كمال الطويل .. مائة عام على ميلاد مهندس الأغنية المصرية الذي تقاوم ألحانه الزمن - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 1:34 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كمال الطويل .. مائة عام على ميلاد مهندس الأغنية المصرية الذي تقاوم ألحانه الزمن

إعداد ــ أمجد مصطفى:
نشر في: الجمعة 13 أكتوبر 2023 - 12:14 م | آخر تحديث: الجمعة 13 أكتوبر 2023 - 12:16 م
عبدالحليم كان جسر العبور بأعماله إلى الناس

صوت منير وماجدة الرومى حملا أعماله إلى جيل جديد من المستمعين

مصير يوسف شاهين أعاده إلى الساحة بعد الاعتزال

عندما تستمع إلى ألحان الموسيقار الكبير كمال الطويل، التى تمر مئوية ميلاده هذه الأيام، تشعر كأنك أمام بناء هندسى يعتمد على أساسات متينة، تتحمل أن تعيش مئات السنين، يجمع بين قوة المعمار وطرازه الفريد وقدرته على تحمل عوامل التعرية التى تهب بشكل دائم مع كل تغيرات فصليه، نعم ألحان كمال الطويل هبت عليها موجات من الأغانى عبر عشرات السنين لكنها ظلت راسخة، تواجه كل ما هو جديد هابط، ولا تنسى مع أى جديد جيد يظهر على الساحة، نعم أعمال الطويل بناية شاهقة الارتفاع، فى كل دور منها يظهر ويسكن صوت طربى له بصمات واضحة فى عالم الغناء، فهذا صوت عبدالحليم فى قلب البناية، حيث ارتبط اسمه باسم العندليب الأسمر منذ بدايات الأخير، وقدم له أجمل الألحان العاطفية الخالدة ومنها ألحان أغنيات: «الحلو حياتى»، «هى دى هى»، «بتلومونى ليه»، «فى يوم فى شهر فى سنة»، «جواب»، «راح راح»، «الحلوة»، «بلاش عتاب» (آخر أغنية لحنها له)، «كفاية نورك»، «حلفنى»، «بينى وبينك إيه»، «صدفة»، «فى يوم من الأيام»، «بعد إيه»، «بيع قلبك»، «لا تلمنى»، «على قد الشوق»، «سمراء»، «نعم يا حبيبى»، «أبو عيون جريئة»، و«أسمر يا اسمرانى». وفى طابق آخر تسكن السيدة أم كلثوم رغم ندرة أعماله لها، لكنه قدم لها «والله زمان يا سلاحى» وغريب على باب الرجاء، ولغيرك ما مددت يداك التى اعتمدت نشيدا وطنيا لمصر حتى نهاية سبعينيات القرن الماضى.
أيضا تسكن صباح، «مال الهوى»، وليلى مراد «ليه خليتنى أحبك»، فايزة أحمد «أسمر يا اسمرانى» و«ياما قلبى قاللى لأ»، ووردة «بكره يا حبيبى»، ومحمد قنديل لحن «يا رايحين الغورية» و«بين شطين وميه»، ومحمد عبدالمطلب لحن «الناس المغرمين»، ومحمد منير أغنية «على صوتك بالغنا»، «بره الشبابيك».
ولد كمال الطويل بالقاهرة فى 11 أكتوبر 1923، لأسرة ميسورة الحال، تخرج فى كلية الفنون التطبيقية، ثم درس بمعهد الموسيقى العربية وتخرج فيه عام 1949، عين مفتش للموسيقى بوزارة المعارف وبعدها مدير لإدارة الموسيقى والغناء بالإذاعة عام 1951، ثم مستشار فنى بوزارة الثقافة والإرشاد بالكويت سنة 1966، كان صاحب أول فكرة برنامج أركان الإذاعة.
