بهاء چاهين يكتب: القصة ــ الكابوس.. في مجموعات نجيب محفوظ الصادرة بين النكسة والعبور - بوابة الشروق
الجمعة 21 نوفمبر 2025 1:31 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

بهاء چاهين يكتب: القصة ــ الكابوس.. في مجموعات نجيب محفوظ الصادرة بين النكسة والعبور


نشر في: الجمعة 10 ديسمبر 2021 - 8:26 م | آخر تحديث: الجمعة 10 ديسمبر 2021 - 8:26 م

شهدت الأعوام الستة الواقعة بين هزيمة يونيو ١٩٦٧ وانتصار أكتوبر ١٩٧٣ نقلة أسلوبية هائلة فى كتابات نجيب محفوظ، نبعت ــ كما هو معروف ــ من الهزة الوجدانية والصدمة العظيمة إزاء هزيمة عسكرية ساحقة لم تكن فى الحسبان. ولن نتطرق إلى تفاصيل هذا وتأثيره على أدب محفوظ؛ لأنها مسألة قُتلت بحثا. كما أن النقلة الأسلوبية نفسها تحدث عنها النقاد فى حينها، وهى باختصار: غلبة شكل القصة القصيرة على إنتاج محفوظ الإبداعى فى تلك الأعوام الستة؛ إذ صدرت له بين عامى ١٩٦٩ و١٩٧٣ خمس مجموعات قصصية فى مقابل روايتين، ثم ظهور شكل المسرحية لأول مرة فى تلك المجموعات، مع ميل واضح للسيريالية واللا معقول فى بعض تلك المسرحيات والقصص.

ولأن إعادة الخوض فى هذا كله لن يضيف جديدا من ناحية، ويحتاج بحثا طويلا لا تتحمله هذه المقالة من ناحية أخرى، رأيت أن أقتصر هنا على ملمح لاحظتُه وأنا أعيد قراءة بعض أعمال محفوظ فى مجال القصة القصيرة استعدادا للكتابة عن إنتاجه فى ذاك المضمار، مساهمة من جانبى فى هذا الملحق: وهو أن المجموعات الخمس الصادرة بين عامى ١٩٦٩ و١٩٧٣ تشيع فيها، وبالذات فى أولاها وأسبقها نشرا «خمارة القط الأسود» (١٩٦٩)، ظاهرة أسلوبية خاصة وجديدة، وهى ما أسميه هنا بـ «القصة ــ الكابوس»، أى التى يواجه فيها البطل أزمة وورطة من الصعب أو المستحيل الخروج منها، تتراوح ما بين الموقف المخيف أو المحير أو الكارثى، وقد تصل إلى حد الرعب والعنف والدم. وهذه القصص/ الكوابيس تتراوح أيضا بين كونها كابوسا صرفا يتصاعد نحو خاتمته الفاجعة دون أمل أو مخرج، وبين أنها موقف يبدأ بثقل الكابوس ويتفاقم ويتأزم ولكنه ينتهى بانتصار الإنسان، أو على الأقل بالتلميح إلى أن هناك أملا، ينبع من رفض الهزيمة أو رفض الاستسلام لكابوسية الموقف، ويحتكم للعقل والإرادة والإصرار على المقاومة. وفى تصفحى لمجموعات «خمارة القط الأسود» (١٩٦٩) و«تحت المظلة» (١٩٦٩) و«شهر العسل» (١٩٧١) و«الجريمة» (١٩٧٣)، وجدت من الأمثلة على هذا النمط العديد من القصص، وأستأذنكم فى الحديث عن بعضها:

القصة الأولى «كلمة غير مفهومة» فى مجموعة «خمارة القط الأسود» ــ وهى فى ظنى من أكثر كتب محفوظ قتامة وعتمة ــ تبدأ بمنام مقلق يصحو منه الحالم خائفا متشائما. وكما فى مأساة «أوديب» ــ الكابوس الكلاسيكى الأول فى تاريخ الأدب ــ تنتهى كل محاولات بطل القصة، «المعلم حندس» فتوة الحى، للتخلص من شؤم المنام وتكذيب المصير الفاجع الذى أوحى به الكابوس: وهو الموت على يد ابن المعلم حسونة الطرابيشى الفتوة السابق الذى قتله حندس غدرا من سنوات طوال، أقول تنتهى كل محاولاته للنجاة إلى الغوص به أعمق فأعمق فى أحضان مصيره الأسود. وفى ظلمة لا يرى فيها السارى يده، يموت حندس على يد ابن حسُونة، فى الفخ الذى أعده للأخير حندس ورجاله. و«حندس» فى معاجم اللغة العربية لفظ كلاسيكى يعنى «ظلمة» أو «ليل شديد الظلمة». هكذا يبدأ محفوظ، بإصرار ومع سبق الترصد، الرسم المنفرد باللون الأسود فى لوحات مجموعته القاتمة، التى وُلدت قبيل النكسة وبُعَيد ضربتها القاصمة، فى حدس وشفافية ليست بالغريبة عليه؛ فنبوءة الكارثة لاحت بوضوح فى الروايتين اللتين سبقتا الهزيمة: ثرثرة فوق النيل (1966) وميرامار (1967).
