وقد تجاوزت قيمة التجارة مع الدول الأفريقية في عام 2022 (بحسب السجلات المتوفرة) 250 مليار دولار. وشمل ذلك استيراد الصين في الغالب للمواد الخام مثل النفط والمعادن من القارة، وتصدير السلع المصنعة إليها.
كما استثمرت في العام نفسه، 5 مليارات دولار في الاقتصادات الأفريقية، وذلك بشكل أساسي لبناء طرق نقل جديدة تربط الدول ببعضها ومرافق طاقة، وتطوير المناجم. وحققت الشركات الصينية في عام 2022 من هذه المشاريع أرباحا تصل إلى ما يقرب من 40 مليار دولار. وتوجد حاليا قرابة 3000 شركة صينية في أفريقيا، وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي.
ويضيف: "أما الآن فقد وجدت العديد من الدول الأفريقية أنها لا تحصل على ما يكفي من العائد من تلك المشاريع لسداد القروض".
يقول الدكتور أليكس فاينز من مركز تشاتام هاوس، المركز الملكي البريطاني لأبحاث الشؤون الخارجية في لندن: "اليوم، أصبح المقرضون الصينيون لأفريقيا أكثر تمييزا للمشاريع. إنهم يبحثون عن مشاريع أكثر قابلية للتمويل".
كما حولت الصين تركيزها بعيدا عن تقديم مشاريع البنية التحتية الكبيرة للدول الأفريقية لأشياء مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ - نحو تزويدها بالتكنولوجيا الفائقة مثل شبكات الاتصالات 4G و 5G والأقمار الصناعية الفضائية والألواح الشمسية والمركبات الكهربائية.
ويضيف الدكتور فاينز: "تُتهم الصين بإغراق السوق الأفريقية بالمركبات الكهربائية. وهذه إحدى الطرق التي يمكن للصين من خلالها تصدير تقنياتها الخضراء الجديدة والمتطورة".
هل ساعد التعامل التجاري مع الصين أفريقيا أم أضر بها؟
بدأت الصين في إقامة روابط تجارية رئيسية مع الدول الأفريقية منذ عام 1999، عندما أطلق الحزب الشيوعي الصيني استراتيجيته "الخروج". وانعقد منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) لأول مرة في عام 2003 وهو الآن عبارة عن منصة شراكة بين الصين و53 دولة أفريقية.
في البداية، كان تركيز الصين على استيراد أكبر قدر ممكن من المواد الخام من أفريقيا، حتى تتمكن من إنتاج السلع للتصدير إلى جميع أنحاء العالم، وفقا للدكتور فاينز.
الذي يقول "لقد أقرضت الصين مبالغ كبيرة من المال لدولة أنغولا لتشييد البنية التحتية الأساسية، مقابل الحصول على إمدادات النفط".
ويضيف: "كما وفرت هذه المشاريع فرص عمل للشعب الصيني. وبلغ عدد العمال الصينيين في أنغولا في وقت ما أكثر من 170 ألف عامل".
لكن الصين تصف استثماراتها في أفريقيا بأنها "مربحة للجانبين".
مع ذلك، فإن مشاريع البناء التي أنجزتها الصين في أفريقيا لم تقدم سوى القليل من الفوائد للسكان المحليين، كما يقول البروفيسور تسانغ، وهذا أثار الاستياء. مضيفا "تجلب الشركات الصينية في الغالب عمالها ولا توفر العديد من الوظائف المحلية. وهناك أيضا شعور أفريقي بأن الصين تستخدم عمالا محليين في وظائف ذات ظروف عمل قاسية".
وارتفعت القروض للدول الأفريقية بشكل كبير في السنوات التي أعقبت عام 2013، عندما أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق لتحسين شبكات التجارة عبر أفريقيا وآسيا. وبلغت ذروتها بأكثر من 28 مليار دولار في عام 2016.
واتُهمت الصين بإقراض أفريقيا بطريقة استغلالية، من خلال إقناع الحكومات باقتراض مبالغ ضخمة من المال، ومن ثم مطالبتها بتقديم تنازلات عندما تبدأ في مواجهة مشاكل في السداد.
وقد تراكمت الديون على بعض الدول الأفريقية للصين، فأنغولا عليها ديون للصين بقيمة 18 مليار دولار، وزامبيا بأكثر من 10 مليارات دولار، وكينيا 6 مليارات دولار، وفقا لأرقام مركز تشاتام هاوس. ووجدت كل هذه الدول صعوبة بالغة في سداد هذه المبالغ.
في كثير من الأحيان، كانت الصين تقرض الدول الأفريقية الأموال وتربط سدادها بأرباحها من صادرات المواد الخام. وقد ساعدت هذه الصفقات الصين في السيطرة على العديد من مناجم المعادن في بلدان مثل الكونغو.
وقال رئيس البنك الأفريقي للتنمية، أكينوومي أديسينا، لوكالة أسوشيتد برس للأنباء إن الحكومات يجب أن تتجنب هذا النوع من القروض.
وأضاف "إنها سيئة، أولاً وقبل كل شيء، لأنك لا تستطيع تسعير الأصول بشكل صحيح".
وأردف "إذا كان لديك معادن أو نفط تحت الأرض، فكيف يمكنك التوصل إلى سعر مناسب وحقيقي لعقد طويل الأجل؟ إنه تحدٍ كبير".
ومع ذلك، يقول الدكتور فاينز "إن دبلوماسية فخ الديون الصينية غير موجودة على الإطلاق".
ويضيف "تتصرف الصين أحيانا بطريقة استغلالية عندما تتعامل مع دولة ضعيفة، لكن الحكومات الأقوى يمكنها التعامل مع الصين دون تراكم ديون عالية".
ما هي خطط الصين لأفريقيا في المستقبل؟
تقول الدكتورة شيرلي زي يو من كلية لندن للاقتصاد إن منتدى التعاون الصيني الأفريقي، الذي يبدأ في بكين اليوم الأربعاء، هو منصة الشراكة الأكثر شمولا ورسوخا بين الدول الأفريقية وأي قوة عالمية.
كل ثلاث سنوات، يحدد المنتدى أهدافا وأولويات جديدة.
وتضيف "إنها استراتيجية رائعة لإشراك الصين كشريك خارجي لأفريقيا".
وتوضح الدكتورة شيرلي أنه "في نهاية القرن، سيقيم 40 في المئة من سكان العالم في أفريقيا". مبينة أنه "ليس من الصعب أن نتصور أن أفريقيا تحمل المستقبل الاقتصادي العالمي".
ومع ذلك، فإن مصالح الصين في أفريقيا ليست تجارية فحسب، بل سياسية أيضا، كما يقول الدكتور فاينز.
ويضيف "هناك أكثر من 50 دولة أفريقية في الأمم المتحدة. وقد أقنعت الصين كل دولة منها تقريبا بإلغاء الاعتراف بتايوان كدولة".
ويقول البروفيسور تسانغ "نحن نرى الآن صورة أوضح لما تريده الصين من أفريقيا".
ويضيف "إنها تريد أن تصبح بطلة الجنوب العالمي، واستخدام هذا الموقف لبناء النفوذ في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى". تريد الصين أن تكون الدول الأفريقية "داعمة" لها. ويقول إن منتدى التعاون الصيني الأفريقي ليس اجتماعا بين أنداد.
ويؤكد تسانغ أنه "هناك تفاوت كبير في القوة. إذا كنت تتفق مع الصين، فأنت مرحب بك. ولذلك، لن يقول أحد إنه لا يتفق مع ما تخطط له".