حكايته مع التلحين
تعلق الشاب كمال الطويل بالموسيقى منذ صغره، ثم بدأ يرتجل بعض الألحان التى ذهب بها إلى الشيخ زكريا أحمد ليسمع رأيه فيها، لكن الشيخ زكريا نصحه بتعلم العود، وبأن يذهب إلى الفنان محمد عفيفى فى الإسكندرية، فالتحق بمعهد الموسيقى العربية بالإسكندرية عام 1946، حيث درس العود والمقامات والنوتة الموسيقية لمدة سنتين، على يد محمد عفيفى، ثم انتقل إلى القاهرة وأكمل دراسته بمعهد الموسيقى العربية ليتخرج فيه عام 1949. التقى كمال الطويل أثناء دراسته بعبدالحليم حافظ وانعقدت بينهما صداقة فنية امتدت لعقود وكان أول من لحن له.
كان صوت عبدالحليم حافظ بمثابة الوسيلة التى وصلت بها ألحانه إلى الجمهور، وما أجمل أن تكون حنجرة حليم هى الصوت والجسر الذى تعبر ألحان الطويل من خلاله إلى المستمع.
يعد كمال الطويل من أكثر الملحنين تعاونا مع العندليب الأسمر؛ حيث التقيا فى ما يقرب من 56 أغنية عاطفية ووطنية.
فعندما حصل الطويل على وظيفة فى الإذاعة جاء دور زميله فى الدراسة الموسيقية عبدالحليم حافظ للغناء من إنتاج الإذاعة، فاختار له قصيدة حزينة لشاعر جديد هى «لقاء» لصلاح عبدالصبور ولم تحقق التجربة النجاح المتوقع منها لما فى اللحن من حزن وهدوء فى الإيقاع ولم تكتب الشهرة لحليم إلا من خلال اللحن الثانى للطويل «على قد الشوق» كلمات محمد على أحمد.
ثم توالت الأعمال مع الشاعر مرسى جميل عزيز التقيا فى مجموعة من الأغانى، مثل موشح «ياضنين الأمس» الذى غناه عبدالحليم فى بداياته، كما التقيا مع نفس الشاعر فى مجموعة من الأغانى التى غناها عبدالحليم فى أفلامه مثل «الحلو حياتى»، «هى دى هى»، «قولوله الحقيقة»، «بتلومونى ليه»، «فى يوم فى شهر فى سنة» (التى تعدّ من أجمل ما غنّى عبدالحليم)، «جواب»، «راح.. راح»، «الحلوة»، «بلاش عتاب» (وهى آخر أغنية عاطفية غناها عبدالحليم من ألحان كمال الطويل)، إضافة إلى ثلاث أغانٍ وطنية هى «ذات ليلة» عام 1959، و«بلدى يا بلدى» عام 1964، و«يا كويت يا حبيبة» عام 1970.
ومع الشاعر مأمون الشناوى أيضا فى مجموعة من الأغانى التى غناها عبدالحليم فى أفلامه مثل «كفاية نورك»، «حلفنى»، «بينى وبينك إيه»، «صدفة»، «فى يوم من الأيام»، «بعد إيه»، إضافة إلى أغنية وطنية هى «إنى ملكت فى يدى زمامى» عام 1956.
مع الشاعر صلاح جاهين التقيا فى مجموعة من الأغانى الوطنية مثل «إحنا الشعب» عام 1956، «بالأحضان» 1961، «المسئولية» 1963، «يأهلا بالمعارك» 1965، «صورة» 1966، «ناصر يا حرية» التى ربما قدمت عند استقالة الرئيس جمال عبدالناصر إبان حرب يونيو 1967.
مع الشاعر عبدالرحمن الأبنودى قدما مجموعة من الأغانى الوطنية أثناء حرب يونيو 1967، منها «إنذار»، «راية العرب»، «احلف بسماها»، «بالدم»، «اضرب»، «بركان الغضب»، «ابنك يقولك يابطل»، إضافة إلى أغنية «صباح الخير يا سينا» عام 1974.
