في قلب قلعة قايتباي الأثرية، أُطلق مؤخرًا مركز الزوار الجديد، ليكون نافذة حديثة تطل على التاريخ العريق لمدينة الإسكندرية، ويأتي المشروع ضمن استراتيجية وزارة السياحة والآثار لتعزيز التفسير المتحفي بالمواقع الأثرية، ويمنح الزائر تجربة ثقافية متكاملة تبدأ من الفنار وتنتهي بالقلعة.
داخل المركز، لوحات معلوماتية ثنائية اللغة، العربية والإنجليزية، مدعّمة بخرائط ومخططات معمارية دقيقة، تروي بأسلوب بصري مبسط التسلسل التاريخي والمعماري لمنطقة الميناء الشرقي، حيث كان يُقام فنار الإسكندرية، أحد عجائب الدنيا السبع القديمة.
ويضيف عنصر العرض المرئي للمكان بُعدًا تفاعليًا جديدًا، حيث تُعرض مادة فيلمية توثّق موقع الفنار القديم والآثار الغارقة المحيطة به، ما يجعل الزائر في قلب الزمن، يشاهد ما كان عليه المشهد في العصر البطلمي والمملوكي والعثماني وحتى الحقبة الحديثة.
وقال محمود أيمن، محاسب وأحد الزائرين، إن التجربة مختلفة تمامًا عن زياراته السابقة، مؤكدًا أن العرض التفاعلي للموقع الغارق جعل من زيارته للقلعة تجربة لا تُنسى، مضيفًا أن اللوحات توفر المعلومات باللغتين العربية والإنجليزية.
وقالت إيمان حسن، إحدى الزائرات، إن المعروضات والخرائط والمقاطع المصورة تقدم سردًا مبسطًا وجذابًا، يمنح شعورًا بالانغماس في تاريخ الإسكندرية البحري.
وقال عبد الرحمن فوزي، مدير بإحدى الشركات وزائر، إنه سعيد بأن المعروضات جاءت بأسلوب مبسط وواضح، مضيفًا أن المعلومات سهلة، وهذا يُتيح فرصة للأطفال والأجيال الجديدة لفهم تاريخ القلعة، لا باعتبارها مجرد مبنى قديم.
ومن جانب آخر، قال الدكتور محمد متولي، مدير عام آثار الإسكندرية، في تصريحات خاصة لـ"الشروق"، إن المشروع يهدف إلى تعزيز التواصل الثقافي مع الجمهور، وإبراز الإسكندرية كمركز تاريخي وثقافي بارز، مشيرًا إلى أن الإقبال كبير من الزائرين على المركز الذي يسلط الضوء على النطاق الأثري المحيط بالقلعة، بما يشمله من مواقع بارزة مثل الفنار القديم والميناء الشرقي.
وأضاف متولي، أن القلعة لعبت دورًا محوريًا في تطور منظومة التحصينات الدفاعية على الساحل الشمالي، بدءًا من العصر المملوكي وحتى عهد محمد علي باشا، الذي أضاف تحصينات جديدة دعمت مكانة القلعة كحصن بحري متقدم، مضيفًا أن الاهتمام بتجربة الزائر لم يتوقف عند المحتوى البصري، إذ تم تخصيص مقاعد للاستراحة داخل المركز، تتيح للزوار الاستمتاع بالمعلومات وسط أجواء أثرية خلابة تطل على البحر.
وأشار متولي، إلى أن قلعة قايتباي أُنشئت بين عامي 1477 و1479م بأمر من السلطان الأشرف قايتباي، على أنقاض الفنار الشهير الذي تهدّم نهائيًا بفعل زلزال القرن الرابع عشر، وتضم القلعة معمارًا دفاعيًا متكاملًا يشمل سورين داخليًا وخارجيًا، مسجدًا، طاحونة، فرنًا، ومخازن للأسلحة، إضافة إلى مقعد يُطل على الميناء الشرقية لمراقبة حركة السفن، وتبلغ مساحتها نحو 17,750 مترًا مربعًا.
وأضاف أن القلعة تواصل اليوم دورها كجسر بين الماضي والحاضر، حيث تتحول من حصن حربي إلى منصة ثقافية تعرض بقايا حضارة غارقة، وتُعيد إحياء صفحات منسية من تاريخ المتوسط.