ومن عتمة الليل والقبو والبصيرة فى حكاية «حندس» القاتل المقتول، إلى عتمات أخرى متراكبة، فى حكاية محزنة عنوانها «الصدى»، عمَى مزدوج، بين عينى أم فقدت بصرها، بل وسمعها أيضا، وبين قلب ابنها الضال الذى هجرها بعد أن نهبها، ثم عاد بعد عشرين عاما بقلب أعمى ويدين ملطختين بالدم، يطلب حضنها الأمومى، ولكن بكبر وغطرسة، مستجيرا به من الحياة التى هو نفسه من أشد وحوشها شراسة؛ لكن وحش المرض ــ الفتوة الأكبر الذى يفتك سرا به ــ أشرس وأفتك. وفى عتمات ثلاث: عتمة عين الأم وصمم أذنها، وعتمة قلب الابن الضال وبصيرته ومصيره، وأخيرا عتمة الحجرة التى تتربع الأم على أريكتها وبين أصابعها حبات مسبحة، يوالى الابن حديثه على بعد خطوتين من أمٍ لا يصدر عنها أدنى رد فعل، وهو يظن ذلك عقابا منها له على عقوقه، ولكنه حين يضجر أخيرا من الموقف العبثى الذى طال، يلمس يدها لمسا خفيفا فتجفل بعنف منادية الخادمة التى تشرح لسيدها المتعجل أنه لم يعطها فرصة إفهامه عند الدخول أن الأم لم تعد ترى ولا تسمع.
وفى قصة «خمارة القط الأسود»، يرسم لنا محفوظ بقلمه الأسود حانة صغيرة فقيرة هى حجرة بلا نوافذ ولكن يدفئها وينيرها الود والألفة الحميمة بين زبائن قليلين يؤنسهم اجتماعهم كل ليلة فيها منذ سنين، يتمسح بأرجلهم قط الحانة الأسود المدلل من الجميع. وذات ليلة، كانوا يغنون أغنية جماعية حين اقتحم الباب عليهم رجل مربع الوجه مفتول العضلات، استولى على كرسى صاحب الحانة وسد جالسا عليه بابها، المنفذ الوحيد للدخول والخروج، فأفسد على الزبائن البهجة، كما منعهم من مغادرة الحانة التى صارت زنزانة. لكن الموقف الكابوسى هنا تمنحنا نهايته فُرجة للأمل؛ فسهارى الحانة المسجونون ينتهجون، بعد الصدمة الأولى، نوعا من المقاومة السلمية السلبية يذكرنا بغاندى، فيقررون تجاهل ذلك الطاغية الذى يسد الباب، ومواصلة طقوس ألفتهم السعيدة التى أفسدها ذلك المقتحم، وسرعان ما يندمجون فى سعادتهم المعتادة وينسون الرجل، الذى ينهدم جبروته ويتضاءل شيئا فشيئا حتى يصير «مرمطون» الحانة يأمره وينهره نادلها فيمتثل فى خشوع.