كما التقى كمال الطويل مع عبدالحليم فى أغانى أخرى لشعراء آخرين مثل «حبيب حياتى»، «اللى انشغلت عليه»، «بيع قلبك»، (وكلها من تأليف حسين السيد)، «لا تلمنى»، «على قد الشوق» لمحمد على أحمد، والأخيرة ساهمت فى شهرة عبدالحليم)، «سمراء» (للأمير عبدالله الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود)، و«لقاء» (لصلاح عبدالصبور)، إضافة إلى أغانٍ وطنية مثل «حكاية شعب»، و«مطالب شعب» (لأحمد شفيق كامل)، و«خدنى معاك يا هوى» (لمحمد حمزة).
وتعد أم كلثوم محطة مهمة فى حياة الطويل، ففى عام 1955 لحن كمال الطويل لأم كلثوم قصيدة لغيرك ما مددت يدا من كلمات طاهر أبو فاشا وفى عام 1956 قدمت له أم كلثوم قصيدة أخرى هى غريب على باب الرجاء من كلمات طاهر أبو فاشا أيضا، ولم تكن تغنى وقتها إلا للثلاثة الكبار محمد القصبجى، زكريا أحمد ورياض السنباطى، ومن أبناء جيله محمد الموجى فى نشيد يا مصر إن الحق جاء من تأليف أحمد رامى، ثم جاء بعدهما بليغ حمدى.
ولأن مصر فى فترة الخمسينيات كانت تفيض بالأحداث السياسية، فقدم أثناء حرب السويس عام 1956 أشهر ألحانه على الإطلاق بصوت أم كلثوم وهو نشيد والله زمان يا سلاحى من كلمات صلاح جاهين، والذى أصبح النشيد القومى لمصر حتى عام 1979. وقد اشترك بهذا اللحن فى تقديم أحد أكبر ثلاثة أعمال وطنية فى تلك الفترة. مع نشيد الله أكبر الجماعى من ألحان محمود الشريف، ودع سمائى لعلى إسماعيل غناء فايدة كامل، ثم تعاون مع عبدالحليم يأغنية «حكاية شعب» من كلمات أحمد شفيق كامل عام 1960.
وكما كانت أم كلثوم وحليم من المحطات المهمة فى تاريخ الطويل الغنائى أيضا كانت أغنية يا واد يا تقيل فى فيلم خللى بالك من زوزو عام 1969 نقلة جديدة فى مشوار الطويل لأنها تتمتع بخفة الظل لم نعهدها فى الحانه ذات الشكل الجاد، وكان صوت سعاد معبر جدا عن هذا اللحن الرشيق، وانتشرت بشكل رهيب بين الشباب وأصبحت جملة يا واد يا تقيل بمثابة إفيه بين تلك الفئة العمرية. كما لحن لها إحدى أهم أغانيها على الإطلاق وهى أغنية بانو بانو التى قدمت ضمن أحداث فيل شفيقة ومتولى، كما لحن لها أغانى فيلم «أميرة حبى أنا» ومن أشهرها الدنيا ربيع وبمبى ولحن لها أغانى مسلسل أنا وهو وهى.
مع فيلم عودة الابن الضال كان اللقاء الأول الذى يجمع بين ماجدة الرومى والطويل حيث قدما أغنية مفترق الطرق التى كانت بوابة عبور ماجدة الرومى إلى المستمع المصرى والعربى، وإحدى محطات الطويل الهامة. وقال الراحل الكبير عمار الشريعى عن أغنية «مفترق الطريق» هذه الأغنية نجحت نجاحًا منقطع النظير، وقامت بانقلاب بين جيل الموسيقيين الشباب وقتها، الأغنية قام بتأليفها الشاعر العبقرى صلاح جاهين، وقام بتلحينها الموسيقار الكبير كمال الطويل، وقام بتوزيع اللحن الموسيقار جمال سلامة.
