كيف تكهن داروين بـ«أصل الحياة» قبل باقي العلماء بقرن كامل؟ - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:20 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف تكهن داروين بـ«أصل الحياة» قبل باقي العلماء بقرن كامل؟

بي بي سي
نشر في: الجمعة 20 نوفمبر 2020 - 5:05 ص | آخر تحديث: الجمعة 27 نوفمبر 2020 - 3:20 م

عالم الأحياء الشهير تشارلز داروين طرح في ملاحظات، خطّها لصديق له على عجل، نظرية بشأن كيفية نشأة الحياة على سطح الأرض. اللافت أن هذه النظرية ليست صائبة على الأرجح فقط، وإنما سابقة لزمانها بنحو قرن كامل أيضا.
رغم أنه كان لعالم الأحياء البارز تشارلز داروين بعض الأفكار البارزة للغاية على الصعيد العلمي؛ ومن أشهرها بطبيعة الحال نظريته للتطور عبر آلية الانتقاء الطبيعي، التي توضح لنا أسباب الكثير مما نعرفه عن الحياة على وجه الأرض، فإن ذلك لا ينفي أنه تأمل كذلك في العديد من الأسئلة الأخرى المرتبطة بهذا الأمر. وفي رسالة خطّها لصديق له على عجل، بلور داروين فكرة بشأن الكيفية التي يحتمل أن تكون الحياة قد تشكلت بها على سطح كوكبنا. وبعد نحو 150 عاما كاملة على ذلك، تبدو الرسالة متبصرة على نحو لافت، بل وربما ذات طابع رؤيوي تنبؤي أيضا.
في البداية، تجدر بنا الإشارة إلى أن داروين لم يكن - خلافا للاعتقاد الشائع - أول من طرح نظرية تطور الأنواع الحية. ففكرة تغير ملامح الحيوانات بمرور الوقت، مثل كون الزرافة قد باتت ذات رقبة أطول من ذي قبل، نوقشت كثيرا خلال القرن التاسع عشر.
لكن الإسهام الأبرز لداروين في هذا الشأن تمثل في تحديد آلية التطور نفسها، ألا وهي عملية الانتقاء الطبيعي. وتقوم فكرة هذه الآلية على أن الحيوانات، التي تنتمي لنوع حيوي واحد، تتنافس في ما بينها على المأكل والمأوى، وكذلك على القدرة على التكاثر، وأن الأصلح في ما بينها، أو بعبارة أخرى الأكثر توافقا منها مع البيئة التي يعيش فيها، هو ما يتمكن من التكاثر، وتنتقل صفاته المفيدة إلى الأجيال التالية، لتصبح أكثر شيوعا. ولذا، فإذا كان من المفيد للزرافة مثلا أن تكون ذات رقبة طويلة، سيزيد عدد الزرافات التي تتصف بذلك، جيلا تلو الآخر، لحين الوصول إلى الطول المثالي للرقبة. وقد أوضح داروين ذلك في كتابه الشهير "أصل الأنواع" الذي صدر عام 1859.

على أي حال، أوحت النظرية الخاصة بتطور الأنواع الحية بشيء ما يتعلق بكيفية بدء الحياة على الأرض. فالنظرية تشير إلى أن تلك الأنواع تَمُتَ لبعضها البعض بصلة قرابة بعيدة، حتى وإن بدت متباينة ومختلفة، وأنها جميعا تنحدر من سلف واحد مشترك.

علاوة على ذلك، نستفيد من هذه النظرية في إدراك أن كل الكائنات الحية تنحدر في نهاية المطاف من مجموعة مخلوقات ذات سلف واحد. ويُعرف السلف المشترك لكل الكائنات الحية الموجودة حاليا على سطح الأرض باسم "لوقا"، وقد عاش قبل أكثر من 3.5 مليار عام، بُعيّد تشكل كوكبنا مباشرة.
رغم ذلك، لا تعطينا نظرية التطور أي معلومات بشأن كيفية تشكل الحياة في صورتها الأولى على الأرض، بل تتناول فقط الكيفية التي تتغير بها الصورة الحالية للحياة، ولماذا يحدث ذلك.