وفى مجموعة «تحت المظلة» (١٩٦٩)، تفاجئنا القصة الأولى، حاملة عنوان المجموعة، بنجيب محفوظ جديد يلجأ لأدب اللا معقول. وفى ظنى أنه فعلها مضطرا؛ لأنه ــ فى هذه القصة وبعض مثيلاتها المنتمية للمرحلة نفسها ــ لم يجد أدق من اللا معقول ترجمة لأزمته الداخلية إزاء التهشم المفاجئ للموازييك البطولى ــ الذى ثبت أنه من زجاج ــ لصورة الوطن كما صورتها نشوة الاستقلال وحلم النهضة، و«أمجاد ياعرب أمجاد»، كما شدا صوت العرب. فالواقفون تحت المظلة ــ اتقاء لرذاذ صار مطرا تشتد غزارته كل دقيقة ــ تحدث فى الشارع أمامهم، تحت سمعهم وبصرهم، مشاهد مجنونة متصاعدة الحدة من العرى والجنس والرقص والقتل، لا يتحرك إزاءها المحتمون بالمظلة، بل يكتفون بالتعليق السلبى، حتى يطالهم الموت ــ هم أنفسهم ــ مقتولين برصاص عابث لا تفسير له ولا منطق.
وفى المجموعة نفسها، كابوس آخر( قصة «الحاوى خطف الطبق») هو يوم فى حياة طفل صغير يسكن حيا شعبيا أثريا، كالحسين مثلا. هو أول يوم يخرج فيه للحياة ويتحمل مسئولية، ولو بسيطة؛ إذ تبعث به أمه، لأول مرة، بقرش وطبق فارغ، ليشترى الفول. ذلك الطفل، فى مشواره الصغير الذى يتطور إلى رحلة اكتشاف للحياة سابقة لأوانها، يدخل لسذاجته فى عدة تعثرات تعرقل المهمة البسيطة التى يتحملها للمرة الأولى، ويتعرض لإغراءات تغويه فيصرف القرش ويفقد الطبق مستجيبا لغواية الحاوى، وصندوق الدنيا، والبنت الحلوة التى فى مثل سنه وشفتيها اللتين لهما طعم حلوى «براغيث الست». وتنتهى القصة بشهوده الصاعق لمشهد جنس كامل، فى خرابة تقع خلف أطلال مبنى أثرى، تطور إلى خنق الرجل للمرأة وفرار الولد مذعورا فى الطرقات حتى كاد ستار الليل ينسدل والولد تائه لا يعرف طريق البيت. «الحاوى خطف الطبق» تلخيص لحياة يبدأ صبحها المبكر جميلا لاهيا، وتثبت أحداث نهارها الطويل فى نهايته أن الليل مخيف لا قبل للولد التائه به، لكن الجملة التى ينهى بها محفوظ حكايته، على لسان الصغير الذى تعلَّم الكثير فى نصف يوم، تقول: «علىَّ أن أحزم أمرى، بسرعة وبلا تردد، فقد أخذ النهار يوَلِى، وعما قليل سيهبط الظلام من مجاهله». هى عبارة، رغم سوداوية الموقف واستحكام ورطته، توحى بإيمان كاتبها بإرادة الإنسان وقدرته على الإتيان بمعجزة.
