رحل عن دنيانا الفنان الكبير يوسف شعبان عن عمر يقارب التسعين عاما بعد تدهور حالته الصحية إثر إصابته بفيروس كورونا
ويعد الفنان الراحل أحد عمالقة زمن الفن الجميل، الذين أفنوا عمرهم في رحاب الفن، تاركا إرثا كبيرا من الأعمال الفنية المسرحية والسينمائية والتليفزيونية، راسخة في الأذهان، باقية في ذاكرة الجمهور من المحيط للخليج.
ولد الفنان يوسف شعبان 16 يوليو عام 1931 بحي شبرا بالقاهرة، ووالده مصمم إعلانات مشهور في شركة (إيجبشان جازيت)، رغم تفوقه في الرسم ورغبته في الانتساب في كلية الفنون الجميل، لكن عائلته رفضت بشدة وخيرته بين كلية البوليس (ليلتحق بأبناء أخواله) أو الكلية الحربية (ليلتحق بأبناء أعمامه) أو كلية الحقوق، ونتيجة للضغط الشديد عليه قرر الالتحاق بالكلية الحربية ولكن في اختبار الهيئة أسقط نفسه فرفضوا انضمامه، ولكن عائلته علمت بما دبره فأجبرته على الانضمام لكلية الحقوق في جامعة عين شمس.
بكلية الحقوق تعرف الفنان يوسف شعبان على أصدقاء عمره، الفنانين كرم مطاوع وسعيد عبد الغني والكاتب إبراهيم نافع. وقرر بناء على نصيحة كرم مطاوع الالتحاق بفريق التمثيل في الكلية ثم قدم أوراق اعتماده في المعهد العالي للفنون المسرحية. وبسبب ضغط الدراسة في الكلية والمعهد قرر التركيز في دراسة المعهد وسحب أوراقه من كلية الحقوق وهو في السنة الثالثة، تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية من سنة 1962.
بدأ مسيرته السينمائية عام 1961 من خلال فيلم "في بيتنا رجل" مع الفنان الراحل عمر الشريف والمخرج بركات، ثم توالت أعماله الفنية التي تعدت 110 فيلما سينمائيا، و130 مسلسلا تليفزيونيا، وعدد كبير من المسرحيات.
تزوج من الفنانة ليلى طاهر الذي استمر أربع سنوات فقط وحدث خلالها الطلاق ثلاث مرات مما أدى إلى الانفصال النهائي، وبعدها تزوج من نادية إسماعيل شيرين ابنة الأميرة فوزية بنت فؤاد الأول أخت الملك فاروق وأنجب منها ابنته سيناء، وأخر زيجاته كان من السيدة الكويتية إيمان خالد الشريعان التي أنجب منها ابنته زينب وابنه مراد.
ويعد شعبان من أبرز نجوم الصف الثاني، فرغم مشواره الفني الطويل لم يتصدر اسم أفيشات وتترات أعماله، ومع هذا لم يشعر الفنان يوسف شعبان لحظة بأنه ليس نجما كبيرا تتساوي نجوميته مع فنانين الصف الاول، وقال في حوار سابق أجراه مع " الشروق": هى لعبة يقوم بها المنتج والموزع، وأنا أعلم سببها، ولا تضايقنى على الاطلاق، بدليل أن هناك تعمدا لوضعى كفنان درجة ثانية، يأتى ترتيب اسمه فى مرحلة لاحقة من اسم بطل العمل، ولكن هل هذا أثر على، أبدا فأنا أتمتع بحالة من الرضا، كان يهمنى دورى وقيمته ورسالته، وأوافق عليه دون الالتفات للعبة التوزيع والإنتاج، فأنا «فاهم في الشغلانة» أعلم الوسط الفني «مبني على ايه»، وكنت دوما محقا فالجمهور وضعني نجما بالدرجة الأولى، والجمهور بطبيعته لا يلتفت للتتر، بل ربما ينشغل بأمر ما حتى يبدأ العمل، فهو لا يهمه اسم من جاء الأول، بل يهمه من نجح في إمتاعه وإقناعه. والحمد لله كنت دوما عند حسن ظنه.
وتابع: العمل الذي يعتمد على بطولة منفردة هو عمل فقير فنيا وأنا أرفض الاشتراك فى أى عمل فقير والتمثيل لا يحلو أبدا إلا بوجود ممثلين رائعين أمامي يجيدون في أدوارهم فأجيد في دوري وتكون هناك مباراة فنية رائعة ولذا أنا اعتبر أنني نجم في كل أدواري والناس كلها تشهد على هذا.
ورغم أن سنوات عمره الأخيرة شهدت مروره بحالة حزن واكتئاب بسبب ندرة الأعمال المعروض عنه، دفعته تارة للإعلان عن الإعتزال، ثم العودة في قراره، ثم ندمه على ترك كلية الحقوق والتفرغ للفن، لكن كانت تصريحاته تعكس دوما مدى عشقه للفن، وكان يتباهى دوما بالأدوار التي لعبها سواء أمام الكاميرا، أو دوره كنقيب للممثلين.
وكما قال في حواره للشروق: أعتز بكل ما قدمت فأنا عاشق للفن، ولقد تركت كلية الحقوق وأنا فى الفرقة الثالثة لألتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ولم أعبأ بالسنوات الثلاث التي ضاعت من عمرى فى سبيل أن أكون فنانا صاحب بصمة مميزة، وقدمت أدوارا يتباهى بها أي فنان مصرى، وحينما كنت نقيبا للممثلين نجحت أن أرسى قاعدة احترام الناس للممثل، ونقل أخبار الفنانين من صفحة الحوادث، حيث الانحرافات والعصابات، إلى صفحة المجتمعات بشكل مشرف، ولم نعد نسمع عن فنان لا يستطيع شراء دواءه.
بالطبع لم يكن الطريق ممهدا أمامه فقد واجه عقبات وحروب هدفت للقضاء عليه، باعتباره منافسا قويا، وخاض مشوارا طويلا لتحقيق النجاح قال عنه.
لا يوجد طريق ممهد لتحقيق النجاح ولكنى سعيد بهذه العقبات ولم أنزعج منها أبدا، فلقد تمت محاربتى فى البداية من بعض الفنانين الذين خشوا على مكانتهم من وجودى خاصة أننى كنت امتلك الحسنيين، كما يقولون، فلقد كنت وسيما إضافة إلى أنني درست التمثيل في مقابل أن هناك بعض الفنانين كانوا يعتمدون على وسامتهم، وهم لا يجيدون القراءة والكتابة، وحينما انتشرت أخبار عني تؤكد أنني ممثل جيد بادر البعض بتخفيض أجورهم، كي يتم الاستعانة بهم، وقد تلاعب بعض المنتجين بهذا الموضوع، حيث كانوا يهددون النجوم بالاستعانة بي إذا لم يخفضوا أجورهم، وكانت محاولاتهم تنجح، ولكن سرعان ما فرضت نفسي واستقر وجودي بين الناس والجميع أدرك أنني بالفعل ممثل جيد.
من أهم المواقف التي تعرض لها الفنان يوسف شعبان التي لم ينساها حتى اللحظة الأخيرة في حياته، حينما تحمست الفنانة الراحلة شادية له، وصممت مشاركته في بطولة فيلم "معبودة الجماهير"، متحدية رفض عبد الحليم حافظ له.
وحكي يوسف شعبان بنفسه تفاصيل الواقعة وقال: حينما دعمتني للاشتراك في بطولة فيلم" معبودة الجماهير" لم تكن تربطني بها أي علاقة حب أو أي كلام فارغ من هذا الشأن، وإنما تمسكت بي لأنها رأتني مناسبا للدور، ومن قبلها كان زوجها الكاتب الراحل مصطفى أمين فى هذا الوقت، الذ شدد على ضرورة وجودي في العمل، وتغلب على عبدالحليم الذي كان يخشى حينها أن يتعرض لمضايقة من قبل أى ناقد، خاصة أنني كنت مشهورا بسرقة الكاميرا، وجذب العين فى أى مشهد اشارك فيه، مهما كان النجم الذي يقف أمامي، وقد اعتذرت لحلمي رفلة عن الدور 4 مرات بعد أن تفهمت وجهة نظر عبدالحليم، ولم أغضب منه ولكن "رفلة" رفض اعتذاري وقمنا بتصوير الفيلم.
وتابع شعبان: العلاقة بيني وبين عبد الحليم طوال فترة التصوير كانت عادية جدا، فلم نتحدث في هذا الموضوع طوال التصوير، ولكن بعد عرض الفيلم بسنوات، وقبيل سفر "حليم" للخارج، لآخر مرة قبل رحيله، فوجئت بالراحل وحيد فريد مدير التصوير، وشريك "حليم" في شركة صوت الفن، وصديقه المقرب، يتصل بي ويقول إن حليم يريد مقابلتي في منزله فوافقت فورا وحينما زرته وجدته فى حالة صحية حرجة جدا، وفوجئت به يتحدث معى عن ما حدث فى فيلم "معبودة الجماهير"، طالبا مني أن أسامحه وهنا لم أتمالك نفسي وقمت باحتضانه وقلت له إنني كنت ولا زلت مستوعبا موقفه ولم أغضب منه يوما.
في نهاية حياته، وجه الفنان يوسف شعبان نصيحة للمسؤولين بضرورة أن يمدوا أياديهم للفنانين الكبار الذين يعانون من عزوف الأضواء عليهم، وأصبحوا بحاجة ليد تحنوا عليهم، أو كما قال للشروق، متحدثا عن نفسه:
الفنان الحقيقي من وجهة نظري يحتاج باستمرار ليد تساعده، وكلمة طيبة تشعره أنه فنان جيد، أنه قدم شيئا مفيدا، وهو ما أنا محتاج إليه تماما، فلا تستغربي، فرغم إننى قدمت أعمالًا كثيرة ناجحة، ولكن من جانبى أشعر أننى مهما قدمت ومهما حصدت من جوائز، أشعر بأنني لم أقدم شيئا جيدا، ورغم كل الأدوار التى لعبتها لم يأتِ الدور الأقوى بعد، ولذا حينما يتم اختيارى للتكريم فى أى مهرجان أشعر بفرحة شديدة، وأكون فى أشد لحظات ضعفى أمام الكلمة الحلوة.
قدم الفنان يوسف شعبان مجموعة كبيرة من الأدوار التي لا تنسي منها دوره في فيلم " ميرامار" عن قصة الكاتب الكبير نجيب محفوظ، والذي اختاره أحسن ممثل في هذا الفيلم الذي شارك فيه نخبة كبيرة من النجوم منهم شادية ويوسف وهبي وعماد حمدي.
ودور محسن ممتاز فى مسلسل «رأفت الهجان» الذى حقق نجاحا كبيرا، وتحديه الجميع وتقديم دور الشاذ جنسيا في فيلم "حمام الملاطيلي" والذي رشح بسبب لأكثر من جائزة، ولكن تم حرمانه منها بسبب موقف البعض وتحسسهم من منحهم جائزة لشخصية "شاذ".
رحل شعبان، قبل أن يظهر في مسلسل " عش الدبابير" مسلسله الجديد «عش الدبابير»، بطولة كل من الفنان مصطفى شعبان وعمرو سعد، رانيا يوسف، عمرو عبدالجليل، ياسمين رئيس، والمقرر عرضه موسم دراما رمضان المقبل، كما اتفق في وقت سابق على الاشتراك في بطولة مسلسل "بالحب هنعدي" بطولة سميرة أحمد والمتوقف لظروف إنتاجية، وترشيحه للاشتراك في بطولة مسلسل" سيف الله خالد بن الوليد" الذي تم تأجيل تصويره، الذي كان من المفترض أن يشهد عودته للأضواء بعد سنوات من الاعتزال الاجباري.