كيف بدأت الحياة؟
المعروف أن الدراسات الخاصة بأصل الحياة على الأرض لم تبدأ سوى في خمسينيات القرن الماضي. فقبل حلول تلك الفترة، كان الكثير من العلماء يعتقدون أن الحياة ربما تكون قد بدأت في المحيطات. وكانت الفكرة التي تبناها هؤلاء في هذا الشأن تتمثل في أن الكثير من المواد الكيمياوية التي يشكل الكربون أساسا لها قد تشكلت على الأرض خلال مراحلها المبكرة، ثم ذابت في المحيطات، لتتحول إلى مادة سميكة ومركزة، يُطلق عليها اسم "الحساء البدائي". وقد طُرِحَت هذه النظرية في عشرينيات القرن الماضي على يد عالم سوفيتي يُدعى ألكسندر أوبارين. وفي عام 1953، أوضح الطالب الأمريكي الشاب ستانلي ميلر إمكانية أن تتشكل الأحماض الأمينية، وهي اللبنات الرئيسية للبروتينات، في هيئة تحاكي المحيط والغلاف الجوي البدائييْن.

ولعقود طويلة، سادت فكرة بدء الحياة في المحيطات، لكن شابتها مشكلة واضحة. فضخامة حجم المحيطات تعني ضرورة أن تكون تلك المواد الكيمياوية التي نتحدث عنها قد تكوّنت بكمية هائلة للغاية، حتى يتسنى لها التراكم في المياه، وإلا لكانت قد هامت على وجهها لسنوات طويلة دون أن تحتشد معا جنبا إلى جنب.
وتقول كلوديا بونفيو، من مختبر "إم آر سي" للبيولوجيا الجزئية في مدينة كامبريدج بالمملكة المتحدة: "سيكون لديك في هذه الحالة كميات كبيرة للغاية من المياه، وجزيئات محدودة بشدة".
ومن بين البدائل التي خضعت لنقاشات مستفيضة في هذا الشأن، احتمالية أن تكون الحياة قد بدأت في فتحات هيدرو حرارية قلوية، كتلك الموجودة في المنطقة المعروفة باسم "المدينة الضائعة"، القابعة في وسط المحيط الأطلسي. فهناك تتدفق المياه الساخنة الغنية بالمعادن، قادمة ببطء من تحت قاع البحر، لتمضي عبر الصخور، وتشكل أبراجا جيرية مخيفة بيضاء اللون. وتمثل هذه الفتحات مصدرا غنيا بالطاقة الكيمياوية، التي يمكن أن تكون قد وفرت التغذية لأولى الكائنات الحية التي ظهرت على سطح الأرض. لكن دراسة مقارنة نُشِرَت في مايو/أيار من العام الجاري، أشارت إلى أنه لم يتم إثبات أن الظروف السائدة في الفتحات الهيدرو حرارية القلوية تسمح بوجود الأحماض الأمينية أو القواعد النووية، وكلاهما مهم للغاية للحياة على الصورة التي نعلمها الآن. ويعيدنا ذلك إلى داروين والملحوظات التي خطها لصديقه.
رسالة إلى صديق
رغم أن داروين لم يتطرق قط في كتبه إلى تصوره لكيفية نشأة الحياة، فقد كانت له تكهنات في هذا الشأن، أفصح عنها لأصدقائه. وتتمثل الوثيقة الرئيسية في هذا الصدد في رسالة كتبها إلى صديقه المقرب عالم الطبيعة جوزيف دالتون هوكر، بتاريخ الأول من فبراير/ِشباط 1871، أي منذ نحو 150 عاما.
ولم يسهب عالم الأحياء الشهير في الخطاب كثيرا، إذ لا تزيد عدد فقراته عن أربع، بل ويصعب على المرء قراءته بسبب خط داروين الشبيه بخيوط العنكبوت الملتفة والمتشابكة. فبعد مقدمة مختصرة، تناولت بعض التجارب التي كان داروين قد أجراها قبل ذلك على العفن، أوضح الرجل بشكل موجز بدايات فرضية ما بشأن كيفية ظهور الحياة على سطح كوكبنا، قائلا: "غالبا ما يُقال إن كل الظروف اللازمة لظهور الكائن الحي الأول متوافرة الآن، وهي ظروف يمكن أن تكون قد سادت في أي وقت من الأوقات من قبل. لكن إذا تصورنا وجود بركة صغيرة دافئة المياه، تحتوي على كل أشكال الأمونيا وأملاح الفوسفور والضوء والحرارة والكهرباء، إلى آخره، فمن شأن ذلك تكوّن مُركّب بروتيني كيمياوي، يصبح جاهزا لأن يخضع لمزيد من التغيرات الأخرى المعقدة. وإذا حدث ذلك في وقتنا الحاضر، فستُلتهم هذه المادة أو تُمتص على الفور، وهو ما لم يكن ليحدث في الفترة السابقة لتشكل الكائنات الحية".
وربما يتعين علينا تفكيك هذه السطور، كي يتسنى لنا فهمها. ويعود ذلك جزئيا إلى أنها تتضمن الكثير من الأفكار التي تحتشد وتتكدس معا جنبا إلى جنب. فالأمر يبدو وكأن داروين كان يفكر في فرضيته هذه، حتى وهو يخطها على الأوراق. رغم ذلك، فالفكرة المحورية لما طرحه كانت بسيطة بقدر كاف.
فداروين كان يقترح أن الحياة بدأت لا في المحيط المفتوح ولكن في مسطح أصغر مساحة من المياه، غني بالمواد الكيمياوية، يوجد على سطح الأرض. ويشكل ذلك بالتحديد جوهر فكرة "الحساء البدائي". لكن الأمر ينطوي هنا على ميزة لا تتوافر في النظرية التي تتحدث عن نشأة الحياة في المحيطات، وهي أن تكوّن هذا الحساء في حوض سباحة مثلا يؤدي إلى ترسب أي مواد كيمياوية ذائبة عندما تتبخر المياه بفعل الحرارة المنبعثة من الشمس خلال ساعات النهار. وفي هذه الحالة، سيكون التركيب الأوليّ للمواد الكيمياوية التي ستنشأ منها الحياة قادرا على أن يحيا بفضل مزيج ما من الضوء والحرارة والطاقة الكيمياوية.
ورغم أن أفكار داروين في هذا الشأن تبدو، من نواحٍ عدة، ناقصة على نحو ميؤوس منه، فليس بوسعنا لومه على ذلك. فقد خطّ أفكاره تلك قبل اكتشاف الأحماض النووية مثل "الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين"، المعروف بـ"دي إن آيه"، وكذلك قبل أن يفهم علماء الأحياء أي شيء بشأن كيفية عمل الجينات، وفي وقت كان الغموض يكتنف إلى حد كبير التفاصيل الخاصة بعمل الخلايا الحية من الداخل. ففي الوقت الذي تصور داروين أن الحياة بدأت بنوع ما من أنواع البروتين، لم يكن هناك من يعلم بالفعل وقتذاك ماهية البروتينات من الأصل، إذ لم يُعرف أن هذه المركبات تشكل سلاسل من الأحماض الأمينية سوى في عام 1902.

رغم ذلك، لا تزال الفكرة الأساسية لما طرحه داروين خاضعة للنقاش والبحث في وقتنا الحالي. ولدى الكثير من الباحثين قناعة بأنها تشكل أفضل تفسير متوافر لدينا بشأن كيفية نشأة الحياة وأصلها.
الحرارة والضوء
ومن بين الباحثين الذين تتوافق دراساتهم مع فكرة نشأة الحياة في بركة من المياه، لينا فينسنت من جامعة ويسكونسن-ماديسون الأمريكية، رغم أنها تفضل أن تبقى منفتحة في الوقت نفسه على استيعاب أي أفكار أخرى في هذا المضمار. وتحاول هذه الباحثة تخليق مجموعة من الكيمياويات القادرة على استنساخ نفسها كمجموعة. ويتمثل المثال الأبسط على ذلك في تخليق مادتيْن كيمياويتيْن؛ يمكن أن نطلق عليهما اسميْ "آيه" و"بي"، يكون بوسع كل منهما تخليق الآخر، أي أن يُخلّق "آيه" "بي" والعكس بالعكس. وسيكون هذا الزوج من المواد الكيمياوية قادرا على التكاثر الذاتي، حتى وإن لم يكن بمقدور كل منهما القيام بذلك بمفرده. ورغم أن مجموعات المواد الكيمياوية تتسم في الواقع بتعقيد أكبر من ذلك، فإن المبدأ الحاكم للأمر هو نفسه.
