تحديات ما بعد الانتخابات فى لبنان - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحديات ما بعد الانتخابات فى لبنان

نشر فى : الثلاثاء 31 مايو 2022 - 9:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 31 مايو 2022 - 9:55 م
تابعت قوى داخل لبنان، وقوى خارجية، إقليمية ودولية، الانتخابات البرلمانية اللبنانية باهتمام كبير، وجميعها يحدوها أمل، مهما كان محدودا، أن تتيح هذه الانتخابات مخرجا من حالة الانسداد السياسى المحكم، والأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية الخانقة. وأن يكون التغيير النسبى فى أعداد مقاعد الكتل والأحزاب السياسية فى البرلمان فرصة تفتح المجال لحلحلة الأزمة السياسية والتحول إلى العمل على التعامل العملى والموضوعى مع الأزمات الاقتصادية والمالية للخروج من عنق الزجاجة.
وقد أسفرت الانتخابات التى بلغت نسبة الناخبين المشاركين فيها 40.4% من إجمالى عدد الناخبين فى الخارج والداخل، عن تصدر حزب القوات اللبنانية قائمة الفائزين بحصوله على 20 مقعدا، وحصل غريمه اللدود حزب الله على 13 مقعدا +3 مقاعد لموالين للحزب أى بإجمالى 16 مقعدا، وحزب التيار الوطنى الحر 18 مقعدا ويأمل أن يحصل على 3 مقاعد أخرى إذا حكم لصالحه فى الطعون التى قدمها على نتائج بعض الدوائر. وحصلت حركة أمل ــ حليف حزب الله ــ على 15 مقعدا، أى أن الحزبين الشيعيين لهما معا 31 مقعدا من إجمالى مقاعد البرلمان، 128 مقعدا، هذا إلى جانب سعيهما لضم آخرين إليهما خاصة من المستقلين الذين يبلغ عدد المقاعد التى حصلوا عليها 24 مقعدا ولكنهم فى الحقيقة ليسوا كلهم مستقلين عن الكتل والأحزاب السياسية، وينتمى عدد منهم إلى حزب الاستقلال برئاسة سعد الحريرى الذى جمد النشاط السياسى للحزب ما أدى إلى ترشحهم مستقلين. كما ينقسم المستقلون ما بين معارض لسياسة وبرامج حزب الله، وبين مؤيد أو متعاطف مع الحزب وبرامجه. وقد حصل المنتمون إلى قوى التغيير أو القوى المدنية وليدة مظاهرات واحتجاجات 2019 و2020، على 14 مقعدا. وتعتبر هذه المرة الأولى التى يصل فيها عدد مقاعد المستقلين وقوى التغيير إلى 38 مقعدا، ولكنهم لا يشكلون كتلة واحدة، باستثناء قوى التغيير، ذلك لأن معظمهم إما ينتمى إلى كتلة أو حزب معين أو متعاطف معه.
ومن ثم فإن الأحزاب المتصدرة المراكز الأولى فى البرلمان هى حزب القوات اللبنانية الأول فى البرلمان يليه حزب التيار الوطنى الحر برئاسة جبران باسيل، وحزب الله، وحركة أمل، وستبين تحالفات الأحزاب والكتل السياسية الأصغر والمستقلون وقوى التغيير مع أى من هذه الأحزاب المتصدرة، مدى قوتها التصويتية فى البرلمان عند اختيار رئيس البرلمان ونائبه، وتشكيل الحكومة الجديدة ومنحها الثقة من عدمه، واختيار رئيس جديد للجمهورية عند انتهاء فترة ولاية الرئيس ميشيل عون فى 31 أكتوبر 2022.
وتحدد موعد الاجتماع للبرلمان الجديد فى مقره الرسمى بعد ترميمه من جراء ما أصابه من دمار فى الانفجار فى ميناء بيروت أمس (الثلاثاء 31 مايو 2022).
كان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قد أعلن أن حزبه لن يصوت لصالح إعادة انتخاب نبيه برى رئيسا للبرلمان، ولكن حركة أمل وحزب الله وهما ممثلا الشيعة فى البرلمان ويتعين أن يكون رئيس البرلمان شيعيا، اكتفوا بتقديم نبيه برى مرشحا وحيدا للرئاسة. وأصبح على المعارضة التركيز على اختيار نائب رئيس البرلمان ــ وهو وفق الميثاق الوطنى يختار من المسيحيين الأرثوذوكس، وقد خسر نائب الرئيس السابق أديب فرزلى الانتخابات فى دائرته.
• • •
وثمة عدة عوامل أثرت على الانتخابات من بينها تجميد النشاط السياسى لحزب المستقبل السنى وهو ما أثر على نسبة مشاركة أتباعه وعلى عدد مقاعد السنة فى البرلمان، كما تركت أعداد ملحوظة من الناخبين المشاركين أوراق التصويت دون إبداء رأى مما أبطلها، كما أثرت حالة عدم الرضا عن سياسات حزب التيار الوطنى الحر ورئيسه جبران باسيل على تراجع عدد مقاعده، وهو ما اعتبره المراقبون فى الداخل والخارج بمثابة خسارة لحليفه حزب الله وإن ذلك قد يساعد على إعادة تشكيل التحالفات وتغير السياسات. ولم يكن صوت قوى التغيير فى الانتخابات كما كان متوقعا وغلب على الناخبين انتمائهم الحزبى والعقائدى أكثر من رغبتهم فى التغيير. وقد أصبح التمثيل المسيحى فى البرلمان الجديد أقوى مما كان عليه فى البرلمان السابق، كما زادت كتلة حزب الله مقعدين. وأصبح البرلمان يتكون من خمس كتل رئيسية وهى التيار الوطنى الحر، وحزب القوات اللبنانية، وحزب الله، وحركة أمل، والحزب التقدمى الاشتراكى، ومجموع مقاعد هذه الكتل 80 مقعدا من دون الحلفاء لكل منهم.
كانت عدم ثقة شرائح كبيرة من الناخبين فى أن تؤدى نتائج الانتخابات إلى حدوث تغيير فعلى، أو عدم اقتناعهم بالمرشحين، وراء ضعف الإقبال على التصويت وغياب نحو 59.6% من الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم. ويواجه لبنان خلافات كبيرة حول التوافق على مشروع سياسى يساعد على العمل من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية ومحاربة الفساد، وإكمال التحقيقات فى انفجار ميناء بيروت، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولى، وخصخصة بعض الشركات المنتجة، وقوانين الإصلاح الاقتصادى والمالى. ويبقى الاختلاف الأكبر على سلاح حزب الله؛ فثمة اتجاه يرى أنه لكى تكون دولة لبنان قوية يتعين أن تمثل كل اللبنانيين وأن يكون السلاح محصورا بيدها وتكون صاحبة قرار الحرب والسلام، بينما ترى قوى أخرى أن من حق المقاومة امتلاك السلاح وقرارات المواجهة والثورة للدفاع عن لبنان حتى وإن اقتضى ذلك استقلالية عن الدولة. وقد أكد حزب الله من جديد تمسكه بسلاحه، ودعا إلى صياغة استراتيجية لمقاومة إسرائيل فى حال أى اعتداء وأن لا يكون الحزب بمنأى عن هذه الاستراتيجية، مؤكدا أن المقاومة تحمى لبنان رغم حالة الانقسام.
وقد عادت المظاهرات الاحتجاجية والاضرابات من جديد وشملت القطاع الصحى والقضاة، حيث أعلن القضاة توقفهم عن العمل لمدة أسبوع اعتبارا من 30 مايو 2022 ودعوا الشعب اللبنانى بمطالبة الزعماء السياسيين كافة الذين توالوا على الحكم لعقود، بدعم خزينة الدولة اللبنانية المفلسة والمنهوبة من أموالهم الخاصة تحملا لمسئوليتهم المعنوية بحدها الأدنى. ودعا حسن نصر الله زعيم حزب الله، القوى السياسية اللبنانية للحوار حول استراتيجية لاستخراج البترول والغاز من المياه الإقليمية للبنان كى تسهم عائداتها فى الخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية وحالة العجز أمامها. ولقيت دعوته تأييدا من بعض القوى السياسية، بينما اعتبرها آخرون بمثابة هروب إلى الأمام تجنبا لبحث وحسم موضوع سلاح حزب الله الذى يعتبرونه أولوية لدعم هيبة وسلطة الدولة لتكون قادرة على مواجهة ومعالجة الأزمات الأخرى.
• • •
وفيما يتصل بتشكيل الحكومة الجديدة فإن حزب القوات اللبنانية يرى تشكيل حكومة أغلبية اعتمادا على حصوله على أكبر عدد مقاعد فى البرلمان بما يؤهله لقيادة تشكيل الحكومة الجديدة، بينما يرى حزب الله تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل أطياف المجتمع اللبنانى دون استثناء أحد. وهذا التجاذب بين الحزبين يثير مخاوف أن يؤدى إلى إطالة فترة المشاورات لتشكيل الحكومة وبقاء حكومة تصريف الأعمال فترة طويلة وهى حكومة متهمة حتى من قبل الانتخابات بأنها عجزت عن تقديم أية حلول للأزمة الاقتصادية والمالية والتدهور غير المسبوق لمستويات المعيشة والزيادة الكبيرة فى أعداد الأسر الفقيرة وتزايد أعداد هجرة الخبرات اللبنانية المتميزة بحثا عن فرص عمل وحياة أفضل فى عملية استنزاف للعقول قد تؤثر على التفكير فى الخروج من الأزمات التى يعيشها لبنان.
وطالب رئيس حزب الكتائب سامى الجميل، بضرورة الإسراع بتشكيل حكومة استثنائية بسلطات استثنائية لمواجهة الأوضاع الاستثنائية التى يمر بها لبنان على حد قوله. ويتفق معه فى هذا الرأى قوى التغيير والقوى المدنية الأخرى.
قد تكون الانتخابات أتاحت الفرصة أمام الكتل والأحزاب السياسية لأن تعيد ترتيب تحالفاتها لتبدو مختلفة إلى حد ما عن ما كانت عليه فى المرحلة السابقة، ولتبدو متجاوبة مع المطالب الشعبية بأهمية وضرورة التغيير، ولإحداث حالة من التوافق النسبى مع قوى خارجية إقليمية ودولية تطالب بتغييرات معينة معظمها منصب على فاعلية حزب الله وسلاحه على الساحة اللبنانية. ولكن يظل مدى هذا التغيير محكوما بالواقع اللبنانى العميق القائم على التعددية الطائفية والمحاصصة، وهو ما لوحظ عمليا فى كل التجارب السابقة حتى فى حالات تشكيل حكومة تكنوقراط، فإن كل طائفة تحرص على أن يكون لها حصة من هؤلاء التكنوقراط وفقا لوضعها فى البرلمان والشارع اللبنانى. كما أن الحكومة الجديدة لديها ميراث ثقيل من الأزمات الداخلية والخارجية يتطلب دعما قويا من كل الكتل والأحزاب السياسية، ومن القوى الإقليمية خاصة دول الخليج العربية، والمجتمع الدولى، لمساعدتها على وقف حالة التدهور المتزايد وبدء برنامج عمل مكثف لمعالجة الأزمات الطاحنة ومساعدة اللبنانيين على الوفاء باحتياجاتهم المعيشية اليومية.
ولا شك أن القوى الخارجية تدرك حقيقة وعمق الأوضاع الطائفية فى لبنان ومدى صعوبة تغييرها على المدى القصير والمتوسط، ومن ثم فإنه يتعين عليها أن تكف عن ممارسة الضغوط وفرض الاشتراطات الصعبة، ومساعدة لبنان على الخروج من أزماته الطاحنة حرصا على الأمن والاستقرار فى لبنان والمنطقة.
رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات