الحرب ليست «حتمية لا فكاك منها» - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 11:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرب ليست «حتمية لا فكاك منها»

نشر فى : الجمعة 6 أكتوبر 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : الجمعة 6 أكتوبر 2023 - 7:55 م
نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب جوزيف ناى، ينفى فيه حتمية الصراع بين الولايات المتحدة والصين نتيجة المنافسة الدائرة بينهما، ويرى الكاتب أنه من الأفضل الحفاظ علي هذه المنافسة في إطار تعاوني، نظرا للمصالح الاقتصادية والسياسية المتبادلة بين الطرفين. إذ يصعب على أى منهما مواجهة تحدٍ خطر تغير المناخ أو تهديدات الأوبئة المرضية أو المشكلات العابرة للحدود الوطنية وحده. لذا من مصلحة الطرفين تجنب الصراع والتصعيد، وأن تصبح "المنافسة التعاونية" هدفا مستداما، حيث لا تشكل الصين أو أمريكا تهديدا لوجود الأخرى ما دام لم تتورط فى حرب كبرى.. نعرض من المقال ما يلى.

تُـعَـد منافسة القوى العظمى الدائرة بين الولايات المتحدة والصين الـسِـمة المميزة للقسم الأول من هذا القرن، ولكن لا يتفق كثيرون حول الكيفية التى ينبغى لنا أن نصف بها هذه المنافسة. يعتبرها بعض المراقبين «منافسة دائمة»، أشبه بتلك التى كانت بين ألمانيا وبريطانيا قبل الحربين العالميتين اللتين شهدهما القرن الماضى. ويخشى آخرون أن تكون أمريكا والصين أقرب إلى إسبرطة (القوة المهيمنة) وأثينا (القوة الصاعدة) فى القرن الخامس قبل الميلاد: «مصيرهما الحرب». المشكلة بطبيعة الحال هى أن الاعتقاد بحتمية الصراع من الممكن أن يتحول إلى نبوءة تحقق ذاتها بذاتها.
الواقع أن مصطلح «المنافسة الدائمة» فى حد ذاته مضلل. ما علينا إلا أن نتأمل فى كل المراحل التى مرت بها العلاقة الصينية الأمريكية منذ وصل الحرب الشيوعى الصينى إلى السلطة فى عام 1949. فى خمسينيات القرن العشرين كان الجنود الأمريكيون والصينيون يقتلون بعضهم بعضا على شبه الجزيرة الكورية. وفى السبعينيات، بعد الزيارة التاريخية التى قام به الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون إلى الصين، تعاون البلدان بشكل وثيق لموازنة ثِـقَـل الاتحاد السوفييتى. وفى التسعينيات، تزايدت المشاركة الاقتصادية، ودعمت الولايات المتحدة التحاق الصين بعضوية منظمة التجارة العالمية. ولم ندخل المرحلة الحالية من المنافسة بين القوى العظمى إلا فى عام 2016، حيث وَصَف أحد المسئولين الأمريكيين الصين بأنها «تهديد متسارع الوتيرة» ــ بمعنى أنها «الدولة الوحيدة التى قد تشكل تحديا جهازيا» لأمريكا «اقتصاديا، وتكنولوجيا، وسياسيا، وعسكريا».
ولكن حتى لو كانت المنافسة الدائمة لا تعنى ضمنا الصراع العنيف، فماذا عن «الحرب الباردة»؟ إذا كان هذا المصطلح يشير إلى منافسة محتدمة مطولة، فإننا بهذا نخوض حربا باردة بالفعل؟ ولكن إذا كان الأمر مجرد قياس تاريخى، فإن المقارنة تصبح فى غير محلها، وتهدد بتضليلنا بشأن التحديات الحقيقية التى تواجهها الولايات المتحدة من جانب الصين. كانت الاتكالية المتبادلة العالمية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى عالية المستوى على الصعيد العسكرى، لكنها على الصعيد الاقتصادى أو الاجتماعى أو البيئى كانت غائبة تماما تقريبا. اليوم، تختلف العلاقات الصينية الأميركية فى كل هذه الأبعاد.
بادئ ذى بدء، لا تستطيع أميركا فصل تجارتها واستثماراتها بشكل كامل عن الصين دون أن تُـلـحِـق بذاتها والاقتصاد العالمى أضرارا جسيمة. علاوة على ذلك، لا يهدد انتشار الأيديولوجية الشيوعية الولايات المتحدة وحلفاءها، بل يأتى التهديد من نظام الاتكالية المتبادلة على المستويين الاقتصادى والسياسى والذى يتلاعب به الجانبان على نحو روتينى. الحق أن الانفصال الجزئى أو «إزالة المخاطر» فى ما يتصل بالقضايا الأمنية أمر ضرورى، لكن الانفصال الاقتصادى الكامل سيكون باهظ التكلفة، ولن يحذو حذو الولايات المتحدة إلا قِـلة من حلفائها. ذلك أن مجموعة متزايدة من البلدان تعتبر الصين وليس الولايات المتحدة، شريكها التجارى الرئيسى.
ثم هناك الجوانب البيئية للاتكالية المتبادلة، والتى تجعل الانفصال مستحيلا. فلا قِـبَـل لأى دولة بالتصدى وحدها لتحدى تغير المناخ، أو التهديد الذى تفرضه الجوائح الـمَـرَضية، أو غير ذلك من المشكلات العابرة للحدود الوطنية. فنحن، فى السراء والضراء، عالقون فى «منافسة تعاونية» مع الصين، وفى احتياج إلى استراتيجية قادرة على تحقيق أهدف متناقضة. لا شك أن الوضع لا يشبه على الإطلاق محاولات الاحتواء أثناء الحرب الباردة.
إن تلبية تحدى الصين يتطلب اتباع نهج يستفيد من التحالفات والنظام القائم على القواعد الذى أنشأته الولايات المتحدة. ويُـعَـد حلفاء مثل اليابان، وشركاء مثل الهند، أصولا تفتقر إليها الصين. فرغم أن مركز الـثِـقِـل الاقتصادى العالمى تحول من أوروبا إلى آسيا على مدار القرن الماضى، فإن الهند، وهى الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان فى العالَـم، تُـعَـد واحدة من أقدم منافسى الصين. الواقع أن العبارات المبتذلة حول «الجنوب العالمى» أو التضامن بين أعضاء مجموعة البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا) مضللة إلى حد بعيد، لأنها تتجاهل الخصومات الداخلية ضمن هذه الفئات. علاوة على ذلك، سوف تظل ثروات الحلفاء الديمقراطيين الغربيين مجتمعة متفوقة على ثروة الصين (بالإضافة إلى روسيا) لعقود طويلة فى قرننا هذا.
لكى تحرز الاستراتيجية الأمريكية النجاح فى التعامل مع الصين فلابد وأن تحدد أهدافا واقعية. إذا كانت الولايات المتحدة تُـعَــرِّف النجاح الاستراتيجى على أنه النجاح فى تحويل الصين إلى ديمقراطية غربية، فمن المرجح أن تفشل. ذلك أن الحزب الشيوعى الصينى يخشى التحرير على طريقة الغرب، والصين أكبر من أن يتسنى غزوها أو تغييرها جوهريا بأساليب قسرية. وتنطبق هذه الحقيقة على الجانبين: فالولايات المتحدة لديها مشاكل داخلية، لكن من المؤكد أن هذه المشاكل لا تدين بأى شىء لجاذبية الشيوعية الصينية. فى هذا الجانب المهم، لا تشكل الصين ولا الولايات المتحدة تهديدا لوجود الأخرى ــ ما لم تتورط فى حرب كبرى.
ينبغى للولايات المتحدة أن تتوقع صراعات اقتصادية منخفضة الحدة مع الصين، لكن هدفها الاستراتيجى يجب أن يكون تجنب التصعيد ــ وهو ما أطلق عليه وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكين مؤخرا وصف «التعايش السلمى». هذا يعنى استخدام الردع لتجنب اندلاع حرب ساخنة، والتعاون كلما أمكن، والاستفادة من القوة الأمريكية الصارمة والناعمة لاجتذاب الحلفاء، وحشد الأصول المحلية اللازمة للمنافسة بنجاح. يجب أن يكون الهدف تشكيل سلوك الصين الخارجى من خلال تعزيز تحالفات أمريكا ومؤسساتها الدولية.
على سبيل المثال، يتمثل المفتاح إلى تعزيز المصالح الأمريكية فى بحر الصين الجنوبى فى اليابان، الحليفة الوثيقة التى تستضيف قوات أمريكية. ولكن لأن الولايات المتحدة تحتاج أيضا إلى تعزيز مزاياها الاقتصادية والتكنولوجية، فمن الحكمة أن تتبنى سياسة تجارية آسيوية أكثر نشاطا، وأن تقدم المساعدة إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التى تتودد إليها الصين. تشير استطلاعات الرأى العالمية إلى أن الولايات المتحدة قادرة، إذا حافظت على انفتاحها الداخلى وقيمها الديمقراطية، على اكتساب قدر أعظم كثيرا من القوة الناعمة مقارنة بالصين.
الواقع أن الاستثمار فى قوة الردع العسكرية الأمريكية يلاقى ترحيبا من قِـبَـل بلدان عديدة راغبة فى الحفاظ على العلاقات التجارية مع الصين لكنها لا تريد الخضوع لهيمنتها. وإذا حافظت الولايات المتحدة على تحالفاتها وتجنبت شيطنة الآخرين واللجوء إلى قياسات تاريخية مضللة، فسوف تصبح «المنافسة التعاونية» هدفا مستداما.

النص الأصلى

التعليقات