وتجري فينسنت تجاربها فوق أسطح المعادن، وهو أمر ذو أهمية خاصة في مثل هذه التجارب. وتوضح فينسنت أن وجود المواد الكيمياوية الرئيسية فوق سطح معدني "يزيد فرص تفاعلها وتلامسها مع بعضها بعضا". فضلا عن ذلك، يمكن أن تتنافس هذه الكيمياويات على الالتصاق بالمعادن. وتشير إلى أنها وزملاءها الباحثين يعتقدون أن "ذلك يوفر شكل البيئة التي يمكن أن يكون المرء بحاجة إليها، لكي يبدأ في رؤية بوادر عملية التطور في الكائنات الحية". المعروف أن البرك تٌحاط بطبيعتها بأسطح أو مواد غير عضوية أو معدنية، مثل الطين والصلصال.
بجانب ذلك، هناك الكثير من الأدلة التي تفيد بأن الأشعة فوق البنفسجية الموجودة في ضوء الشمس يمكن أن تقود إلى تشكِلّ مواد كيمياوية بيولوجية رئيسية، مثل "الحمض النووي الريبوزي" المعروف باسم "آر إن آيه"، وهو حمض نووي مشابه لـ"دي إن آيه"، ويُعتقد أنه شكّل مكونا حاسما في تكوين الحياة في صورتها الأولى. ولا يمكن أن تحدث عمليات تشكل لمواد مثل هذه، سوى في أماكن تنعم بإضاءة جيدة، وهو ما يشير من جديد إلى المسطحات المائية صغيرة المساحة، لا أعماق المحيطات.
ومن الباحثين الناشطين في هذا المجال، جون ساذرلاند الباحث في مختبر "إم آر سي" للبيولوجيا الجزئية في مدينة كامبريدج. ففي عام 2009، أظهرت تجربة أجراها ساذرلاند أن إخضاع مواد كيمياوية بسيطة تقوم أساسا على الكربون لمعالجة بسيطة بدورها، تتمثل في غمر هذه المواد بالأشعة فوق البنفسجية، قد يؤدي إلى تشكل اثنتين من اللبنات الأربع الرئيسية المكونة لـ"الحمض النووي الريبوزي". ومنذ ذلك الحين، أثبت الباحث نفسه أنه "يمكن كذلك بتغيير طفيف في طريقة المعالجة، تحويل المواد الكيمياوية ذاتها، إلى اللبنات الأساسية المكونة للبروتينات". كما يمكن أن تتحول هذه المواد إلى اللبنات، التي تتكون منها "الليبيدات الدهنية"، التي تشكل الغشاء الخارجي للخلايا.
وترى الباحثة في جامعة مينيسوتا الأمريكية كيت آديمالا، أن ساذرلاند "يمضي بثبات نحو بلورة سيناريو كامل، يتم في إطاره تخليق أحماض أمينية معقدة وطويلة".
من جهة أخرى، يمكن أن تجف برك المياه الصغيرة الموجودة على سطح الأرض بشكل دوري، وعلى نحو كامل تقريبا، وذلك بفعل ارتفاع درجات الحرارة، قبل أن تمتلئ من جديد، حينما تهطل الأمطار. ومع أن دورات "الجفاف والامتلاء بالمياه" هذه قد تبدو بلا آثار سلبية، فإنها قد تُخلّف تأثيرات عميقة على الكيمياويات اللازمة للحياة.

