تحل اليوم ذكرى وفاة الكاتب البريطاني الشهير روالد دال، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم، 23 نوفمبر عام 1990، بعد أن ترك إرثًا أدبيًا فريدًا جعله واحدًا من أكثر كتّاب الأطفال تأثيرًا في القرن العشرين.
وُلد "دال" عام 1916 في ويلز لأسرة نرويجية مهاجرة، ونشأ في بيئة صارمة شكلت جزءًا من ملامح عالمه القصصي لاحقًا، إذ تتكرر في أعماله صورة الطفل الذكي القادر على مواجهة ظلم الكبار بروح متمردة وخيال لا ينضب.
وبدأ "دال" مسيرته بعيدًا عن الأدب، إذ خدم في سلاح الجو الملكي خلال الحرب العالمية الثانية، قبل أن يتحول لاحقًا إلى الكتابة في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي.
وظهرت موهبته في القصص القصيرة للكبار أولًا، حيث أصدر مجموعته "شخص ما يشبهك" عام 1953، التي كشفت عن قدرة لافتة على بناء حبكات مشوقة ونهايات صادمة، مما جعله أحد أبرز كتّاب القصة في ذلك الوقت، إلا أن انتقاله إلى عالم أدب الأطفال في الستينيات كان اللحظة الفارقة التي صنعت شهرته العالمية.
وتميّز روالد دال، بقدرته على خلق عوالم خارقة للعادة تنبض بالمرح والسحر والفانتازيا الممزوجة بلمسات من السخرية والظلام، وقدّم خلال مسيرته مجموعة من الروايات التي أصبحت جزءًا أصيلًا من ذاكرة الطفولة لدى ملايين القرّاء حول العالم، ومن بينها "تشارلي ومصنع الشوكولاتة"، و"ماتيلدا"، و"العملاق الودود الضخم"، و"الساحرات"، و"جيمس والمشمش العملاق".
وفي هذه الأعمال، يظهر أسلوبه الفريد الذي يمنح الأطفال قوة رمزية في مواجهة العالم، ويجعل الخيال وسيلة للانتصار على القسوة والرتابة.
ولم يكن تأثير "دال" مقتصرًا على صفحات الكتب، إذ تحولت معظم أعماله إلى أفلام سينمائية ومسرحيات ناجحة شكّلت جزءًا من الثقافة الشعبية؛ فقدمت هوليوود نسخًا متعددة من "تشارلي ومصنع الشوكولاتة".
كما حقق فيلم "ماتيلدا" نجاحًا جماهيريًا كبيرًا وتحوّل لاحقًا إلى مسرحية موسيقية وصلت عروضها إلى برودواي.
وحمل فيلم "العملاق الودود الضخم"، توقيع المخرج العالمي ستيفن سبيلبرج، في دلالة على المكانة التي يحظى بها عالم "دال" لدى صناع السينما.
ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على رحيله، لا تزال أعمال "دال" تُقرأ على نطاق واسع وتُدرّس في المدارس، وتواصل شخصياته المتخيلة إلهام الأطفال والكبار على حد سواء، فلقد نجح في أن يجعل من الأدب بوابة للدهشة، وفي أن يثبت أن الخيال ليس ترفًا، بل طاقة قادرة على تشكيل وعي الطفل وفتح آفاق جديدة أمامه.
وبهذا الإرث، يحتفظ روالد دال بمكانته كأحد أعمدة أدب الطفل العالمي، وكاتبًا صاغ بخياله أجيالًا كاملة من القراء الذين وجدوا في قصصه عالمًا أكثر اتساعًا من الواقع وأكثر قدرة على منحهم الشجاعة والمرح والجمال.
ولم يقتصر تأثير روالد دال على القرّاء وحدهم، بل امتد إلى الثقافة العالمية بأكملها، حيث أصبحت شخصياته جزءًا من المخزون الرمزي للأطفال في مختلف الدول؛ فـ"ماتيلدا"، مثلًا تحولت إلى نموذج عالمي للطفلة الذكية التي تتحدى السلطة غير العادلة.
فيما صار "ويلي وونكا" رمزًا للخيال غير المحدود والقدرة على ابتكار عوالم مدهشة خارج حدود الواقع.
وتحولت هذه الشخصيات، وغيرها من ابتكارات "دال"، إلى أيقونات بصرية وثقافية تظهر في السينما والمسرح والرسوم المتحركة والألعاب الإلكترونية، بما يعكس تغلغل تأثيره في الوجدان الجمعي العالمي.
كما أثّر "دال" بعمق في الكتّاب والفنانين المعاصرين الذين استلهموا طريقته في المزج بين الفانتازيا والواقعية القاسية، وتقديم موضوعات الطفولة بجدية فنية لا تستخف بعقل القارئ الصغير، واعتمدت مناهج تعليمية عديدة على أعماله كنماذج للأدب الذي ينمّي الخيال ويعزز التفكير النقدي لدى الطلاب.
وحتى اليوم، لا يزال إرثه يشكّل مرجعًا رئيسيًا في دراسات أدب الطفل، وفي النقاشات الثقافية حول دور الخيال في تشكيل وعي الأجيال الجديدة، مما يرسّخ مكانته كأحد أكثر كتّاب الأطفال تأثيرًا في الثقافة العالمية الحديثة.
ورغم أن انتشار روالد دال في العالم العربي لم يصل إلى مستوى حضوره في الغرب، فإن تأثيره ظل واضحًا من خلال الترجمات العربية التي عرّفت أجيالًا واسعة بأعماله، خصوصًا "ماتيلدا" و"تشارلي ومصنع الشوكولاتة” و“العملاق الودود الضخم".
ولعبت النسخ السينمائية المقتبسة عن كتبه دورًا في ترسيخ مكانته لدى الجمهور العربي، حيث أصبحت من الأفلام التي تتكرر في القنوات التلفزيونية وتشكل جزءًا من ذاكرة طفولة مشتركة.