ومجموعة «شهر العسل» (١٩٧١) تبدأ هى أيضا بقصة تحمل نفس العنوان. وتعبر هذه القصة عن بشاعة الاحتلال وفجاءته ولا معقوليته، وفداحة وثقل ما حدث فى يونية على وجدان الكاتب. فبعد انتهاء حفل الزفاف، يدخل العروسان شقتهما الجميلة المهندمة ــ التى تكلفت أموال وأحلام العائلتين بالسعادة ــ وهما مهيآن لأجمل ليلة فى العمر، فيفاجآن بعصابة تحتلها. يدعى زعيم العصابة، الثقيل المدملك كبرميل، أنه ابن خادمة الأسرة ومربية العروس منذ الصغر «أم عبدالله»، وأنها ذهبت لتزور مولد السيد فى طنطا وتركت الشقة أمانة فى رقبة ذلك البرميل الآدمى الغليظة. وبعد قليل يكتشف العروسان أن جثة أم عبدالله مخبوءة فى الثلاجة. وتتصاعد فظائع الكابوس الذى لا مخرج منه، فسلك التليفون منزوع وحرارته مقطوعة، والباب الخارجى مغلق بالمفتاح من الداخل، والشبابيك حين تُفتح ينهال الطوب من خلالها. وحين ذهبت العروس لحجرة نومها لترتاح قليلا من الكابوس الصاحى، خرج لها من الدولاب عملاق هائل كان مختبئا فيه. ويتفق العملاق والرجل الغليظ على إعدام العريس بتهمة قتل أم عبدالله؛ ولكن قبل تنفيذ الإعدام، يقوم العروسان ــ وقد منحهما الموقف اليائس والعزم على المقاومة الشجاعة ــ بقتل الرجل الغليظ والعملاق معا بسكينين سرقتهما العروس من المطبخ أثناء محاكمة العريس، كما يقومان بإشعال النار فى الشقة لكى ثصل إليها الشرطة ورجال الإطفاء. وتنتهى القصة بجلوسهما منهكين، ولكن سعيدين، على أطلال شقتهما وحلم شهر عسلهما. وفى آخر سطر فى القصة يقول العريس: « لم يضع شىء لا يمكن تعويضه». وتلوح فى هذه القصة بالتحديد، أكثر من غيرها، روح حرب الاستنزاف، والإصرار على الصمود حتى النصر النهائى، مهما كلف ذلك من تضحيات.
ولعل أكثر نماذج هذا النوع من القصص، الذى نسميه هنا بـ«القصة ــ الكابوس»، انطباقا على المُسمَى، وبلاغة فى التعبير عن استحكام كابوسية بعض مواقف الحياة (أو، أحيانا، التجسيد الرمزى الذى يلخص عن طريق التكثيف رؤية كابوسية عبثية للحياة ككل) هو قصة «العرى والغضب» فى مجموعة «الجريمة» (1973)، التى تبدأ ناعمة، كفخ مخبأ تحت ورد وعشب نضير، فى حافلة عامة يستقلها رجل مثقل بأعباء قضية طال نظرها فى المحاكم؛ قضية عمره كله، والحكم فيها يحسم مستقبله ومستقبل العائلة، وخسارتها تعنى ذهاب ماله وكرامته معا، وخصومه فيها خبثاء وشرسون لا يستهان بهم ولا يؤمن شرهم ولا يكفون عن تدبير المكائد، مستغلين أى نقطة ضعف فيه، كما يحذره محاميه دائما، خاصة نقطة ضعفه الرئيسية: فبطل القصة محب للحياة ولذائذها إلى حد التهور والنزق. وفى هذا اليوم بالذات نراه وقد استقل الحافلة، فى طريقه لموعد هام ومصيرى مع محاميه سيحسم بإذن الله القضية. لكن فتاة جميلة فى الحافلة تبتسم له بدلال تجعله يقرر عدم الهبوط فى محطة المحامى، والنزول بدلا من ذلك خلف الجميلة، التى يراها عفيفة شريفة ومؤدبة، وبتهوره يقرر فجأة الزواج منها. لكنها، بدلا من أن تقوده لمكان عام، تدخل به بيتا قديما وتصعد لشقة، فيتبعها، ويدخلان حجرة نوم بها سرير ووسادة بلا ملاءة أو كيس للوسادة، وتخلع الصبية ملابسها طالبة منه أن يفعل مثلها، ثم تستأذن لدخول الحمام، ويطول غيابها، فيجول صاحبنا فى الشقة عريان للبحث عنها، وعندما يعود للحجرة يكتشف غياب ملابسه وهروب البنت بها، ويتضح له ــ بعد فوات الأوان ــ أن الأمر مؤامرة حاكها أعداؤه لضمان خسارته للقضية؛ فلا ملابس، ولا حتى ملاءة سرير يتدثر بها إن أراد المغامرة بالخروج للشارع. ضاع ميعاد المحامى وضاعت القضية، وها هم أعداؤه يدقون الباب بعنف!