وفي الوقت الذي تمخضت التجربة التي أجراها ساذرلاند عام 2009 عن تشكّل اثنتين فقط من اللبنات الأربع المكونة لـ "الحمض النووي الريبوزي"، أسفرت تجربة مماثلة أُجريت في ألمانيا بعد ذلك بعشر سنوات عن تكوين اللبنات جميعا، وفي وقت واحد. وفي إطار هذه التجربة، وضع الباحثون مواد كيمياوية بسيطة قائمة على الكربون في ماء ساخن وعلى سطح معدني، قبل تعريضها إلى دورات "الجفاف والامتلاء بالمياه" على نحو متكرر. وبعد بضعة أيام من اتباع هذا الأسلوب، تخلّق ما يكفي من مواد لتكوّن لبنات "الحمض النووي الريبوزي".
وبالمثل، برهن الباحث ديفيد ديمَر، من جامعة كاليفورنيا فرع مدينة سانتا كروز، على أن دورات "الجفاف والامتلاء بالمياه" يمكن أن تقود لتشكل خلايا أولية بسيطة، يصبح فيها جزيء بيولوجي مثل "الحمض النووي الريبوزي" محاطا بغلاف من الليبيدات الدهنية. وفي عام 2017، وجدت الباحثة فالنتينا إرستوفا أن الأحماض الأمينية ترتبط بالبروتينات البسيطة على الأسطح المعدنية، التي تخضع لدورات "الجفاف والامتلاء بالمياه".
مهد الحياة
ويرى ديمَر أن "برك المياه المتقلبة الموجودة في ينابيع المياه الساخنة البركانية" تشكل البيئة التي يُرجح أن تكون الحياة قد بدأت فيها. أما ساذرلاند فلديه تصور بديل، وهو أن الحياة ربما تكون قد نشأت في الفوهات التي خلّفها ارتطام النيازك بسطح الأرض، وهي تلك الفوهات التي يوجد على جدرانها مجارٍ تتدفق عبرها السوائل هابطة لأسفل، لتتجمع في بحيرة تقبع في القاع.
وعلى أي حال، ليس من الواضح بالنسبة لنا أي هذين السيناريوهيْن أكثر منطقية من الآخر. كما أن الكثير من الباحثين الشبان، يؤكدون أنهم لا يلزمون أنفسهم بتأييد أي منهما على حساب الآخر، قائلين إنه ليس لدينا معلومات كافية بشأن التفاعلات والعمليات التي تقود لنشوء الحياة، بما يجعل بوسعنا استبعاد سيناريو ما وترجيح آخر عليه. اللافت أن كثيرا من الباحثين لا يزالون يتعاملون مع نظرية نشوء الحياة في الفتحات الهيدرو حرارية القلوية على محمل الجد، برغم كل المشكلات التي تشوبها.
لكن الواضح، رغم كل ذلك، أن الفكرة التي طرحها داروين حول كيفية نشأة الحياة كانت بعيدة النظر. فقد تصور في إطارها أن ذلك يتطلب وجود مجموعة من المواد الكيمياوية التي تتركز في مساحة محدودة، وتوافر مصدر للطاقة يمكن أن يقود لحدوث تفاعلات كيمياوية.
وتقول الباحثة لينا فينسنت إن تصور داروين حول نشأة الحياة في بركة صغيرة دافئة المياه كان "متبصرا للغاية.. تماما كالكثير من الرؤى التي طرحها هذا الرجل".
وتشير إلى أن هذا العالم الشهير أوضح في رسالته لصديقه نقطة أخرى "لا تلقى التقدير الكافي"، وهي أن "التفاعلات التي تشهدها هذه البركة الصغيرة ربما تحدث بسهولة شديدة، وهو ما يجعلها تحدث طوال الوقت".
لكن لماذا لا نستطيع رؤية هذه العمليات؟ الإجابة قد تتمثل ببساطة في أنه كلما تشكَّل بروتين جديد أو أي شكل آخر من أشكال الحياة، على نحو طبيعي، التهمته بكتيريا جائعة.
وتخلص فينسنت للقول: "نتحدث عن أصل الحياة وكأنه أمر حدث في الماضي السحيق. لكن ذلك شيء يمكن أن نجد أنه يحاول أن يحدث، حتى في وقتنا الحاضر".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك