بعد تجسيدها في «كيرة والجن».. حادث دنشواي مُلهم الكُتاب والمؤلفين في كل زمان - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:12 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد تجسيدها في «كيرة والجن».. حادث دنشواي مُلهم الكُتاب والمؤلفين في كل زمان

الشيماء أحمد فاروق:
نشر في: الإثنين 4 يوليه 2022 - 9:51 م | آخر تحديث: الإثنين 4 يوليه 2022 - 9:51 م
يوجد في التاريخ المصري القديم والحديث، كثير من القصص التي يمكن إعادة روايتها على الشاشة في صورة فنية، لأنها ثرية بالتفاصيل والأحداث، ونذكر منها تحديداً حادث دنشواي، الذي وقع في مطلع القرن العشرين، وكان البداية لفيلم كيرة والجن، الذي يعرض حالياً في السينمات، بعد سنوات من الإعداد له.

- حادث دنشواي.. التأسيس لشخصية البطل

بدأت أحداث فيلم كيرة والجن في مشهد تأسيسي لشخصية أحد الأبطال، وذلك من خلال القصة الشهيرة تاريخياً "دنشواي"، في أحد القرى المصرية التي كان يعبث بها الجنود الإنجليز، وجسد المشهد الحادث بتفاصيله الواردة تاريخياً، لهو الجنود ثم الاشتباك مع الأهالي، وموت أحد الأجانب، ثم محاكمة هزت مصر والرأي العام العالمي، أودت بحياة العشرات ممن أعدموا في أرضهم أمام ذويهم، وكان من بين الحاضرين الشاب أحمد عبدالحي (كيرة) "كريم عبدالعزيز".

كانت هذه الواقعة هي المؤثر الرئيسي على حياة كيرة، والذي درس الطب وعمل به، ولكن لم ينسى واجبه تجاه حق والده المهدر والوطن ككل، وقرر أن يكون ضمن المقاومة ولديه فرقة خاصة للقضاء على الجنود الإنجليز وقتلهم في القاهرة، والطريقة التي يتم استدراج الجنود الإنجليز بها والخلاص منهم شاهدناها في كثير من الأعمال المصرية سابقاً مثل البحار مندي، زيزنيا، وهي الاستدراج من خلال النساء الذين يعملن في الملاهي الليلية وقتلهم في الشوارع الجانبية.

فيلم كيرة والجن، مأخوذ من رواية للكاتب أحمد مراد، وإخراج مروان حامد، وبطولة أحمد عز، هند صبري، سيد رجب، رزان جمال، أحمد مالك، علي قاسم، لارا اسكندر، وظهور خاص لروبي وإياد نصار.

- دنشواي.. الحادث الذي ألهم كثير من الكتاب

يوجد كثير من الأعمال المصرية التي ذكرت هذا الحادث، سواء بالمرور العابر، أو بمنحه مساحة أكبر داخل العمل ككل، وذكر حادث دنشواي في أعمال مختلفة، مثل مسلسلات طرح البشر، فارس بلا جواد، قاسم أمين، جمهورية زفتى، الخروج من الجلد وهو سهرة تلفزيونية ركز مؤلفها على المحامي المعروف بجلاد دنشواي "إبراهيم الهلباوي".

إبراهيم الهلباوي كتب عنه في أكثر من عمل أدبي، بصور مختلفة، في مذكرات العقاد "رجال عرفتهم" يضم أحد الفصول عنوان باسم الهلباوي، يروي فيه العقاد مواقف عن الرجل وعلاقته به، وقال عنه: "كان أشهر المحامين بين الفلاحين بلا استثناء ومن آيات شهرته أنها دخلت في النكتة المصرية فكان الذين يساومون القصابين في شراء الذبيحة يقولون إذا اشترط عليهم القصاب في الثمن والله ولا لسان الهلباوي، كما سمعنا بشهرته كاتباً كما سمعنا شهرته محامياً فكان عنوان مقالاته إلى طريق نحن مسوقون يتردد على كل لسان وكنا نسمع به وإن لم نقرأ تلك المقالات".

وأضاف: "ثم أدركته آفة التعجل وقلة الاستقرار فتحول من الوطنية إلى خطة الاعتدال وفسر الاعتدال بمصانعة الاحتلال، ما كانت الطامة الكبرى ونعني بها قضية دنشواي التي وقف فيها موقفاً ظل نادماً عليه طول حياته، وغاب زمناً عن ميدان السياسة ثم ظهر بعد الثورة الوطنية معارضاً لسعد زغلول".

وفي كتاب خاص عن دنشواي والهلباوي، كتب صلاح عيسى "حكايات جلاد دنشواي"، وقال في وصفه: "ذلك الرجل الأسطوري الذي كان القطار يقف له، حيث لا يقف لأحد في محطات صغيرة أو على مشارف المدن الكبيرة, والذي قام قطار خاص لكي يقله إلى جلسة في إحدى المحاكم. طلب ملوك وأمراء وده، وكسب مئات الألوف من الجنيهات، وخسرها كلها، حتى عاد كما بدأ فقيرًا لا يملك شيئًا، لكنه مع ذلك بدأ من جديد ومات وهو مستور أو يكاد".

