التيار الديمقراطى والمنافسة على كرسى الرئاسة - سامر سليمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التيار الديمقراطى والمنافسة على كرسى الرئاسة

نشر فى : الأربعاء 4 أغسطس 2010 - 10:59 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 أغسطس 2010 - 10:59 ص

 إلى كل الحالمين بأن يحتل كرسى الرئاسة فى مصر رئيس جديد كفء، ومحترم وديمقراطى. أين نحن الآن من هذا الحلم؟ أظن أننا فى حالة من الارتباك والتخبط. بعضنا يرى أن «س» من الناس مؤهل لشغل منصب الرئيس، أو على الأقل هو أفضل الموجود على الساحة. والبعض الآخر يرى أن «ص» ليس بسيئ. والبعض الثالث يرى أن لا «س» ولا « ص» ولا حتى «ع» يصلح، وأن أمامنا سنوات طويلة قبل أن تظهر على الساحة شخصية مصرية من المعارضة مؤهلة وقادرة على شغل منصب رئيس الجمهورية.

الاختلاف فى الرأى لا يقتصر فقط على ما سبق ذكره، فحتى فى صفوف معسكر الداعمين لـ «س» من الناس (أقصد معسكر الدكتور محمد البرادعى)، يوجد خلاف حول ما يجب عمله لكى يصل «س» إلى كرسى الرئاسة.. هل عليه الدخول فى المنافسة الانتخابية بشروطها الحالية الظالمة مع محاولة تصحيح هذه الشروط من خلال بناء حركة شعبية ضاغطة على المجموعة الحاكمة؟، أم عليه مقاطعة المهزلة الانتخابية كلها لكشف زيفها أمام الشعب وأمام العالم أجمع؟..وحتى بين المتفقين على ضرورة خوض الدكتور البرادعى المنافسة، هناك خلاف حول كيفية دخوله الانتخابات.

هل من خلال الانضمام لحزب قائم؟، أم من خلال محاولة جمع التوقيعات اللازمة لترشحه كمستقل؟. وهل يمكن العمل من خلال الأحزاب القائمة؟، أم الأفضل العمل من خلال المجموعات والشبكات الفضفاضة؟.
ومن جهة أخرى بين المتفقين على ضرورة المقاطعة والإصرار على تعديل قواعد الانتخابات وشروط الترشح قبل الدخول؛ مختلفون أيضا حول كيفية العمل من أجل تعديل القواعد...هل من خلال التركيز على جمع التوقيعات على بيان الجمعية الوطنية للتغيير؟، أم من خلال النزول المستمر إلى الشارع فى مظاهرات ووقفات احتجاجية؟

قد يلاحظ القارئ الكريم أن الفقرة السابقة من المقال تحتوى على تسع علامات استفهام. ومن يتابع الجدل الدائر فى وسائل الإعلام وعلى الانترنت يمكنه أن يحتج بأن علامات الاستفهام فى موضوع الرئيس الجديد أكثر بكثير من تسعة. فهل كثرة علامات الاستفهام هى سبب الارتباك والحيرة فى صفوف الحالمين برئيس مصرى جديد كفء ومحترم وديمقراطى؟. أظن أن حيرة التيار الديمقراطى المصرى لا تأتى فقط من كثرة الأسئلة المطروحة عليه، ولكن أيضا من التحديات التى تواجه الحوار ذاته. فالحوار كى ينتج شيئا، أى ينتج فهما متبادلا وتوافق على نقاط مشتركة، يجب أن يكون له قواعد، وأول قاعدة فى الحوار المنتج هو الاتفاق بادئ ذى بدء على أهمية وجدية الحوار ذاته. ما أكثر الحوارات فى مصر التى تبدأ وتنتهى فى منتصفها حينما يقلب البعض المائدة على أساس أن المهم هو العمل وليس الكلام، وكأن هناك تناقضا بين الكلام والعمل، أو كأن هناك عملا بدون كلام. 
فى حقيقة الأمر، ليس هناك سياسة فى العالم بدون كلام، حتى ولو أردت أن تقلص من حجم الكلام فى الممارسة السياسية بأقصى قدر ممكن من خلال تنظيم وقفة احتجاجية صامتة على سبيل المثال..فهل تستطيع تنظيم الوقفة الاحتجاجية بدون الكلام مع الناس لدعوتهم للمشاركة، ولشرح السبب فى ضرورة أن تكون الوقفة صامتة؟..إن الحوار السياسى جزء لا يتجزأ من العمل السياسى.

التحدى الثانى الذى يواجهه الحوار داخل التيار الديمقراطى حول كيفية المشاركة فى اختيار رئيس مصرى كفء ومحترم وديمقراطى، يكمن فى أن كيان التيار الديمقراطى نفسه غير واضح المعالم، وبالتالى هناك أطراف غير ديمقراطية تدخل على الخط وتشوش عليه.

من هم الديمقراطيون فى مصر؟ أقترح أن يكونوا أولئك الذين يؤمنون بالحريات العامة والفردية (وعلى رأسها حرية الدين والمعتقد)، وبالمساواة بين كل المصريين، وبحق الشعب فى اختيار حكامه من خلال انتخابات حرة وعادلة. هؤلاء هم الذين وصفتهم بأنهم يريدون رئيسا مصرا كفؤا ومحترما وديمقراطيا. ولكن هناك فى مصر أناسا راغبين أو قابلين برئيس كفء ومحترم فقط دون أن يكون ديمقراطيا. فلماذا؟.

هنا، يجب علينا أن نفرق بين من يخشون ديمقراطية الانتخابات الحرة، لأنها قد تأتى برئيس مستبد، وذلك حتى على الرغم من أنهم يؤمنون بالحريات الفردية والجماعية، وأولئك الذين يريدون فى الأصل رئيسا غير ديمقراطى، لأنهم غير مؤمنين بالحريات الفردية والجماعية. الأولون هم طرف أصيل فى التيار الديمقراطى، سيتزحزح موقفه لو وجد مرشحا ديمقراطيا قويا للرئاسة، ولو اقتنعوا بأن أفضل ضمان ضد الاستبداد هو السير إلى الأمام فى طريق الديمقراطية الشاملة، وهى رفض الديمقراطية المزيفة (أى استبداد مجموعة باسم الأغلبية) لصالح الديمقراطية الشاملة، وليس لصالح بقاء الوضع الراهن، لأنه وضع غير قابل للاستمرار للأبد. أما أولئك الراغبون فى «مستبد عادل» فهؤلاء موقعهم خارج التيار الديمقراطى.

الحوار معهم ضرورى ومفيد لأنهم يمثلون قطاعا مهما من الشعب المصري. ولكنه حوار آخر، حوار بين التيار الديمقراطى وتيارات مختلفة عنه، وليس حوارا داخل التيار نفسه.
التحدى الثالث أمام الحوار داخل التيار الديمقراطى هو تشرذم وتفكك هذا التيار. لقد تجاوز هذا التيار فعلا انقساماته الأيديولوجية وحقق تقدما ملحوظا ــ خاصة فى أجياله الشابة ــ فى تجاوز التخندق الفكرى، وفى التعاون المشترك بين المختلفين فى المنابع الفكرية، وسطية أو ليبرالية أو يسارية. لكنه يحتاج إلى الكثير من العمل لكى يتجاوز الانقسامات التنظيمية والتكتيكية.

فالتيار الديمقراطى متناثر فى بعض الأحزاب القائمة، كما فى مجموعات كثيرة خارج النظام السياسى الرسمى، مثل أفراد يكاد لا يشاركون فى السياسة على الإطلاق، وهو مختلف فى تكتيك المعارضة للسلطة القائمة. ففى موضوع المنافسة على منصب رئيس الجمهورية، هناك من يرى أنه من الأفضل الدخول فى الانتخابات بمرشح قوى للقوى الديمقراطية، وهناك من يرى أنه من الأصلح الدخول بمرشح توافقى لكل القوى المعارضة، وهناك من يؤكد أن الدخول فى الانتخابات مشروع فاشل وأنه من الأفضل المقاطعة.

هذه الخلافات التكتيكية لا ينبغى أن تغطى على وحدة الهدف. فإن أهمية وحدة التيار الديمقراطى فى مصر تحتّم عليه أن يتواصل ويتحاور وأن يتفهم، أن الخلافات التكتيكية هى تباين فى وجهات النظر وفى المواقع التى يعمل من خلالها الديمقراطيون. فهؤلاء الذين يعملون من خلال الأحزاب قد يميلون أكثر للمشاركة فى الانتخابات بكل عوارها، بينما أولئك الذين يعملون من خلال الشبكات والمجموعات يميلون أكثر للمقاطعة بحكم موقعهم ذاته. المهم ألا يؤدى الخلاف التكتيكى إلى خصام واتهامات متبادلة.

ستشهد مصر فى السنة أو السنوات القليلة القادمة رئيسا جديدا، لأول مرة منذ قيام نظام يوليو 1952، حيث يصبح الشعب طرفا فى معادلة اختيار الرئيس الجديد. فالرئيس نجيب أتى إلى الرئاسة على رأس الضباط الأحرار، وكذلك أتى الرئيس جمال عبد الناصر. والرئيس السادات جاء بفعل اختيار الرئيس ناصر له وبمقتضى توافق المجموعة الحاكمة عليه بعد وفاة ناصر.

وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس مبارك الذى اختاره السادات. ففى كل هذه المرات كانت التفاعلات داخل المجموعة الحاكمة هى التى تحدد اسم الجالس على كرسى الرئاسة. اليوم الوضع مختلف جذريا. المجموعة الحاكمة ليس لها مرشح قوى. وهذه فرصة ذهبية للتيار الديمقراطى لا يجب أبدا أن يضيعها. فليتواصل الحوار حول كيفية المشاركة فى الانتخابات الرئاسية القادمة وبعد القادمة.

سامر سليمان  كاتب وأكاديمي مصري
التعليقات