2973 سنة حب وخير وسلام - فيس بوك - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

2973 سنة حب وخير وسلام

نشر فى : الأربعاء 18 يناير 2023 - 7:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 18 يناير 2023 - 7:20 م

نشر الكاتب الجزائرى واسينى الأعرج مقالا له على مواقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، تحدث فيه عن التقويم الأمازيغى فى شمال أفريقيا وكيف بدأ، كما تناول مظاهر الاحتفال بالسنة الأمازيغية والتى تختلف من بلد لآخر، بل وداخل البلد الواحد. تعد رأس السنة الأمازيغية مناسبة تذكرنا بعلاقتنا بالأرض وبالفلاحة، وبضرورة استعادة قيم الأجداد فى التعامل مع المحيط البيئى، بنظرة حكيمة ومتوازنة، فى وقت تدق فيه البشرية ناقوس الخطر لمواجهة تغير المناخ... نعرض من المقال ما يلى.
سماء واحدة، وأرض واسعة، وألوان لا تحصى. كل سنة وأجدادى الأمازيغ الأشاوس بألف خير.. وكل سنة والجزائر بكل مكوناتها الثقافية والإثنية والدينية بألف خير.
• • •
بحلول الثانى عشر من يناير من كل سنة يحتفل سكان شمال أفريقيا بحلول رأس السنة الأمازيغية التى تصادف هذه السنة مرور 2973 سنة على بداية احتفال سكان شمال أفريقيا بهذه الذكرى الذى يدل على أن التقويم الأمازيغى يعتبر من بين أقدم التقويمات التى استعملتها الإنسانية على مر العصور، حيث استعمله الأمازيغ قبل 951 ق م. وبخلاف التقويمين الميلادى والهجرى فإن التقويم الأمازيغى غير مرتبط بأى حدث دينى أو عقائدى، بحيث ارتبط بحسب بعض المؤرخين بحدث سياسى تاريخى وبحسب البعض الآخر بحدث أسطورى فى الثقافة الشعبية الأمازيغية. وهكذا ففى الوقت الذى ذهب فيه أصحاب التيار الأسطورى إلى أن بداية هذا التقويم ارتبط بالمعتقدات الأمازيغية القديمة التى تحكى على أن امرأة عجوز استهانت بقوى الطبيعة واغترت بنفسها وأرجعت صمودها فى الشتاء القاسى إلى قوتها ولم تشكر السماء فغضب يناير ــ رمز الخصوبة والزراعة ــ منها ومن تصرفها فطلب من شهر فبراير أن يقرضه يوما حتى يعاقب العجوز على جحودها فحدثت عاصفة شديدة أتت على خيرات أراضى تلك العجوز ومنه تحول ذلك اليوم فى الذاكرة الجماعية رمزا للعقاب الذى قد يحل بكل من سولت له نفسه الاستخفاف بالطبيعة، لذلك كان الأمازيغ السكان الأصليون لشمال أفريقيا يستحضرون يوم العجوز ويعتبرون يومها يوم حيطة وحذر يتجنبون الخروج فيه للرعى والأعمال الزراعية وغيرها مخافة من قوى الطبيعة ويكرسونه للاحتفال بالأرض وما يرتبط بها من الخيرات الطبيعية.
هذا فى الوقت الذى ذهب فيه البعض الآخر إلى أن السنة الأمازيغية مبنية على واقعة هزم الأمازيغ للمصريين القدامى واعتلاء زعيمهم شيشرون للعرش الفرعونى وذلك سنة 950 ق.م بعد الانتصارى على الملك رمسيس الثالث من أسرة الفراعنة. وتوثق النقوش التاريخية المحفورة على عدد من الأعمدة فى معبد الكرنك فى مدينة الأقصر بمصر لهذا النصر العسكرى وتتحدث هذه الآثار بالتفصيل عن الأسرة الأمازيغية الثانية والعشرين. وبعد ذلك بدأ الأمازيغ يخلدون كل سنة ذكرى هذا الانتصار التاريخى اعتبارا من الانتصار فى المعركة أصبح ذلك، اليوم رأس سنة جديدة حسب تقويم خاص بحيث اقتبسوا عن الرومان أصل تقويمهم وعدله الشىء الذى ظهرت معه إلى الوجود الشهور الأمازيغية وفى كلتا الرؤيتين فإن احتفال المغاربة بالسنة الفلاحية تعبير عن تشبثهم بالأرض وخيراتها ويتجلى ذلك فى الطقوس المرتبطة بالاحتفال حيث يتم بالمناسبة إعداد العديد من المأكولات والوجبات التقليدية المتعارف عليها والتى تختلف باختلاف المناطق وبأنواع المحصولات المنتجة بها من حبوب وخضر وغيرها، ويتم إعداد «إمنسى» العشاء احتفاءا بالسنة الأمازيغية، والطعام الذى يقدم يجب أن يشكل رمزا لغنى وخصوبة ووفرة المحصول والذى يتكون بحسب المناطق.
• • •
تختلف طقوس وعادات وتقاليد الاحتفال بالسنة الأمازيغية داخل بلدان شمال أفريقيا من منطقة إلى أخرى، بل نجد أن هذه العادات والتقاليد تختلف حسب الجهات المكونة لبلد واحد. ففى المغرب ورغم اختلاف الاحتفال من منطقة إلى أخرى نجد هناك تقليدا مشتركا بين جميع المناطق، ويتمثل فى قيام النساء فى اليوم الأخير من السنة المقبلة على نهايتها على إعداد وجبات أكل خاصة تتفاوت مكوناتها من جهة لأخرى.
فى الأطلسين الصغير والكبير يتبادل السكان خلال هذا اليوم التهانى والتحيات، وغالبا ما يكون الاحتفال مشتركا بين الأقارب والجيران الذين يمارسون بشكل جماعى فقرات من الرقص والغناء، وتطبخ النساء شربة «ؤركيمن» التى يستعمل فيها جميع أنواع الحبوب والقطانى التى أنتجتها الأرض خلال تلك السنة، ويحرصن على الانتهاء من طهيها قبل غروب الشمس، وذلك قصد توزيع جزء منها على أطفال القرية أو الحى، هؤلاء الذين يطوفون على البيوت مرددين بصوت واحد (ئوركيمن، ئوركيمن، ئوركيمن...)، وتعتبر هذه الشربة من الوجبات الضرورية التى يجب على كل أسرة أن تتناولها فى ليلة رأس السنة مع ترك الاختيار طبعا فى أن تضاف إليها وجبات أخرى حسب إمكانيات كل أسرة... ومن الراجح جدا أن هذه الشربة هى التى تطورت لتصبح شربة ــ الحريرة ــ التى يكثر المغاربة فى شربها حاليا خاصة خلال شهر رمضان، كما يستهلك السكان بهذه المناسبة كميات كبيرة من اللحوم خاصة لحوم الدواجن التى تذبح عند عتبات المنازل لصد جميع أنواع الشرور التى قد تصيب الإنسان، كما يتم إعداد طعام الكسكس من دقيق الشعير ومن جميع أنواع الحبوب والخضر المعروفة فى منطقة الأطلس، كما توضع فوق الموائد أطباق تقليدية «إينوذا» مليئة بالفواكه الجافة من لوز وجوز وتين وزبيب... وتعمل النساء على تنظيف البيوت وتزيينها، ويضع الرجال قصبا طويلا وسط الحقول حتى تكون الغلة جيدة وتنمو بسرعة، فيما الأطفال يقومون بقطف الأزهار والورود ووضعها عند مداخل المنازل وبتغطية أرضية حظائر الحيوانات الداجنة بالأعشاب الطرية. ويرتدى الجميع ملابس جديدة، وتحلق رئوس الصغار وتعهد ظفيرتهم.
فى قبائل دادس وإيمغران وتدغت وأيت عطا على سبيل المثال، تقوم النساء يإعداد طبق كسكس يسقى من مرق مكون من اللحم وسبع خضر أو أكثر، يضعن فيه نوى تمر واحد، يعتقدن أن من يجد هذه النوى أثناء الأكل سيكون سعيدا ويعتبر المحظوظ والمبارك فيه خلال السنة. ومن الأقوال المأثورة أيضا عند سكان هذه القبائل أن من لم يشبع من الطعام فى ليلة رأس السنة فإن الجوع سيطارده طيلة تلك السنة. ومن جملة هذه المعتقدات كذلك أنه إذا أمطرت السماء فى تلك الليلة أو فى اليوم الأول من السنة الجديدة، فإن الأمطار ستنزل بغزارة خلال هذه السنة وسيكون الموسم الفلاحى جيدا وتكون المحاصيل الزراعية مهمة.
أما فى منطقة حاحا فإن النساء يقمن خلال ليلة رأس السنة بوضع ثلاث لقمات قبل النوم فى سطوح المنازل، ورقم ثلاثة يرمز إلى الشهور الثلاثة الأولى من السنة: يناير، فبراير و مارس، واستدرارا للمطر يرشن من بعيد المكان الذى وضعت فيه اللقمات بشيء من الملح، وفى الغد يقمن بتفحص هذه اللقمات، ويعتقدن أن اللقمة التى سقط عليها الملح تحدد الشهر الذى سيكون ممطرا.
إضافة إلى ما سبق، فإن سكان منطقة فكيك يحضرون ما يسمونه «الكليلة» وهو لبن يتم تجفيفه محليا فى مواسم وفرة الحليب، إذ يحول إلى حبوب تشبه الحصى، وخلال احتفالات رأس السنة يصبون الماء على هاته الحبوب ويصنعون منها لبن الكليلة الذى يوزع على الضيوف وأفراد العائلة، وغالبا ما يوزع إلى جانبه اللبن الطرى إذا توفرت عليه العائلة يوم رأس السنة.
وفى قبائل أيث ورياغل ــ أيث تمسمان ــ أيث وليشك ــ أيث توزين ــ إقرعيين ــ أيث سعيد... فإن عادات الاحتفال تكاد تتشابه فيما بينها، إذ يتم توفير بعض الفواكه الجافة وخاصة التين والزبيب وإعداد وجبات من الحبوب والقطانى مثل: ثيغواوين أو تيموياز التى يتم إعدادها بتحميص القمح أو الشعير ووجبة إمشياخ التى تجمع بين القطانى كالعدس والفول والجلبان والحبوب وخاصة الذرة والقمح إضافة إلى الثوم، كما يتم إعداد وجبة البقول إغديون أو إوذب حسب إقرعيين وذلك من النباتات التى تكون موجودة فى فترة الاحتفال. أما فى وجبة العشاء التى تعتبر أساسية فيتم إعداد عدد كبير من الرغايف أو ثاغيفين أو رمسمن وكمية مهمة من التريد وهو نوع من الرغائف الرقيقة والدائرية، كما يتم ذبح ديك بلدى وطبخه فى المرق الكثير دون فواكه، ويتم تقطيع مختلف الرغائف التى تم إعدادها فى حصن أو قصعة كبيرة لإعداد أبون أو أرفيس ويصب عليها الدجاج المطبوخ بمرقة ولحمة. وإلى هذه الوجبات تضاف فى بعض المناطق كتمسمان وأيث توزين، بعض الفواكه الطرية الموجودة والبيض المسلوق الذى يوضع فوق الرفيس.
أما فى قبيلة أيث ورياغل فيمكن ذبح أكثر من ديك إذا كانت العائلة ميسورة ويوضع إلى جانب المأكولات السابقة الذكر اللبن وخاصة لبن الماعز الذى يكون فى هذه الفترة من السنة بخلاف حليب الأبقار الذى لا يتوافر بكثرة عند حلول السنة الأمازيغى. وتشترك جل القبائل الامازيغية فى رأس السنة الأمازيغية.

التعليقات