البرلمان القادم.. برلمان الحل أم الأزمة؟ - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البرلمان القادم.. برلمان الحل أم الأزمة؟

نشر فى : الجمعة 26 ديسمبر 2014 - 7:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 26 ديسمبر 2014 - 7:40 ص

تنهمك الأحزاب والسياسيون فى مفاوضات بناء التحالفات الانتخابية وتتبدل المواقع يوما بعد يوم ونسمع عن قوائم تتشكل ثم نقرأ عن انهيارها، وتواصل السلطة طمأنة الداخل والخارج أن خارطة الطريق سيتم استكمالها فى أقرب وقت بإجراء الانتخابات البرلمانية، وتنفرد السلطة بوضع قانون انتخابات كارثى ترفضه أغلب القوى السياسية ولكنهم يذعنون للواقع ويقررون خوض الانتخابات بالطريقة التى تراها السلطة وحددتها. أصوات تتعالى عن عودة رموز نظام مبارك للحياة السياسية وتخطيطهم لدخول البرلمان القادم وتشكيل كتلة مؤثرة، وحديث عن القطيعة مع الماضى فى نفس الوقت الذى يستمر فيه انسحاب شرائح كبرى من المواطنين من الفضاء السياسى والاهتمام به بعد تهجيرهم منه وبعد إحباطهم العام من العملية السياسية بالكامل، ويشعر الشباب أنهم مستهدفون فى حرب مفتوحة تتوالى ضرباتها ووسط هذا المناخ الغائم يطرح السؤال نفسه: هل تأتى الانتخابات القادمة ببرلمان يحمل الحل أم برلمان يفاقم الأزمة وينقلها لمساحات جديدة من التعقيد؟

أخطر ما يواجه الانتخابات المزعم إجراؤها هو غياب التوافق السياسى والمجتمعى وتعمق الانقسام الشعبى وإحساس الشباب بمظلومية ذات أسباب موضوعية وحقيقية وانهيار ثقة الناس بالسياسة وما يتبعها من استحقاقات انتخابية. جماهير 2011 التى تراصت فى طوابير طويلة لساعات ممتدة كان لديها أمل وحلم تتمنى تحقيقه وتراهن عليه وتتجلد من أجل الوصول إليه صغارا وكبارا ونساء ورجالا، كان هناك ملحمة شعبية جسدت وعى هذا الشعب واحساسه بقيمة المشاركة اذا توفرت له الثقة فى جدواها وفى جدية المسألة ككل، فماذا عن جماهير 2015 هل سيكونون بنفس الروح والأداء؟ إذا كنت تبحث عن الإجابة فلتفتش فى الواقع ولتأخذ نموذجا لدائرة انتخابية كبيرة بمحافظة القاهرة يرتفع فيها مستوى الوعى وتسكنها طبقة اجتماعية مرتفعة المستوى نسبيا حيث بلغ عدد الناخبين فى هذه الدائرة 350 ألف مواطن فى انتخابات برلمان 2011 وفى الاستفتاء الدستورى الاخير انخفض عدد المشاركين إلى 90 ألف مواطن ثم فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة وصل الانخفاض إلى 64 ألف مشارك فقط! فما الذى حدث؟

•••

إذا بحثنا عن أسباب التراجع فى المشاركة سنجدها مركبة ومتداخلة وأيا كانت التحليلات والرؤى المختلفة التى ستفسر ذلك فالمحصلة النهائية أن الناس تنسحب لمربع الانزواء وهجرة المجال العام وهذا يضرب العملية السياسية فى مقتل لأن مشاركة المواطنين هى العمود الفقرى للعملية السياسية وتطورها. نحن نعود لأيام انتخابات مبارك التى كان أغلب المصريين يقاطعونها لأنهم يرونها بلا جدوى ومجرد استكمال للديكور الديمقراطى وبهذا نخسر أهم منجزات الثورة التى أعادت روح الانتماء للمصريين وشعورهم بملكيتهم لوطنهم ومسئوليتهم عنه وهذا ما ظهر فى الاستحقاقات الانتخابية الأولى التى أعقبت الثورة.

دعك من أبواق التزييف والتطبيل التى ستخرج فى كل الاحوال وتتحدث عن نسب مشاركة أسطورية وستقول هذا نكاية فى المعارضين وستضيف بعض البهارات المكررة التى تستخدم فيها فزاعات الاخوان والانتصار الساحق عليهم، الموضوع أكبر من هؤلاء جميعا وأول المضارين من مجىء برلمان لا يعبر إلا عن نفسه هى السلطة نفسها لأن هذا يعنى مزيدا من الانفصال عن الكتل الحية والمؤثرة فى المجتمع والتى ستخرج خارج المعادلة الجديدة وتظل مصدرا للقلق والتوتر وعدم الاستقرار لأنها بلا ممثلين لها ومعبرين عنها.

•••

النظام الذى يهدر فرص إدماج المعارضين السلميين يدفعهم لمواقف أكثر تشددا وحتى الأنظمة الشمولية التى حكمت مصر قبل ذلك كانت تعرف أهمية وجود المعارضة والصوت المختلف عن صوت السلطة لأن خنق كل الأصوات المختلفة وإغلاق المسارات فى وجهها له عواقبه الجسيمة وإن لم تظهر على المدى القريب، من ناحية أخرى لا تضمن السلطة إذا قامت بإجراء الانتخابات الآن الإفراز الذى سيحمله البرلمان القادم ــ حتى لو حدثت تدخلات إدارية وتجاوزات ممنهجة تحول الانتخاب إلى ما يشبه التعيين ــ لا يمكن ضمان ولاء هؤلاء الذين سيرتضون أن يكونوا مشاركين فى هذا المشهد البائس. وإذا كنا نتحدث عن تفاهمات كبرى وتوافقات مرحلية تأخذ مصر للأمام وتنتشلها من كبوتها فهذا لن يتحقق بهذه الطريقة بل قد ندخل فيما يشبه دولة الطوائف التى تتحرك كل مجموعة فيها طبقا لولاءاتها ومصالحها التى قد لا تكون بالضرورة معبرة عن المصلحة الوطنية.

لا يمكن أن يلتئم الجرح والقيح يفيض من داخله ويصبغ ما حوله بعكر يحول دون الرؤية السليمة، فكيف بجرح الوطن بل جراحاته التى تنزف ولا تجد من يسعى لتضميدها؟ بل يأتى بعضهم ويوسع مجالها بمنتهى الحمق. إن المسألة ليست تحقيق رغبات أشخاص طامحين ولا مجموعات من الطامعين ولا حتى تحقيق رغبة سلطة تريد استكمال الشكل الديمقراطى ظاهريا بينما الممارسة الديمقراطية شبه منعدمة. نحن نبحث عن مصلحة وطن ممزق الأوصال وعن مصلحة شعب بلغ الانقسام فيه إلى أن يشبه حاله حال الشعوب التى سقطت فى فخ الحرب الأهلية ولكنها حرب أهلية صامتة تحمل نارها القلوب المحتقنة والنفوس الموغرة والثارات المتصاعدة التى فرقت بين أبناء البيت الواحد فكيف نتجاهل كل ذلك؟

لا مناص من تضميد الجراح وتصفير الصراعات والبدء من جديد على أسس سليمة تتجاوز العوار القائم، وأى محاولات تصر على حرق المراحل ستبوء بالفشل لندور فى دائرة مفرغة تحمل الإخفاق للجميع.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات