سامى شرف يكتب: التعليم والرأسمالية الأجنبية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:15 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سامى شرف يكتب: التعليم والرأسمالية الأجنبية


نشر في: الإثنين 18 نوفمبر 2019 - 11:59 م | آخر تحديث: الإثنين 18 نوفمبر 2019 - 11:59 م

نشرت بجريدة المصرى اليوم بتاريخ 7/8/2019 مقالا بعنوان «أزمة التعليم والشخصية المصرية»، أكدت فيه على أن التعليم مسألة أمن قومى بامتياز، وأنها عنصر رئيسى وحاكم فى تكوين الهوية الوطنية لأى أمة، وأن تشظى منظومة التعليم بين أكثر من إيديولوجية ومفهوم وهدف على خلفية تنوع هويات وإيديولوجيات القائمين عليها؛ حيث المدارس والجامعات الحكومية والمدارس والجامعات الخاصة، وانقسام الأخيرة؛ بين أمريكية وبريطانية وألمانية وفرنسية وكندية وروسية ويابانية... إلخ، تلك التى ظهرت ونمت فى ظل سياسات الانفتاح الاقتصادى، ثم الخصخصة وحرية رأس المال فى الاستثمار فى جميع المجالات بما فيها التعليم، ولم يقتصر هذا النوع من التعليم على المدارس التابعة للقنصليات والسفارات، إنما قد يكون قسما أو فصلا ملحقا ببعض مدارس اللغات الخاصة، فى سابقة فريدة وكارثية من نوعها على أى أمة بعراقة وتاريخ مصر، فهذه المدارس تطبق أنظمة تعليمية أجنبية (حسب البلد الذى تتبع له) من حيث المناهج وطرق التدريس والأنشطة، وحتى المعلومات التاريخية التى تحتويها المناهج التى تقوم بتدريسها تلك المدارس والجامعات.
ردود الفعل الإيجابية على المقال، واتفاق كثير من الكتاب والمثقفين على خطورة ما تواجهه الهوية المصرية على خلفية تشظى منظومة التعليم فى مصر، وتدخل الخارج فيها، كانت باعثا على الأمل فى أن تستعيد الدولة المصرية وعيها، ويقوم القائمون على منظومة التعليم بتدارك الموقف قبل أن ينخر السوس فى عظم الهوية المصرية.
وزاد من تفاؤلى أن القائم على العملية التعليمية فى مصر ــ حاليا ــ رجل وطنى خبير فى مجاله، وهو السيد وزير التربية التعليم الدكتور طارق شوقى، وهو رجل مؤمن بمكانة التعليم فى نهضة الأمم، قد اتخذ قرارا بالغ الأهمية والحساسية فى إنقاذ منظومة التعليم الوقوع فى براثن الرأسمالية العالمية المستغلة، التى تخطط للهيمنة على الشعوب، بتغييب وعيها، وطمس هويتها، واحتلال عقول أبنائها.
لقد أصدر وزير التربية والتعليم، قرارا بوضع حد أقصى قدره 20% لملكية المستثمرين الأجانب بالمدارس الخاصة، وهو ما تسبب فى حدوث حملة مسعورة من الاعتراضات داخل مجتمع رجال الأعمال بصفة عامة فى الداخل والخارج، وعدد من أصحاب المصالح فى المنظومة التعليمية من مالكى المدارس الخاصة فى مصر، وتم تجنيد الخبراء والمحللين ليملأوا الدنيا صراخا وعويلا ونقدا ضد قرار السيد الوزير، مدعين أن القرار سيجمد الاستثمار فى العملية التعليمية فى مصر، ويبعث برسالة خاطئة عن مصر كوجهة استثمارية!!، هادفين لإلغاء هذا القرار الرائع.
وللأسف الشديد، لم أجد من يدافع عن القرار العظيم الذى اتخذه السيد وزير التربية التعليم، وتركنا الرجل ــ كعادته ــ يواجه أصحاب المصالح رافضى أى تغيير يضر بمصالحهم، وكارهى الخير لهذا الوطن، ممن يزيفون وعى الناس بادعاءات هم أعلم بكذبها.
يا سادة، مرة أخرى، الاستثمار الخاص فى التعليم ــ إن كان لابد منه ــ لابد أن يكون من خلال رأس مال وطنى، وتحت رقابة شديدة وصارمة من الدولة، فرأس المال ــ دائما وأبدا ــ ما تكون أولويته الربح، ناهيك عن رأس المال الأجنبى، لن يكون تطوير التعليم فى مصر ــ بالتأكيد ــ أولوية له على حساب الربح، فإذا ما تعارض الربح مع التطوير، فالربح هو الأهم.
وهناك من الدراسات ما تؤكد ذلك؛ ففى دراسة أجراها الدكتور أحمد ثابت ــ رحمه الله ــ وهو أستاذ العلوم السياسية حول «الهوية العربية الإسلامية ودور المؤسسة التعليمية فى تشكيلها»، من خلال عينة من طلاب الجامعة الأمريكية، تبين وجود عدد من الظواهر أهمها أن «71.5% من طلاب الجامعة الأمريكية، لا يعرفون لون العلم المصرى أو ترتيب ألوانه، و27.5% يرغبون فى الحصول على الجنسية الأمريكية، و75% يرون أن الوجود الأوروبى الاستعمارى فى مصر كان تعاونا وتنويرا ولم يكن استعمارا».
وكشفت دراسة أخرى «ميدانية» للدكتورة سهير صفوت، أن طلاب المدارس الدولية غير ملمين بالأعياد القومية الوطنية بقدر إلمامهم بالأعياد القومية الأمريكية، وذكرت على سبيل المثال، ما يتم لتعريف التلاميذ من خلال مواد شيقة ورسومات جرافيك بتاريخ العيد اليهودى، وما لاقاه اليهود من عذاب وقهر حتى الخروج الكبير، هذا إلى جانب الاحتفال برأس السنة العبرية، وكيفية الاحتفال وصور عديدة للأسر اليهودية وأطفالهم يوقدون الشموع ويصلون.
وخلال الأعوام القليلة الماضية، تناولت وسائل الإعلام العديد من الأزمات المتعلقة بالتعليم الدولى؛ أبرزها خلال عام 2015؛ حيث قامت وزارة التربية والتعليم، بإلغاء القرارات الوزارية المنشأة لعدد 4 مدارس دولية، بعد انتشار ظاهرة تزوير شهادات الدبلومة الأمريكية.
وشهد عام 2016 أزمة المدرسة الأمريكية بالمعادى، حينما اكتشفت وزارة التربية والتعليم فى مصر، أن المدرسة وضعت درسا ضمن مناهج التاريخ للصف الثالث الثانوى، مفاده أن إسرائيل هى من كسبت حرب 6 أكتوبر 1973 ضد مصر، وتدخلت وزارة الخارجية المصرية لدى السفارة الأمريكية بالقاهرة، لتعديل هذا المنهج.
يا سادة.. هناك ملفات لا تدار بمنطق الربح والخسارة، فالتعليم والأمن والعدالة والثقافة على سبيل المثال، ملفات تتعلق بالانتماء وهوية الأمة، والأمن القومى، وتماسك النسيج الوطنى للمجتمع، ولا يجب أن نتعامل معها بهذا المنطق الرأسمالى البحت، ولابد أن تدرك الحكومة ذلك.
يجب ألا نترك الوزير عرضة لأصحاب المصالح وأعوانهم، وأعلم أن القيادة السياسية تؤمن بفكر الوزير، وتدعمه، ولكن مثل تلك الحملات قد ترسل بإشارات خاطئة للقيادة السياسية، وهنا يأتى دور المجتمع بنخبته الوطنية المثقفة، وأن تكون هناك حملة مضادة لدعم وزير التربية والتعليم فى قراره، ودعم كل صانع قرار يتخذ من القرارات الشجاعة لمصلحة هذا الوطن وشعبه.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك