عندما يصبح ظلم الناس برعاية دستورية - أميمة كمال - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما يصبح ظلم الناس برعاية دستورية

نشر فى : الأربعاء 28 أغسطس 2013 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 28 أغسطس 2013 - 9:00 ص

قرأت يوما على جدار من الجدران التى كانت تسجل يوميات الثورة جملة لا أنساها «بكره نقول أهى كانت ثورة، وعيشنا لنا يومين». ومن يومها وأجد نفسى كثيرا ما أرددها، كلما ضاق صدرى، واختنقت روحى. أرددها بصوت خفيض وكأننى أخشى أن أصدقها.

وأصدق أنه سيأتى ذلك اليوم الذى أكتفى فيه بأنى عشت 18 يوما من أجمل أيام العمر، أيام كان لدى يقين أن الناس غرست جذور الثورة فى الأرض، ويستحيل أن يقتلعها أحد.

منذ يناير 2011 وحتى الآن لم أحسب كم مرة ضبطت نفسى، وأنا أردد فى سرى تلك الجملة اليائسة. ولكن أعرف أن آخر مرة قلتها كانت منذ أيام قليلة عندما تم الإعلان عن التعديلات الدستورية التى أدخلتها لجنة العشرة على دستور 2012، المسمى عرفا بدستور الإخوان. وتجاهل القائمون على التعديلات إدخال أى تغيير على البنود المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والإجتماعية بالدستور. وهى الحقوق التى خرجت ملايين الناس من أجل تحقيقها على أرض الواقع.

●●●

ما يشعرنى بالإحباط أن أحدا لم يلتفت إلى كل ما يمس معيشة الناس اليومية. اهتم الجميع بعدد مقاعد مجلس الشعب بين الإنتخاب والتعيين من رئيس الجمهورية، أو عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وما إذا كانت رقابة هذه المحكمة سابقة أم لاحقة للقوانين. وانشغل الكل بما إذا كان تعديل الدستور يصح بثلث أعضاء مجلس الشعب، أم بخمس العضوية فقط. وعكف كثيرون على تحديد المهام بين مجلس الدولة، وبين هيئة قضايا الدولة (وكلها أمور مهمة) لكن لم يلتفت واحد من جهابذة الفضائيات، ممن خلقتهم أمهاتهم خبراء استراتيجيين ودستوريين، إلى أن المواد المتعلقة بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية فى الدستور لم تمسها يد التغيير. وبقيت على حالها منقوصة.

وكأن المصريين كتب عليهم أن يقلبوا أنظمة، ويغيروا حكاما، ويبدلوا وزارات، ولا تتبدل أحوالهم، وتبقى معيشتهم على حالها دون أى تحسن. ويصبح فى نظرهم زيد لا يختلف كثيرا عن عبيد.

●●●

لم تقترب لجنة العشرة من المواد الخاصة بحقوق العمال، وكأنها تتغافل عما حدث لهذه الفئة بالتحديد من قمع وقهر منذ ثورة يناير، فاق ما كان يحدث حتى أيام الرئيس المخلوع. وكانت إضافة مواد جديدة لحماية ظهر الضعفاء من بطش أصحاب العمل، كفيلة بإرسال رسالة مفادها أن هذا النظام يشعر أن ميزان القوى يميل لصالح الأشد جبروت، المدعومين بالدساتير الحامية لحقوقهم. وأنه آن الآوان أن ينعدل الميزان لصالح الفئات الأكثر غبنا، بمواد فى الدستور تقوى ظهورهم المحنية من قسوة العمل وأصحابه.

ولكن جاءت المادة المتعلقة بنصيب العاملين فى إدارة المشروعات وفى ارباحها هى ذاتها الواردة فى دستور الاخوان بالرغم من أن كثيرا من المنظمات العمالية والحقوقية كانت قد طالبت بأن يتم النص على أن يكون نصيب العاملين لا يقل عن 10% من الأرباح. خاصة أن كل الاعتصامات والإضربات التى حدثت فى شركات القطاع الخاص منذ الثورة وحتى الآن كانت بسبب تهرب أصحاب الأعمال من الالتزام بتوزيع نسبة من الأرباح على العاملين، وإذا التزموا تكون فتاتا. ولم تهتم أيضا لجنة العشرة بإدخال تعديل على حق تمثيل العمال فى مجالس إدارات الشركات. حيث قصرت الحديث عن نسبة التمثيل فى القطاع العام فقط (50%) دون أن تنص على نسبة حتى لو كانت أقل فى شركات القطاع الخاص. وهو الحق الذى لو كانت اللجنة قد نصت عليه لتحسنت بيئة العمل، وقلت كثيرا حالات الظلم التى يتعرض لها العمال.

●●●

وجاءت مادة الحق فى الإضراب كما كانت مقتضبة من خمس كلمات «الإضراب السلمى حق ينظمه القانون». بينما اتفق الكثير من الحقوقيين والنقابيين على أن هذه المادة تستوجب أن يلحقها النص (فى الدستور وليس القانون) على ضمان عدم تعرض عامل لمعاقبة أو مطاردة بسبب مشاركته فى حركة احتجاجية وتحمى الدولة الاتفاقات الناتجة عن الاضراب.

وربما لو اهتم «العشرة المشرعون» المنوط بهم تعديل الدستور بهذه المادة لكانت قد توقفت تلك المهزلة التى حدثت على أرض السويس من فصل عدد من النقابيين بشركة السويس للصلب بمباركة المحافظ ومسئولى الأمن وبإصرار من رئيس الشركة. ولم يخجل كبار المسئولين من الاشتراك فى تمثيلية لتصوير عمليات فصل العمال على أنها تقديم استقالات، وصورتها بعض الصحف على أنها نهاية سعيدة لفك الإضراب والعودة للعمل.

وحتى الميزة الهزيلة التى كان الأخوان يستندون إليها للتدليل على أنهم يتحيزون للفئات الإجتماعية الأضعف، وهى وضع شرط الـ50% للعمال والفلاحين فى تشكيل المجالس البرلمانية. وهى الميزة التى جعلها الإخوان ضمن المواد الانتقالية لتصبح حق لهذه الفئات لدورة واحدة فقط. حتى هذه الميزة تم حذفها ضمن التعديلات الأخيرة. بدعوى أن من يستفيد من هذه النسبة ليسوا من العمال والفلاحين. وهذه حجة مردود عليها إذا صدقت نوايا قائلها. لأن وضع تعريف دقيق ومحكم وليس فضفاضا، هو ما يضمن التمثيل الحقيقى لهذه الفئات المغبون حقها.

●●●

ولا أعرف كيف لم تتيقن لجنة العشرة من أن هدف تقريب الفوارق بين الدخول لن يتحقق طالما لم ينص فى الدستور على أن زيادة الحد الأدنى للأجر يجب أن تتم مراجعتها بالتزامن مع زيادة نسبة التضخم. وعلى الجانب الأخر لم تلتفت اللجنة لحذف النص الذى يسمح بفتح باب الإستثناء من الحد الأقصى للأجور، الذى غالبا ما يستفيد منه المحاسيب فى كل العصور.

والحقيقة أن «دستور العشرة» أبقى أيضا على المادة الخاصة بالسماح للعمل الجبرى بمقتضى قانون، ولإداء خدمة عامة، وهو ما كان محل اعتراض من كثيرين. حيث أبقى على هذه المادة مع إضافة كلمة «مقابل أجر عادل»، وهى العبارة الواردة فى دستور 1971، وألغاها الإخوان فى دستور 2012، فأعادتها لجنة العشرة.

أما الحديث عن حق التعليم والصحة والسكن والماء والغذاء فى الدستور فمحلك سر «بحطة أيد» المستشار الغريانى وشركاه دون أى تعديل.

أليس «زيد» يشبه «عبيد» لحد كبير؟

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات