هل الإنجاب حق مطلق للإنسان - فيس بوك - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 4:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل الإنجاب حق مطلق للإنسان

نشر فى : الثلاثاء 1 مايو 2018 - 10:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 1 مايو 2018 - 10:35 م

أثار عدم إقبال النساء فى العديد من الدول الأوروبية على عدم الإنجاب، حرصا على رشاقتهن أو لانشغالهن فى الحياة العملية بأعمال لا تترك مجالا لرعاية الطفل ــ الخوف من انقراض شعوب هذه الدول تدريجيا. وقد تم عقد ندوات بالعديد من المؤسسات العلمية والاجتماعية لمواجهة هذه المشكلة، وحل المعادلة الصعبة التى تتمثل فى التعارض بين إطلاق حق الإنسان على جسده وحماية حق المجتمع فى الحياة.

وقد أُتيح لى المشاركة فى إحدى هذه الندوات بأكاديمية القانون الدولى، لمناقشة هل حق المرأة على جسدها وهو حقٌ مطلق، ومن ثمَّ يُبيحُ لها حرية الاختيار بين إنجاب ما تريده من أطفال أو عدم الإنجاب، وذلك دون أى اعتداد بالصالح العام للمجتمع. وطالبتُ فى إحدى الندوات بمناقشة الوجه الآخر لهذا التساؤل الذى يخُصُّنا فى مصر والدول النامية، ألا وهو مدى حق المرأة وأسرتها فى إنجاب أى عددٍ من المواليد كما يشاءون، دون الأخذ فى أى اعتبار بضرورة حماية المجتمع من خطر الانفجار السكانى، الذى قد يقضى على الأخضر واليابس. وقد أثار الحوارُ بطبيعة الأمر السؤالَ الجذرى السابق ذكره وهو هل يحق للمرأة أن تنفرد بقرار تحديد إنجاب ما تشاؤه من عدد أم يتعين الحرص على مدى توافق ذلك مع مصلحة المجتمع والدولة.

لم تنجح الندوات الدولية فى حسم هذا الإشكال فيما يتعلق بانقراض السكان فى بعض الدول الأوروبية، ومن ثمَ فتحت أبوابها للمهاجرين من دول أخرى من شأنهم تحوير عِرق المجتمع وثقافته، وذلك لتعويض النقص السكانى الخطير فى الموارد البشرية.

ومن المعلوم أنَ القانون الدولى والمواثيق الدولية تُلزم الدول بالالتزام باحترام ما يُعرف بالحقوق اللصيقة بالإنسان التى لا يجوز المساس بها inalienable human rights ومن بينها حق الإنسان على جسده. غير أنَّ المواثيق الدولية قد أجازَت فى الوقت نفسِه للدولة اتخاذ ما قد يلزم من إجراءات ضرورية قد تتطلبها حمايتها إذا ما تعرضت لمخاطر لا تُحمد عقباها. وقد لا تخلو هذه الإجراءات بالضرورة من الحد من الحقوق المطلقة للمواطنين، ومن ثمَ من حق الدولة إن لم يكن من واجبها لحماية كيانها اتخاذ ما يلزم من إجراءات فى مواجهة شقى هذه المشكلة سواء تناقص السكان فى العالم الغربى، أو الانفجار السكانى فى العالم الثالث، مادام التشريعات العادية فى مواجهة هذا الوضع الاجتماعى الخطير لم تنجح.
ومما يُذكر أن الرئيس الأسبق أنور السادات دعا إلى حل مشكلة الكثافة السكانية بوسيلة ناعمة تتمثل فى التشجيع على الهجرة إلى الخارج، ويحضرنى فى هذا المقام توجيهه الصريح للجنة وضع تشريع الجنسية المصرية عام 1975 بتيسير الهجرة إلى الخارج؛ وذلك بتسهيل الإذن لكل من يريد اكتساب جنسيات أخرى بل والسماح له فى الوقت ذاته بالاحتفاظ بالجنسية المصرية. وبذلك يتم تحقيق هدفين معا ألا وهما تخفيف العبء عن الدولة فى تلبية حاجة السكان من ناحية، ومن ناحية أخرى تدعيم مركز مصر دوليا وذلك بتشكيل جاليات مصرية تُدافع عن حقوق مصر لدى الدول الأجنبية أو حتى تولى مناصب قيادية فى هذه الدول. وقد فتحت سياسة التشجيع على الهجرة باب الرزق بل والثروة أمام بعض شرائح الشعب كما حققت فعلا نشأة جاليات مصرية تشكل جماعات ضغط سياسى فى المهجر. غير أنَّ هذه الجماعات لم تكن دائما على وئام مع سياسات الحكومة المصرية، كما أن معظم الذين هاجروا كسبا للرزق عادوا إلى مصر فى نهاية المطاف وهو ما أدى إلى مشاكل اجتماعية وسياسية معروفة. بل إنَ هذا السماح بالهجرة قد حرم مصر من فريقٍ مهم من العناصر المتميزة وكبار المهنيين الذين فضلوا البقاء فى الخارج لتحقيق أهداف تعذر عليهم تحقيقها فى مصر.

ومن ثمَ فإنَ السبيل الوحيد الكفيل بوضع حد للكثافة السكانية التى تُهدد مستقبل الجماعة المصرية هو النص تشريعيا على وجوب اكتفاء الأسرة المصرية بعدد محدد من المواليد، وذلك حماية للمجتمع بل وحماية هذه الأسر نفسها. ويتعين بطبيعة الحال اهتمام الدولة الجاد والكامل بتقديم جميع الوسائل الطبية اللازمة لإعمال الحد المطلوب من الإنجاب، هذا مع النص على جزاءات رادعة للمخالفين كما فعلت دولٌ أخرى تمكنت بذلك من تجاوز هذا المأزق والنهوض بمجتمعاتها.

ولم يعد هناك بدٌ من إصدار هذه التشريعات فى أقرب وقت، ذلك أن جميع المحاولات السابقة للدولة بمناشدة المواطنين وحث رئيس الدولة بالذات المواطنين على تنظيم الأسرة، كما أنَ حث الكتاب والمثقفين لم يألوا جهدا فى حث المواطنين على الحد من الإنجاب وبيان مخاطره، غير أن هذه الدعوات والمناشدات لم تلقَ استجابة كافية نظرا لتشبث شرائح عديدة من المجتمع بالتقاليد الموروثة، والخطاب الدينى اللذين يحثان على زيادة النسل.
وجدير بالذكر أن من أصول الفقه الإسلامى العتيدة المبدأ المعروف بأنَ «دفع الضرر مقدمٌ على جلب المنفعة». وليس ثمة خلافٌ فى أنَّ الضرر الذى قد يحيق بالمجتمع وتدهور جميع مناحى الحياة فيه من طعام وشراب ومأوى وتعليم من جرَاء الانفجار السكانى، يفوق بمراحل مصلحة بعض شرائح المجتمع فى الإكثار من الإنجاب سواء لتدعيم مكانة الأسرة الاجتماعية خاصة بالريف وصعيد مصر، أو الكسب المالى من وراء عمالة الأطفال المحرَمة دوليا وقوميا.

فؤاد عبدالمنعم رياض
قاض بالمحكمة الدولية لجرائم الحرب سابقا

التعليقات