قال أيضاً: "محامي الظروف المخففة الذي يلتمس العذر للمتهم المدان، وينقذه ببراعته، وقوة منطقه مما ارتكبت يداه، يقامر بكل شيء في القضايا اليائسة، وينجح دائمًا في فك حبل المشنقة عن المتهم الذي ثبت عليه الاتهام، لكنه على الرغم من هذا كله - وتلك هي المأساة- لم ينجح في التماس العذر لنفسه، لأن ذنب إبراهيم الهلباوي كان مما لا تصلح معه ظروف مخففة".

بالبحث في السجلات القديمة ببعض المجلات الأدبية، سنجد أيضاً كتابات ذكرت وجود عروض مسرحية عن دنشواي، ولكنها لم تسجل، ومنها مسرحية دنشواي الحمراء، التي نشر مقالاً عنها في العدد 677 لمجلة الثقافة -وهي مجلة أدبية-، صادرة عن لجنة التأليف والترجمة عام 1951- بقلم عبدالفتاح البارودي، وعلى الرغم من أن بداية المسرحية تدور أحداثها في القنال، إلا أنها في المشهد الثاني تبدأ أحداث دنشواي، ثم الربط بين المقاومة والماضي.

يقول البارودي: "يسدل الستار ويرفع مرة أخرى فإذا بنا عام 1906 في قرية دنشواي، حيث استقر المطاف ببضعة جنود من الإنجليز وقد أخذوا يطلقون بنادقهم على أبراج الحمام لا يبالون بما تسببه نيرانها من خسائر وحرائق وأخيراً يصيب أحدهم امرأة وادعة فتخر صريعة بين جمع من ذويها ويفر هو هارباً فيطارده بعض أبناء القرية ولكنه يموت من فرط الإعياء نتيجة لضربة شمس لم يتحملها، ويسدل الستار ويرفع في مشهد محاكمة أهالي دنشواي بتهمة قتله ويسفر الأمر عن إعدام طائفة منهم وجلد طائفة ثانية وسجن طائفة ثالثة سجناً مؤبداً".

استكمل أن ما ذكره هو موجز للرواية الوطنية الثانية التي قدمتها فرقة المسرح المصري الحديث بعد روايتها الوطنية الأولى مسمار جحا، وهذه الفرقة كونها الفنان المصري زكي طليمات.

لم تكن دنشواي حاضرة في الكتابات المصرية فقط، بل أيضاً لدى بعض كُتاب الغرب، وعلى رأسهم جورج برنارد شو، الذي عرف بدعمه الشديد للقضية المصرية وتعاطفه مع المصريين المقهورين في حادث دنشواي.

تحدث عن ذلك باستفاضة الأديب عباس العقاد في كتابه "برنارد شو"، يقول العقاد في مقدمته: "هناك كلمة واجبة في كل ترجمة لبرنارد شو تكتب في مصر باللغة العربية وهي الكلمة التي ينبغي أن يشار بها إلى موقفه الكريم من الأمة المصرية بعد حادث دنشواي المشهور... وقد جرد له شو حملة من أقوى حملاته وكتب عنه في مقدمة روايته جزيرة جون بول الأخرى فصلاً مسهباً في 16 صفحة، لم يكتب أحد عن قضية دنشواي ما يضارعها في صدق الدفاع ومضاء الحجة وشدة الغيرة على المظلومين، وقد كاد اسم شو أن يُقرن باسم دنشواي في تلك الآونة بل تهكم بعض الكتاب المستعمرين فاشتق من اسم شو واسم دنشواي نسبة واحدة باللغة الإنجليزية وهي شافيان Shavian ".

ومما قاله شو في تلك المقدمة: "إن الفلاحين المصريين لم يتصرفوا في الحادث غير التصرف الذي كان منتظراً من جمهرة الفلاحين الإنجليز لو أنهم أصيبو بمثل مصابهم في المال والحرمات وإن الضباط لم يكونوا في الخدمة يوم وقوع الحادث بل كانوا لاعبين عابثين أساءوا اللعب وأساءوا المعاملة، وإن الفلاح الإنجليزي ربما احتمل عبثاً كهذا لأنه على ثقة من التعويض ولكن القرويين في دنشواي لم تكن لهم هذه الثقة بالتعويض ولا بالإنصاف وأن أحد المشنوقين –حسن محفوظ- كان شيخاً في الستين، فلو لم يشنق لجاز أن يموت في السجن قبل انقضاء 5 سنوات".

ولم يكتفي بذلك، بل أشار العقاد إلى أن شو أشبع اللورد كرومر –المندوب السامي البريطاني حينها- ووكيله مستر فندلي، تقريعاً وسخرية على ما كتبه عن القضية إلى وزارة الخارجية وشملت حملته الوزارة البريطانية والبرلمان الإنجليزي لأنهما لم يمنعا تنفيذ الحكم بعد تبليغه وأن الإفراج عن السجناء من أهل القرية أقل تكفير منتظر عن هذه الكارثة البربرية.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك