كشاف البيض - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كشاف البيض

نشر فى : السبت 6 أغسطس 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : السبت 6 أغسطس 2016 - 9:25 م
فى الطفولة، كان لشراء البيض طقوس تشبه السحر. محل صغير مخصوص يبيع البيض فقط. يقف صاحبه عياد الصعيدى، الذى نشف على عوده فلا يمكن التكهن بسنه، ويلتقط البيض المرصوص بعناية على الأرفف، واحدة تلو الأخرى، يعرضها أمام الضوء المركز الذى يخترق البيضة فيكشف عما بداخلها، ويتأكد إذا ما كانت طازجة وسليمة، دون كسر أو شرخ. بشرة سمراء ووجه نحيل وأكوام من البياض المنظم الذى تختلف درجاته بحسب النوع: بلدى أم فيومى أم كذا وكذا، وبقعة ضوء واحدة قوية، تلقى بظلالها على كل ما حولها.

اختفت هذه النوعية من المحلات، فلم يعد أحد يرغب فى فرز البيض أو غيره. وانتهى سحر اللمبة إلى الأبد. وغالبا مات عياد. لكن ظلت فكرة الكشف عما بداخل الأشياء وهشاشة البيض التى تفرض نوعا من الحذر فى التعامل والحركة، تطاردنى فى مواقف كثيرة. نتمنى أن نعرف ما وراء القشرة الخارجية وفى أى مرحلة نحن، كما نود لو لم يكن وجودنا جميعا مخلوقات وبشر ودول بهذه الهشاشة.

***

فى قاعة الندوات الخاصة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عند مناقشة التقرير الذى أصدرته أخيرا منظمة المرأة العربية حول وضع اللاجئات والنازحات فى الدول العربية، وقدمته الباحثة الرئيسية رابحة سيف علام. كانت هشاشة الحياة وغموض المصير هما الإحساس المسيطر. وكان المعنى محفورا على وجوه الحضور. 4.5 مليون لاجئ سورى؛ منهم 2.5 مليون فى تركيا، ثم لبنان بواقع مليون واحد تقريبا، وفى الأردن 635 ألفا، بينما يقيم فى العراق نحو 245 ألفا، وبمصر نحو 118 ألفا. أما فى العراق فقد بلغ عدد النازحين داخليا نحو 3.3 مليون نازح، نضيف إليهم مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين الليبيين، وأعداد اليمنيين الذين يفرون إلى الخارج بشكل يومى.

مجرد عينة من الأرقام التى لا تعنى شيئا سوى هشاشة الوجود، حوادث الطرق والإرهاب ومستقبل العائلات والعلاقات كلها تذكرنا بأننا لا نضمن أى شىء ولا يمكننا التكهن بأى شىء. الشهادات الحية التى وردت فى التقرير، إضافة إلى حكاوى الحضور حول الإيرانيين أو الأفغان أو الجنسيات الأخرى من المقاتلين الذين حلوا محل سكان البلاد الأصليين، استدعت مشهدا آخر حدث قبل بضعة سنوات عندما جلست الممثلة المسرحية اللبنانية حنان الحاج على مع اللاجئات السوريات فى المخيمات الحدودية بمدينة كلس التركية، فى بدايات مبادرة «العمل للأمل» التى تقدم بالأساس خدمات إغاثة ثقافية، وارتجلت فكرة قراءة الفنجان، حتى يتحدثن عن مشاعرهن. تشرب معهن حنان فنجانا من القهوة المغلية، وتحاولن استقراء المستقبل، فى انتظار ما لا تعرفن.

***

بقعة الضوء تسلط على كل واحدة وهى تفضفض بما يقلقها: الزوج الذى ربما قد ارتبط بأخرى لأنه غائب من فترة، الأبناء الذين فقدوا فى غفلة من الزمن، تعليم البنات وأحلامهن مع وقف التنفيذ، لم الشمل. لم أزل أسمع أصواتهن وبعض الضحكات المكتومة التى تنطلق دون تفكير، ليتنا نستطيع أن نرى ما بداخل البيضة دون كسر أو شرخ.
التعليقات