ظاهرة الانتحار - عمرو هاشم ربيع - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 9:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ظاهرة الانتحار

نشر فى : الخميس 2 مارس 2023 - 8:10 م | آخر تحديث : الخميس 2 مارس 2023 - 8:10 م
تعددت فى الآونة الأخيرة حالات الانتحار فى مصر. إحصاءات كثيرة، بعضها عن محاولات الانتحار، وبعضها الآخر عن المحاولات التى نجح أصحابها فى تحقيق غايتهم.
عدد المنتحرين متباين بشكل كبير، فأرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلى العشرات سنويا، بينما يقول بيان آخر إنه فى العام 2021 حاول 2584 شخصا الانتحار(ندوة المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فى اليوم السابع 18يناير2022) هنا نشير إلى ما صرح به جمال فرويز استشارى الطب النفسى بالأكاديمية الطبية، بأن 90% من حالات الانتحار فى مصر غير مسجلة بهذه الصفة (اليوم السابع 10 أبريل 2018). ويبدو أن ذلك يرجع لخوف أهل المنتحر من نظرة الناس لهم إذا ما تكشف السبب الحقيقى للوفاة، وكذلك وصف المنتحر دينيا بكونه كافرا. وعامة، فإن الرقم الأخير، نظرا لكبره، فإنه يبدو أنه يشتمل على حالات الانتحار ومحاولة الانتحار معا.
عن أسباب الانتحار، نجد أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هى السبب الرئيس فى كل حالات الانتحار، فالبطالة، وغلاء المعيشة، والخشية من الفشل الدراسى أو حدوثه، والأسباب العاطفية المرتبطة بسن المراهقة، والتهميش من المحيط الصغير والكبير للمنتحر، والخشية من الفضائح الإلكترونية المرتبطة بحالات الابتزاز، والخلافات الزوجية خاصة والعنف الأسرى عامة لا سيما المرتبطة بالعنف الجسدى، وفقدان الونيس والصديق، والتنمر، وكل هذه الأمور رغم كونها منتشرة فى جميع البيوت المصرية، إلا أنها لو أفضت إلى اكتئاب كمرض نفسى خطير، فالأرجح أن تؤدى إلى الانتحار.
المناطق الريفية التى كانت تتسم بالسكينة، حتى وقت قريب، حيث تتركز عمليات الانتحار غالبا فى المناطق الحضرية، أصبحت هى الأخرى موئلا لحالات كثيرة للانتحار. الانتحار بما يسمى حبة القمح أو الغلة، التى تمنع تسوس القمح المخزن بالأجولة، وهى عبارة عن الألومنيوم فوسفيد، أصبحت هى الأسلوب الشائع اليوم للإقبال على الانتحار بالريف. ففى دراسة المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدنى وحقوق الإنسان، فإن حالات الانتحار التى وقعت خلال الفترة من إبريل ــ سبتمبر2022، تمت بوسائل متعددة، وأن حبة القمح والحبوب السامة هى الوسيلة الثانية للانتحار خلال فترة الدراسة، فى 46 من 186 حالة، بنسبة نحو25% (رصد 7 ديسمبر2022) . وكى ندلل على ارتباط الظاهرة بالحضر، رغم أن السويس وبورسعيد الأكثر تحضرا من أقل المحافظات للظاهرة، نشير إلى أن الدراسة السابقة وجدت أن الإسكندرية ثم القاهرة شهدت أكثر من نصف حالات الانتحار خلال فترة الدراسة (26% و28% على الترتيب).
بعيدا عن العلاقة بين درجة التحضر وعمليات الانتحار، هناك أمر أخر مرتبط بالنوع، إذ يتبين من واقع حالات الانتحار المعلن عنها، إن تلك الحالات تنتشر بين الذكور أكثر من الإناث. هنا نذكر إحصاء أعده الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء (بوابة الشروق28 يونيو2022)، يشير إلى أنه خلال الأعوام ٢٠١٨ و٢٠١٩ و٢٠٢٠ وقع عدد 89 و75 و101 حالة انتحار، منها على الترتيب 66 و54 و74 ذكورا، بنسب متقاربة تقدر بـ 74% و72% و73% على التوالى. وعامة، قد يجد هذا الأمر تفسيره لكون الأسباب المذكورة أنفا والداعية للانتحار، يتفاعل معها الذكور أكثر من الإناث. وعامة، فقد عزز الارتباط السابق دراسة المؤسسة العربية سالفة الذكر، التى ذكرت أن 66% من الحالات خلال فترة الدراسة المشار إليها ذكورا.
الأمر الثالث، هو أن حالات الانتحار رغم كونها عامة فى مختلف الأعمار، إلا أنها تتزايد بين الشباب فى العقدين الثانى والثالث، أكثر من أى مرحلة عمرية أخرى. هنا تبدو الأسباب الأسرية والمرتبطة بالتعليم على وجه التحديد خير مجيب على تفسير ذلك. أيضا من المهم هنا الإشارة إلى دراسة المؤسسة العربية التى رصدت أن 20% من حالات الانتحار الـ186 وقعت بين طلاب الابتدائى والإعدادى والثانوى والأزهرى.
وأخيرا، فيما يتصل بالعلاقة بين ظاهرة الانتحار والطبقة الاجتماعية، يذكر أنه رغم أن تلك الظاهرة أكثر انتشارا بين الأغنياء فى المجتمعات المتقدمة، فإن الأمر لا يبدو كذلك فى مصر، إذ إنها تنتشر بين الطبقتين الدنيا والمتوسطة. صحيح أن هذا الأمر يحتاج إلى إثبات، وإجراء دراسة ميدانية، لكن يبدو من التفحص الدقيق لأسباب الظاهرة فى مصر سابق الإشارة إليها، أنها هكذا.
ما من شك أن فقدان الأمل هو العلاج الرئيس لانتشار ظاهرة الانتحار، هذا الأمل لا يمكن أن يكون الوازع الدينى الشخصى وحده هو الكامن فيه، إذ إن هناك أمورا كثيرة تعلق المسئولية على الدولة كما تعلقها على المجتمع. فالمساهمة فى مواجهة البطالة والتكافل الاجتماعى للفئات الأكثر احتياجا ومواجهة التنمر والتحرش بكافة الأشكال، والاندماج السياسى فوق الاندماج العائلى والمدرسى، كلها أمور تحد بشكل كبير من تلك الممارسة التى أصبحت ظاهرة فى المجتمع المصرى.
عمرو هاشم ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
التعليقات