ذكر الموسيقار الراحل أن الأغنية تخلق حالة من الشجن من خلال كلمات صلاح جاهين العبقرية، وضرب مثلًا بمقطع: (لسة الطيور بتفن، والنحلايات بتطن، والطفل ضحكه يرن)، لافتًا إلى مدى روعة حرف النون المسيطر على القافية.
وأشار الشريعى إلى أن الأغنية تم تسجيلها باستوديو 46 فى الإذاعة المصرية وبالرغم من إمكانيات وأدوات التسجيل كانت قليلة إلا أن الأغنية خرجت بهذا الشكل الجميل والقوى وشديد التأثير.
كيف كانت ألحانه
كانت ألحان الطويل بمثابة ثورة جديدة فى عالم الغناء، تبلورت فى لحن «بلاش عتاب» لعبدالحليم حافظ جمع فيها بين شرقية الجملة الغنائية والشكل الغربى فى التوزيع الموسيقى ذى الطابع الأوركسترالى.
كان الطويل من أكثر وأوائل الملحنين الذين استخدموا الآلات الغربية كالجيتار والبيانو، بالتعاون مع كبار الموزعين فى عصره مثل على إسماعيل التوزيعات الأوركسترالية مما جعل أعماله تأخذ شكلا آخر جديدا على الأذن العربية.
ورغم أن ألحان الطويل كانت ذات لمسة رومانسية ملحوظة والدليل صوت حليم أهم من غنى للحب والغرام، لكن هناك ألحانا كانت ذات لمسة شديدة الشعبية أبرزها أغنية «يا رايحين الغورية» لمحمد قنديل، و«الناس المغرمين» لمحمد عبدالمطلب.
انطلق كمال الطويل فى الموسيقى فى بدايته عبر لحن دينى لفايدة كامل دعاء «الهى ليس لى إلاك عونا» وكان قد عثر على القصيدة فى ملفات والده وأجرى عليها أولى تجاربه اللحنية ليعلن ميلاد موهبته.
السياسى كمال الطويل
رغم أن كمال الطويل ولد لأسرة وفدية معروفة، عمه عبدالفتاح «باشا» الطويل الذى عمل وزيرا ورئيسا للمجموعة البرلمانية لحزب الوفد فى مدينة الإسكندرية وأيضا والده المهندس زكى الطويل وكيل أول وزارة الأشغال حتى بداية الخمسينيات وشقيقه مصطفى الطويل الرئيس الشرفى لحزب الوفد، يعد كمال الطويل هو الوحيد فى هذه العائلة الذى عمل بالفن، ثم تبعه ابنه زياد الطويل.
ولكنه بعد هزيمة يونيو، التحق بحزب التجمع اليسارى المعارض بزعامة خالد محيى الدين، حيث كانت له ميول يسارية واضحة. انتقل الطويل بعد ذلك من حزبه اليسارى إلى حزب عائلته (الوفد)، فانتخب ممثلا له بمجلس الشعب.
الاعتزال والعودة
بعد رحيل عبدالحليم عام 1977 لم يقدم كمال الطويل ألحانا كثيرة، وكان شبه معتزل وأقدم على تجارب قليلة جدا، حتى قرر الابتعاد والاعتزال لسنوات طويلة، وفى عام 1997 استطاع المخرج يوسف شاهين أن يقنعه بالعودة، ليضع الموسيقى التصويرية لفيلم «المصير»، وقدم خلال هذا الفيلم أغنية «على صوتك بالغنا» إحدى أشهر أغانى محمد منير، كما لحن بعدها أغنية فلسطين للمطرب الكبير هانى شاكر.
وقبل وفاته سنة 2003 ببضع سنوات قدم آخر ألحانه وهو لحن قصيدة «درس خصوصى» للشاعرة الكويتية سعاد الصباح والتى غنتها نجاة الصغيرة.
حصل كمال الطويل جائزة الدولة التقديرية فى 2003 وتوفى فى 9 يوليو 2003.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك