قال المستشار ماهر البحيري، الرئيس السابق للمحكمة الدستورية العليا: إن أزمة اختصاصات الهيئات القضائية في الدستور "مشكلة لا محل لها إطلاقًا، ولا يجوز أن تصبح عقبة في سبيل إخراج الدستور إلى النور والدفع بالعجلة إلى الأمام، لا سيما وأن هذه الاختصاصات يمكن تنظيمها بالقوانين بعد فترة، وبعد دراسة شاملة وبالاتفاق بين الجميع عقب الانتهاء من التعديلات الدستورية الحالية".
وأضاف البحيري، في تصريحات خاصة لـ"الشروق"، أن مطالبة أعضاء النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة بالحصول على بعض اختصاصات مجلس الدولة القائمة هي في حقيقتها "مطالبات فئوية وانتهاز للفرصة واستغلال للظروف الحالية لطلب اختصاصات إضافية".
وأوضح أن الاختصاصات التي يطالب البعض بسلبها من مجلس الدولة "أكيدة وأصيلة له ولا يوجد ما يدعو لنزعها منه"، منتقدًا بصفة خاصة فكرة القضاء التأديبي التي يدعو لها أعضاء النيابة الإدارية كبديلة للمحاكم التأديبية القائمة في مجلس الدولة منذ الخمسينيات من القرن الماضي، مؤكدًا أن "النيابة الإدارية لا تصلح لدور الفصل في المنازعات التأديبية قياسًا بالمبادئ القضائية والدستورية الراسخة؛ لأنها سلطة التحقيق التي تحرك الدعوى التأديبية ضد الموظفين في هذه المنازعات".
وشدد البحيري على أنه لا يجوز لسلطة التحقيق أن تتحول إلى سلطة فصل في الدعاوى، وأن الادعاء بأن إنشاء هيئة جديدة للقضاء التأديبي بدلا من المحاكم التأديبية بمجلس الدولة سيسرع الفصل في الدعاوى "هو كلام غير مقبول منطقيًّا أو قانونيًّا، لأن إنشاء هيئة جديدة سيتكلف وقتًا أطول ومصاريف مالية أكبر، كما أنه يهدر الخبرة القضائية في مجال التأديب والتي اكتسبها قضاة مجلس الدولة منذ عشرات السنين".
واستطرد البحيري قائلا: "كان الأفضل من هذه الفكرة تنفيذ وجهة النظر التي أثيرت من قبل بضم النيابة الإدارية إلى مجلس الدولة، لتكون هي جهة التحقيق التي تحيل القضايا إلى المحاكم التأديبية، فهذا الأمر في نظري أكثر منطقية، لا سيما وأن جهة الفصل في المنازعات تكون أعلى درجة من جهة التحقيق التي تحرك الدعوى، تمامًا كما هي العلاقة بين المحاكم العادية والنيابة العامة".
واستنكر الرئيس السابق للمحكمة الدستورية إثارة هذا المقترح رغم عدم وجود أي معلومات عن فشل أو عجز أو تقصير المحاكم التأديبية بمجلس الدولة في أداء واجبها، مشيرًا إلى أنه لا يمكن قبول اقتراح قد يحدث هزة في الاختصاصات المستقرة لهيئة قضائية قائمة إلا إذا ثبت عدم صلاحيتها فنيًّا، وهذا لم يحدث.
وتعليقًا على مطالبة هيئة قضايا الدولة بأن تكون لها اختصاصات مراجعة العقود والإفتاء والتشريع، بحجة أنها كانت تملك هذه الاختصاصات قبل إنشاء مجلس الدولة عام 1946، قال البحيري: "يمكن أن نقبل إسناد اختصاص إعداد العقود إلى هيئة القضايا باعتبارها محامي الحكومة، والشخص العادي عندما يريد أن يبرم عقدًا فهو يلجأ لمحاميه الخاص، لكن ليس مقبولا الحديث عن استرداد اختصاصات كانت من دواعي إنشاء مجلس الدولة في الأساس".
وأردف مستنكرًا: "أنشئ مجلس الدولة وأسندت إليه هذه الاختصاصات حصريًّا، فلا يجوز سحبها منه مرة أخرى بعدما استقرت له، وبالقياس، فإن المحكمة الدستورية التي أنشئت بعد كل الهيئات القضائية حصلت عند إنشائها على اختصاصات بعضها كان مقررًا لجهات أخرى، فهل يجوز الآن سحبها؟".