هدنة للتعايش! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هدنة للتعايش!

نشر فى : الجمعة 29 يناير 2021 - 9:05 م | آخر تحديث : الجمعة 29 يناير 2021 - 9:05 م

للمرة الأولى تقريبا منذ سنوات، تمر ذكرى ثورة ٢٥ يناير فى هدوء، ومن دون إثارة ذلك الجدل العقيم، حول كونها ثورة شعبية شارك فيها الملايين، طلبا للديمقراطية والحرية وإقامة دولة العدل والمساواة والقانون، أم مؤامرة قام بها شمامو الكلة ونشطاء السبوبة والنكسجية، بهدف إسقاط مؤسسات الدولة؟
وباستثناء بعض الكتابات المتناثرة على وسائل التواصل الاجتماعى، مرت الذكرى بدون حملات منظمة كالتى شهدناها من قبل، تستهدف التشكيك فى أنبل ثورات مصر فى العصر الحديث، بل إن بعض وسائل الإعلام، ذهبت إلى وصف يوم ٢٥ يناير بأنه عيد للشرطة وعيد لثورة يناير، ولم تستشعر ذلك الحرج الذى لازمها لسنوات مضت فى الجمع بين المناسبتين فى جملة واحدة.
بالتأكيد تطور لافت ومحمود، لكن لا ينبغى تحميله أكثر مما يحتمل، أو الخروج باستنتاجات قد تكون متسرعة وواهمة بعض الشىء، بشأن إمكانية التقريب بين وجهتى نظر المؤيدين والرافضين ليناير الثورة.. فالفجوة لا تزال واسعة، ومن الصعب جدا تجسير الخلافات بين الطرفين.
فالمؤيدون للثورة خصوصا من جموع الشباب الذين شاركوا فى كل وقائعها بقوة، يعتقدون أن هذا الحدث الذى هز وجدان العالم، تعرض لكل أنواع المؤامرات والخيانة التى استهدفت إجهاضه فى مهده، من أجل قطع الطريق على أهم فرصة لاحت فى الأفق لإحداث التحول الديمقراطى فى مصر، وبناء تجربة حقيقية ترسخ لمبدأ التداول السلمى للسلطة، وإقامة دولة القانون التى تتسع للجميع، وتوفير سبل الحياة الكريمة لكل المواطنين مهما اختلفت توجهاتهم السياسية.
أما الرافضون لـ«٢٥يناير» فلم ولن يقبلوا أبدا بهذا الفعل الثورى.. ليس فقط لأنه أزاح نظاما ظل قابضا على السلطة وممسكا بمفاصل الثروة والسياسة والإعلام فى البلاد طيلة ثلاثين عاما، أو لأنه وجه ضربة قوية لشبكة المصالح التى استفادت وتضخمت خلال سنوات حكم هذا النظام، ولكن لأن تلك الثورة، أعادت الشعب مرة أخرى إلى الواجهة، بعد تهميش وإقصاء متعمد عن المشهد استمر عقودا.
هذا الدخول المفاجئ للشعب إلى ميدان السياسة عبر بوابة يناير، خلق واقعا جديدا لم تعهده البلاد من قبل، ولم تألفه الحكومات المتعاقبة، التى أدركت فجأة أن هناك لاعبا أساسيا لا تستطيع تجاهله فى كل قرار تتخذه كما كان يحدث فى السابق، وأن كلمته أضحت لها وزنا ولصوته تأثير ولقراره قوة لا ترد.
هذه المعادلة الجديدة التى أوجدتها ثورة يناير، أثارت حفيظة هواة الاستبداد، الذين اعتادوا دائما على إبعاد الشعب عن التعاطى مع قضايا الشأن العام أو حتى التفاعل مع القضايا الحياتية والهموم اليومية التى تشغل بال الناس، وبالتالى «هندسة» الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وضبطها وفق هوى ومصالح ورؤية السلطة القائمة، الأمر الذى منح الأخيرة حرية تامة فى الحركة والتصرف والقرار، من دون أدنى خوف أو حتى حساب للرأى العام.
هاتان الرؤيتان المؤيدة والمعارضة ليناير، لا يستطيعان الالتقاء فى يوم من الأيام، لأنهما على تضاد تام فى التوجهات والسياسات وفلسفة الحكم.. وكلاهما يحمل مشروعا لا يستقر فى وجود الآخر، إذ إن أحدهم يؤمن بأن الشعب هو مصدر جميع السلطات، ومن حقه اختيار من يحكمه، ومحاسبته عندما يقصر فى أداء ما يسند إليه من مهام، بينما المشروع الثانى يعتقد أن استقرار الدول لا يتحقق سوى بـ«السلطة الأبوية» القوية التى تحدد لشعبها توجهاته السياسية والاقتصادية بل وحتى طريقة عبادته وعلاقته بربه!
فى هذه الحالة لا يمكن لهاتين الرؤيتين الالتقاء، وأقصى ما يمكن توقعه، هو لجوء أصحابهما إلى هدنة مؤقتة للتعايش، مثلما حدث هذا العام من غياب ذلك الجدل العقيم حول الثورة، حتى تتبلور الظروف المناسبة والأجواء الملائمة لتحقيق ما يؤمنون به على أرض الواقع.

التعليقات