مصطفى الفقى يكتب: الرواية التاريخية والرواية الدينية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:12 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصطفى الفقى يكتب: الرواية التاريخية والرواية الدينية

مصطفى الفقي
مصطفى الفقي

نشر في: الإثنين 27 سبتمبر 2021 - 7:19 م | آخر تحديث: الإثنين 27 سبتمبر 2021 - 7:19 م

يثير التفاوت بين الرواية الدينية كما جاءت فى الكتب المقدسة الثلاثة وبين نظيرتها التاريخية التى يتحدث عنها علماء الآثار ومؤرخو الأحقاب القديمة تساؤلا مشروعا لدى كثير من فلاسفة التاريخ وعلماء السياسة، ناهيك عن رجال الدين الذين يرون، ومعهم حق، أن الإيمان الذى يتسلحون به ويصدرون عنه هو إيمان مطلق لا يقبل الانتساب لغيره ولا يحتمل تأويلا يختلف عن سواه، ولقد عاصرت شخصيا حوارات طويلة حول سؤال محدد عمن هو فرعون موسى؟ بل وازداد البعض شططا بالقول من هو موسى ذاته؟ هل هو نبى اليهودية؟ أم هو أخناتون أول من بشّر بالتوحيد فى مصر القديمة؟ خصوصا أن الفارق الزمنى بين الروايتين لا يزيد على 60 عاما فى ذلك الزمن السحيق.
ولعل الذى يثير كل هذه التساؤلات هو الرغبة بتمحيص الرواية التاريخية وتطويعها للمنطوق الدينى، بينما يرى آخرون أن الهدف من ذلك هو تطويع النص الدينى للحدث التاريخى الملموس وهم يرفعون؛ أى أولئك الذين يدافعون عن الرواية التاريخية، بأن ما ليس له أثر باقٍ لا وجود له ويكون التشكيك فى روايته قائما، فالكعبة المشرفة قائمة، إذا فكل ما قيل حولها منذ أن بناها إبراهيم وقدسها العرب قبل الإسلام وبعده يظل دائما ذا مصداقية لأن وجودها حتى اليوم يدل على صدق الحوادث التى ارتبطت بها أو دارت فيها، كما أن حروب الفراعنة وطقوس معابدهم هى شاهد آخر على صدقية الحضارة المصرية القديمة، وهل يخفى على أحد أن اكتشاف مراكب الشمس يدل على فهم المصرى القديم لمعنى الإبحار والاختلاط بالأمم الأخرى! وهل لا يعنى ذلك أيضا أن الأهرامات والمعابد وصولا إلى «حجر رشيد» وفك طلاسمه منذ مائتى عام ألا يُحسب كل ذلك للحضارة الفرعونية ويشير بوضوح إلى أصالة ما رُوى عنها وسلامة ما كتب حولها؟ أما لماذا أثير هذا الأمر الآن، فهو بسبب ما أشيع أخيرا عن المحاولات الغربية بل والأمريكية تحديدا لدمج الديانات الإبراهيمية الثلاث فى منظومة واحدة تقترب أحيانا من النزعة الماسونية وتبتعد غالبا عن المصلحة المشتركة لأصحاب الديانتين المسيحية والإسلامية، ولعلى أطرح هنا الملاحظات التالية:
أولا: إن منطقة الشرق الأوسط بما فيها غرب آسيا وجزء من شمال أفريقيا هى مهبط الديانات السماوية ومركز التنوير الروحى منذ ظهرت اليهودية وتبعتها المسيحية ثم جاء بعدهما الإسلام الحنيف، ويعنى ذلك بوضوح أن البقعة التى نعيش فيها والإقليم الذى ننتسب إليه هو أرض المقدسات والمركز الروحى للديانات السماوية الثلاث، كما أن ذلك تأكيد آخر على أن الصراعات السياسية فى الشرق الأوسط لا تخلو من مؤثرات دينية ودعاوى يختلط فيها التاريخ بالدين، فتناصر كل شيعة أهلها حتى أصبحت المنطقة وكأنها مملكة الطوائف وأرض الاختلافات من أجل تطويع الحقائق لخدمة أهداف سياسية.
ثانيا: إن معظم حروب الشرق الأوسط قد اتخذت من بعض المقدسات محورا للتقاتل الشرس والحروب الدامية، ويكفى أن نتذكر أن حروب الفرنجة المسماة خطأ بالحروب الصليبية هى أكبر دليل على تلوين السياسة بالدين وتغطية المصالح بقشرة روحية تجذب البشر وتدفعهم إلى مواجهات طويلة عبر العصور، ولا يعنى ذلك إلا أن هناك مغالطات كبيرة فى التفاسير الدينية مع افتراء شديد على بعض الديانات لصالح الأخرى مع الشطط فى تأويل النص وتحريف الحقيقة مثلما هو الأمر بالنسبة إلى من يتحدثون عن هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى حتى تنازعت الأطراف وحمل كل منها شعوره الخاص لتقديمه كحجة يؤمن بها ويقتنع بجدواها.
ثالثا: إن القصص الدينى كما ورد فى الكتب المقدسة يعطى انطباعا قويا بالتداخل والتشابه على نحو يؤدى إلى الالتباس الذى لا يخفى على أحد، فكل قصة تأتى فى إطار يختلف عن غيره ويسمح ببعض التغيير الذى يعطى ميزة لأصحابه وهوية محددة للطرف الذى يدافع عنه، وإذا أخذنا قصص الأنبياء والمرسلين، على سبيل المثال، فإننا سوف نجد أن كل ديانة قد تناولت أنبياء الله من زاوية مختلفة عن غيرها مع اعترافنا بالاندماج الواضح بين (العهدين القديم والجديد) حتى إننا نرى فى أسفار التوراة ما يفسر آيات الإنجيل ولذلك قيل، والعهدة على أساتذة علم فلسفة الأديان المقارن، أن المسيحى يولد يهوديا حتى يتم تعميده وعندئذ فقط يكون قد اقترن بالدين المسيحى الصحيح وأصبح ابنا مخلصا للرب يسوع من وجهة نظره.
رابعا: لا ينبغى أن نتصور أن الحالة الدينية على ما يرام بالنسبة إلى الديانات المختلفة فى أنحاء الكوكب، فكما أن الإسلام يواجه تحديا كبيرا بلغ حد ما نطلق عليه «الإسلاموفوبيا»، فإن الكنيسة المسيحية، خصوصا الكاثوليكية منها، تعانى تراجعا واضحا مع انتشار موجات الإلحاد، تحديدا بين الشباب فى مختلف الدول التى تتمتع بغالبية مسيحية، والإلحاد آفة تطل برأسها على العالم فى الأعوام الأخيرة تدفع نحو القلق تجاه مستقبل الممارسات الدينية وطاقات الإيمان التى تضخها الأديان فى شرايين كثير من شعوب الأرض. فالإسلام الذى يبدو هدفا فى كثير من الأحيان لخصومه، ينظر هو الآخر فى قلق إلى ما يعترى الكنيسة المسيحية من اضطرابات وصراعات وصعود وهبوط.
خامسا: لقد بدأت إرهاصات الكتابات المعادية للإسلام منذ قرون عدة، تحديدا بعد الحروب الصليبية (حروب الفرنجة) التى حارب فيها ملوك أوروبا أهل المنطقة وقاموا بغزو فلسطين ومحاولة الاستيلاء على بيت المقدس بدعوى أن الأتراك السلاجقة لم يدركوا الإسلام الصحيح وأساءوا معاملة أهل الكتاب وأساءوا للوافدين من أوروبا لزيارة الأماكن المقدسة، وإذا صح هذا التفسير أو لم يصح، فإن الأمر الذى لا جدال فيه هو أن اختلاط الدين بالسياسة فى منطقة الشرق الأوسط كان ولا يزال وربما سوف يظل أيضا لفترات مقبلة واحدا من أسباب التوتر وعوامل القلق لهذه المنطقة شديدة الحساسية، التى استقبلت رسالات السماء فى تعاقب وتسلسل أدّيا إلى اختلاط الرواية الدينية الصحيحة وحتى التاريخية الموثقة بعدد من الأساطير التى شاعت وترسخت فى أعماق شعوب الشرق الأوسط واختلطت بالصراعات السياسية حتى تحوّل الدين إلى أداة فى الخصومات التاريخية بين الأطراف فى المنطقة.
إن الوقوف طويلا أمام التأثيرات الدينية فى الحياة السياسية بل والثقافية أيضا فى منطقة غرب آسيا هى التى أنجزت فى النهاية ذلك الصراع المحتدم بين أطراف ينتمى كل منها إلى عقيدة دينية أو نزعة طائفية أو أيديولوجيا فكرية، بينما تدفع شعوب المنطقة الثمن الفادح لهذه الخطوط المتقاطعة فى محاولة لتلويث الدين بالسياسة وإشاعة أجواء العداء غير المبرر، لذلك فإننا نقول إن تديين السياسة خطأ وتسييس الدين خطيئة!
إن الرواية التاريخية تقدم تفسيرا موازيا لما قدمته نظيرتها الدينية حول الشخصيات والأحداث والانفعالات المصاحبة لها، إننا منفتحون على كل المفاهيم المتصلة بالعلاقة بين الدين والسياسة ولكن يجب أن يدرك الجميع أن الأولى تبدو كمجموعة حقائق تقبل الجدل والنقاش، أما الأخيرة فهى امتداد للأيديولوجيا التى تحرك الشخوص والأحداث اعتمادا على مفهوم الإيمان والعقيدة ولا تقف عند استحضار حدث بذاته أو استدعاء نموذج بعينه.
نقلا عن إندبندنت عربية



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك