراجع عن قرار إلغاء إقامة الموالد أن الموالد لم تلغ وإنما تم التخفيف منها(!) بسبب الزحام، والبابا شنودة يحسم الأمر فى إحدى عظاته الأسبوعية بقوله إن المسيحية لا تعرف الموالد أصلا: «لدينا أعياد للقديسين، ولا نستطيع أن نمنع من يأتى للصلاة ونوال البركة، ونقول له ارجع»، وهكذا أقيمت الموالد الإسلامية و«أعياد القديسين» المسيحية ضاربة بقرارات الدولة عرض الحائط، وبمشاركة «محافظين» فى عدد من الحالات.

والمشكلة أن المجتمع يقدم سندا واضحا لهذا الاستخفاف بالدولة وقراراتها، وأن صوت الراشدين يبدو خافتا، بل إن المضحك المبكى أن قوات الأمن التى كانت حاضرة لتنظيم الموالد والأعياد التى تحدت قرارات الدولة قد أجهضت ــ وفقا لتقارير صحفية ــ مظاهرة قام بها شباب خرجوا يطالبون بإلغاء الاحتفال بمولد إسلامى وعيد مسيحى تحسبا لانتشار المرض فى قريتهم. لقد بدأت عمرة رمضان بالفعل، وبعدها بأسابيع قليلة يأتى الحج، والكل يعرف أن الجميع يعودون من هاتين المناسبتين مصابين بالإنفلونزا العادية فهل يوجد تصور لسيناريو الكارثة إن وقع؟ أم أن الأمور متروكة لبركة أولياء الله الصالحين؟

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية