إحدى ساكنات العوامات: ملتزمون بشروط الترخيص وسداد الرسوم المستحقة
«الرى»: أكثر من 70% من العوامات المستهدفة لا تستخدم فى أغراض السكن
تقف نعمة محسن فى شرفة منزلها العائم. تلقى نظرة وداع على ذكريات 30 عاما عاشتها فى العوامة رقم 65 التى ترسو على نهر النيل بمنطقة الكيت كات فى محافظة الجيزة؛ حيث تستعد لمغادرة المكان الصادر بحقه قرار إزالة من وزارة الرى.
ففى 18 يونيو الجارى، أزالت وزارة الموارد المائية والرى ثلاث عوامات على نيل الكيت كات من إجمالى 32 عوامة سكنية، تعتبرها الوزارة غير مرخصة، ومخالفة للقانون.
تعيش نعمة مع ابنها الذى عاد إلى مصر فى السنوات الأخيرة بعد سنوات قضاها فى الخارج من أجل استكمال دراسته. عودة كانت تملؤها الذكريات والحنين إلى حضن النيل باستكمال حياته فى «العوامة»، لكن على ما يبدو أن الرحلة ستتوقف عند هذه المرحلة.
«تزوجت فى العوامة، وعشت فيها كل عمرى، ولا أتخيل حياتى دونها» تقول السيدة الخمسينية لـ«الشروق»، مؤكدة أنها التزمت طيلة فترة إقامتها فى العوامة بشروط الترخيص وبسداد الرسوم المستحقة، إلى أن فوجئت فى عام 2020 بوزارة الرى توقف تجديد التراخيص وتبلغهم لاحقا بإزالة العوامة لعدم سداد الرسوم، فضلا عن فرض غرامات وصل بعضها إلى مليون جنيه.
حال المهندس علاء الرفاعى لا يختلف كثيرا؛ فهو يعيش فى عوامة مساحتها نحو 180 مترا مربعا من طابقين، قال إنها كانت مملوكة للفنان صلاح السعدنى، وإنه اشتراها فى 2007 بنحو مليون و200 ألف جنيه، وأنه «لولا القرار الأخير لوصل سعرها اليوم إلى 10 ملايين جنيه».
يعيش الرفاعى منذ 2007 فى العوامة، يقول إنه ملتزم بكل الاشتراطات، ويجدد التراخيص اللازمة سنويا بعد الفحوصات المطلوبة كافة.
ولفت إلى أنه يستخدم المرسى بنظام حق الانتفاع، مشيرا إلى أن الرسوم المستحقة عن المرسى كانت 10 جنيهات عن المتر الطولى الواحد حتى عام 2005، وبعدها زادت إلى 20 جنيها، ثم 50 جنيها، و150 جنيها فى عام 2015.
وتابع: «اعتبارا من 2016 تغير أساس المحاسبة من المتر الطولى للمرسى إلى المتر المربع لمساحة العوامة مضروبا فى عدد الأدوار؛ فبعدما كنت أسدد نحو 7 آلاف جنيه سنويا أصبح مطلوبا منى 70 ألف جنيه، وهو ما يفوق الرسوم المقررة على العوامات السياحية».
واعتراضا على هذه الزيادة التى وصفها بـ«التعجيزية»، أشار إلى أن ملاك العوامات السكنية أقاموا دعاوى قضائية أحيلت جميعها إلى لجنة خبراء، ولم يبت فيها بعد، على حد قوله.
وقال الرفاعى: «فوجئنا فى عام 2020 بوقف التراخيص من المحافظة ووزارة الرى»، وقبل أيام وصلنى إنذار بالإزالة، وما يصل إلى 950 ألف جنيه رسوما متأخرة وغرامات مستحقة، متسائلا: «كيف ذلك والوزارة هى من أوقفت الترخيص؟!».
وتابع: «قبل أسبوع تقريبا أزالت وزارة الرى 3 عوامات قيل إنها لقيادات إخوانية، ومرَت لجنة على عواماتنا وصنفتها إلى (سكن مستديم) و(سكن غير مستديم) وفقا لحالة الإقامة فيها»، موضحا أن الأخيرة قطعت عنها الكهرباء والمياه تمهيدا لإزالتها.
«وزارة الرى خيرتنا بين تفكيك العائمة وإرسالها إلى ورش لتحويلها إلى نشاط تجارى، على أن تطرح المرسى فى مزاد علنى»، يقول الرفاعى، الذى أشار إلى أن «سماسرة سعوا لاستغلال الأزمة وعرضوا على البعض منهم سداد الغرامات وشراء العوامات».
وأملا فى قرار لوقف الإزالات، أرسل ملاك العوامات السكنية خطابات إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، وفق الرفاعى.
والعائمات السكنية (أو العوامات كما يسميها أصحابها)، سجلتها كتابات ومشاهد سينمائية شهيرة، منها رواية «ثرثرة فوق النيل» لأديب نوبل، نجيب محفوظ، وفيلم صعيدى فى الجامعة الأمريكية وغيرهما.
ويعترف القانون رقم 48 لسنة 1982 بالعوامات السكنية، إذ يلزم ملاكها بـ«إيجاد وسيلة لعلاج مخلفاتها أو تجميعها فى أماكن محددة، ونزحها، وإلقائها فى مجارى أو مجمعات الصرف الصحى ولا يجوز صرف أى من مخلفاتها على النيل أو مجارى المياه».
وخولت لمهندسى الرى التفتيش الدورى على هذه العوامات، فإذا تبين مخالفاتها لأحكام هذه المادة يعطى مالك العوامة مهلة ثلاثة أشهر لاستخدام وسيلة للعلاج وإزالة مسببات الضرر فإذا لم يتم ذلك بعد انتهاء المهلة المحددة يلغى ترخيص العوامة.
ونصت المادة السادسة على اختصاص وزارة الرى بإصدار تراخيص إقامة العوامات الجديدة وتجديد تراخيص العوامات القائمة، كما تختص بالتصريح بإقامة أى منشآت ينتج عنها مخلفات تصرف فى مجارى المياه.
وبدوره، قال وزير الموارد المائية والرى، الدكتور محمد عبدالعاطى، إنه سبق توجيه إنذارات لهذه العوامات المخالفة، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة جميعا بشأنها، وأن هذه الإزالات «رسالة واضحة لكل من تسول له نفسه التعدى على نهر النيل».
وأشار إلى أن أعمال إزالة باقى العوامات المخالفة بنطاق القاهرة الكبرى ستتواصل خلال الأيام المقبلة.
من ناحيته، قال أيمن أنور، رئيس الإدارة المركزية بقطاع حماية النيل بوزارة الموارد المائية والرى، إن العوامات المستهدفة بالإزالة ليست أثرية، كما يتردد، مؤكدا أن أحدا لن يقترب من «العوامات الاثرية، وأيضا السياحية والأندية النهرية».
وأوضح أنور، فى تصريحات لـ«الشروق»، أنه اعتبارا من عام 2011 أصبحت أوضاع العوامات السكنية غير قانونية «لم تجدد الترخيص ولا تملك رخصا للرسو»، مضيفا أنها «باتت متهالكة وليس لديها صلاحية فنية، بخلاف التلوث الذى تسببه».
وتابع أنور: «منحنا السكان فرصة للتحرك، وأرسلنا إليهم إنذارات مسجلة بعلم الوصول، والتقيت بعضهم فى مكتبى ونصحتهم بإرسالها إلى ورشة ومن ثم إلى الجهات المختصة لإمكان تحقيق أقصى استفادة ممكنة فى ضوء رؤية صاحب العوامة».
ونبَه إلى أن أكثر من 70% من العوامات المستهدفة لا تستخدم فى أغراض السكن، مضيفا: «هناك عوامة مثلا تعمل فى التسويق الإلكترونى».
وينفى المسئول فى وزارة الرى عدم إنذار ملاك العوامات، قائلا: «وجَهنا إنذارات بالإزالة مسجلة بعلم الوصول، وأيضا إنذارات بالحجز الإدارى والبنكى، فكيف لم نبلغهم؟!».
وقبل 24 ساعة من الموعد المقرر لإزالة دفعة ثانية تشمل 15 عوامة، أعلنت وزارة الرى، يوم الإثنين، تنفيذ أعمال إزالة للرسو المخالف لعدد 11 عوامة سكنية فى العجوزة والكيت كات، بالتنسيق مع أصحاب العوامات وبمعرفتهم.