كابوس ينتهى بالتصاعد المؤدي ــ إن كان مناما ــ لصرخة اليقظة؛ لكن فى هذه القصة، فى قلب بطلها وقارئها وكاتبها، تظل الصرخة معلقة للأبد فى فضاء الصمت، وتظل ذروة الكابوس جاثمة على العقل والوجدان.
وبعد، هذه بعض نماذج لنمط ضمن أنماط كثيرة لإبداعات نجيب محفوظ المتنوعة المرتادة لكل مجالات واحتمالات التعبير الأدبى، وهو السَباق لاقتحام فضاءات التجديد والريادة والسبق الإبداعى. وكانت الهزيمة فى يونية مرحلة كابوسية تستدعى شكلا فنيا يعبر عنها بصدق ودقة. فانهمرت من قلب الكاتب العظيم وقلمه، ما بين عامى 1967 و1973، أشكال أسلوبية تترجم عن طبيعة المرحلة، بدءا من الصدمة وما استتبعته من عدم تصديق ثم شعور بالعبث واللا معنى ولا معقولية الحياة وكابوسيتها؛ ثم تسلل لهذه الأشكال، مع تصميم الوطن على الصمود والمقاومة، نفس الإصرار والإيمان بالنصر النهائى، أو على الأقل بوجوب القتال حتى الموت، كما فى نهايات بعض هذه القصص. لتنضم الأشكال الإبداعية لتلك المرحلة إلى ما سبقها وتلاها من مراحل فنية كان لكل منها مذاقه الخاص الممتع؛ من الروايات التاريخية الثلاث الأولى، إلى واقعية الأربعينيات والخمسينيات التسجيلية، ثم رمزية «أولاد حارتنا»، ثم عودة جديدة ومختلفة للواقعية فى الستينيات سماها دارسو الأدب بالواقعية النقدية ــ مع استثناء «الطريق»، التى هى رواية وجودية رمزية ــ ثم المرحلة التى تناولناها فى هذه المقالة، ثم «الحرافيش» التى سألتُ محفوظ عنها، فى حوار لى معه بعد حصوله على نوبل: «هل توافقنى فى اعتبار «الحرافيش» إعادة كتابة لـ«أولاد حارتنا؟»، فوافقنى بإيماءة من رأسه وأجاب بالإيجاب. وفى «ليالى ألف ليلة»، الدرة التى أنهى كتابتها فى آخر السبعينيات ونُشرت أوائل الثمانينيات، جاء بعمل هو فى حد ذاته مرحلة إبداعية كبرى: فهى إعادة كتابة للعمل القصصى الأم فى تاريخ الأدب، عربيا وعالميا؛ إعادة كتابة انتقائية«لألف ليلة وليلة»، صفتها من أوشابها الكثيرة وتفاصيلها المكررة، ليصطفى نجيب محفوظ منها بعض الحكايات التى ضفرها معا وأضاف إليها من عنده، ما جعل منها وحدة عضوية موضوعية ورواية حديثة، عصرية وتراثية معا، تتحدث فى السياسة، كما هى معظم أعمال محفوظ، لكنها أيضا تتأمل الحياة والوجود كله وترمز للإنسان فى كل مكان وزمان، خاصة إنسان الشرق مهد ألف ليلة ومبدعها. وفى نفس حوارى الصحفى معه، سألت نجيب محفوظ عن هذه الرواية التى أعشقها وهى مفضلة عندى بين أعماله، فقال حزينا: «إنها جوهرة»، وأضاف ما معناه: «ولكن للأسف، لا يعرف قدرها إلا القليلون، فأهملها النقد».
وتوالت المراحل، قبل وبعد الجائزة، حتى وصلنا للقصة ــ البرقية فى أصداء السيرة الذاتية والأحلام الأخيرة. وهى رحلة طويلة، عظيمة وشاقة ومبهرة وممتعة، لن أضيف إليها جديدا بما قلته، لكنى أحببت أن أنضم لموكب المحتفلين برجل طالمنا أمتعنا بفنه، وجهاده العظيم من أجل أن يأتى بالجديد.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك