مجتمعنا الفاضل ينتهك الرضيعة المغتصبة - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مجتمعنا الفاضل ينتهك الرضيعة المغتصبة

نشر فى : السبت 1 أبريل 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : السبت 1 أبريل 2017 - 9:55 م
ثمة ما يقلق فى «انتفاضات الشرف» التى تحدث فى مصر من حين لآخر. «العرض» وكل ما يرتبط أو يتصل بالجنس أو بذلك العضو الكائن بين ساقى المرأة أو البنت أو الطفلة هو المحدد الرئيسى لدرجة القلق التى يشعر بها المجتمع عندما يتعلق الأمر بجريمة من الجرائم.

والمزعج هنا أن هذه الانتفاضات لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالضحية أو بمن وقع عليها الانتهاك بقدر ما تتعلق برغبة المجتمع فى الإحساس بأنه ما زال مجتمعا فاضلا.

خذ حادث «اغتصاب طفلة البامبرز» مثلا لذلك. نحن أمام جريمة أعقبها حالة انتهاك جماعى لرضيعة ولحقها الأساسى فى مستقبل آمن، المجتمع الذى أعلن إدانته للجريمة، ضحى بالطفلة وبحقها فى حماية اسمها ومستقبلها من أجل مظاهرة فجة للتضامن مع الفضيلة.

فى المجتمعات الأكثر نضجا يتمتع الأحداث والأطفال بحقوق فى الخصوصية تجرم الكشف عن هويتهم عند أى تغطية إعلامية تتعلق بجرائم تتصل بهم، مهما كان دورهم فيها. لا يسمح لوسيلة إعلامية بنشر ما يمكن أن يكشف شخصياتهم أو يشير إليها سواء أكان الطفل ضحية أو شاهدا أو حتى متهما بارتكاب جريمة. ويمنع منعا باتا التصريح بالاسم، أو المدرسة أو مكان الإقامة كما يحظر بشكل قاطع نشر أى صور متحركة أو ثابتة للطفل. لهذا السبب يشار إلى ضحايا مثل هذا بحروف رمزية ليست حتى بالضرورة الحروف الأولى من أسمائهم لحماية هويتهم.

الحق فى الخصوصية وحجب المعلومات فى مثل هذه الجرائم يهدف إلى حماية الطفل أو الطفلة من التشهير وإساءة السمعة، وهى مسألة تكتسب بعدا أكثر أهمية فى مجتمع يرى أن جرائم انتهاك الجسد تشين الضحية أحيانا أكثر مما تشين المجرم، ومن السهل فيه أن يلتصق الجرم والقصة بالإنسان مدى الحياة.

المجرم فى حالة «طفلة البامبرز» ليس المعتدى عليها فحسب، وإنما هو مجتمع كامل انشغل بالتأكيد لنفسه على أنه مجتمع فاضل، وتسابق مسئولوه للتمسح بشعارات الفضيلة، فارتكبوا مزيدا من الانتهاكات فى حق الرضيعة التى لم يتجاوز عمرها عامين، عقب الإعلان عن الجريمة تبارى الجميع فى الكشف عن هوية الطفلة ومكان إقامتها وكل التفاصيل المتعلقة بها، فعرفنا اسمها، واسم عائلتها حتى الجد الخامس، إضافة إلى اسم القرية التى تعيش فيها، ورأينا توثيقا بالصوت والصورة فى مكان الحدث مع الجيران والأقارب.

تسابق المسئولون لالتقاط الصور فى منطقة الجريمة، وعندما توجهت أطقم التصوير التليفزيونى لـ«كشف أكبر سر وراء اغتصاب طفلة البامبرز»، ظهر بالمصادفة فى موقع الحدث عمدة القرية ووكيل وزارة الصحة، ومديرة الإدارة الصحية و«جميع القيادات وعلى رأسها سيادة المحافظ» الذى ظهر فى أكثر من برنامج تليفزيونى مؤكدا على أهمية توعية المجتمع بكيفية التعامل مع الطفل، لم نشاهد أى متخصص فى التأهيل النفسى إلا أن سيادة المحافظ أفاض من خبرته فى هذا الجانب وطمأن المشاهدين قائلا: «بتوع التنمية البشرية جايين ورايا على طول ومعاهم لعب أطفال عشان نرجعها للطفولة».

وفى مداخلته فى برنامج «صبايا الخير» الذى انفرد بنشر صورة الطفلة، تحدث المحافظ مطولا عن المشكلات التى يمكن أن تواجهها الطفلة فى المستقبل كنتيجة للجريمة، دون أى إدراك لمشاركته الفعالة فى تدمير مستقبلها والتشهير بها، بالتعاون مع منظومة الإعلام الفاضل، ليس فقط فى محيط البلدة وإنما على مستوى العالم العربى كله!.

آن الأوان لتجريم هذا الانتهاك الإعلامى الفج والمتكرر لخصوصية الطفل بسبب أثره الذى قد يستمر مدى الحياة، ومن يتغاضون عن هذه الجريمة أو يصرون على الاستمرار فى ارتكابها ينبغى أن يصبحوا فى عرف القانون مجرمين.

 

التعليقات