جيل يتحدث مع الآلة - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 12:44 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

جيل يتحدث مع الآلة

نشر فى : الإثنين 6 أكتوبر 2025 - 6:30 م | آخر تحديث : الإثنين 6 أكتوبر 2025 - 6:30 م

نشر موقع Psyche مقالًا للكاتبة ريا تيبريوالا تناولت فيه التحول العميق فى علاقة الشباب بالذكاء الاصطناعى، الذى لم يعد مجرد أداة تقنية، بل أصبح  جزءًا من حياتهم النفسية والعاطفية والفكرية.. نعرض من المقال ما يلى:

منذ البداية، تسرد الكاتبة موقفًا لطالبة أخبرتها أن «تشات جى بى تى يعتقد أن الشخص الذى تعجب به يرسل إشارات متضاربة»، لتكتشف أنها تستخدم الذكاء الاصطناعى لتحليل محادثاتها وصياغة ردودها. ومن هنا يبرز السؤال المحورى: هل يلجأ الشباب إلى الذكاء الاصطناعى بحثًا عن إجابات، أم عن إحساس بالتحكم والطمأنينة؟ تدرك الكاتبة أن الطالبة لم تكن تبحث عن رأى، بل عن توازن داخلى، فى إشارة إلى أن الذكاء الاصطناعى تجاوز دوره الوظيفى إلى مساحة المشاعر الإنسانية.

وتوضح الكاتبة، انطلاقًا من خبرتها كمشرفة على أكثر من أربعمائة طالب، أن دورها فى الإصغاء والمساندة قد تغيّر، بعدما أصبح الذكاء الاصطناعى طرفًا ثالثًا فى الحوارات الطلابية. فبدل أن يناقش الطالب أفكاره مع أستاذه أو صديقه، بات يعرضها على «تشات جى بى تى» فى ظاهرة تعبّر عن دخول الذكاء الاصطناعى إلى المجالين الوجدانى والعقلى.

كانت الكاتبة تظن أن استخدام الطلاب يقتصر على المهام الأكاديمية، لكنها اكتشفت أن بعضهم يلجأ إليه لكتابة الرسائل العاطفية أو للتخفيف من الحزن، مما يجعل الذكاء الاصطناعى شريكًا نفسيًا وعقليًا لا مجرد وسيلة إنتاج. وترى أن هذه الظاهرة ليست عابرة، لأن الجيل الجديد يتعامل مع الذكاء الاصطناعى بوصفه جزءًا من حياته اليومية.

يقدّم المقال أمثلة توضّح هذا التفاعل الجديد، مثل تجربة «براناف» من جامعة هارفارد، الذى بدأ باستخدام الذكاء الاصطناعى لأغراض دراسية، ثم اعتمد عليه لتوليد الأفكار وتصميم التطبيقات. يصف براناف علاقته به قائلًا:

«إنه مثل وجود متدرّب لا تثق فيه تمامًا، لكنه ينجز العمل». عبارة تلخّص علاقة معقدة تجمع بين الاعتماد والحذر. ويضيف أنه أحيانًا يعرف الإجابة مسبقًا، لكنه يحتاج لرؤيتها «منعكسة»، فى إشارة إلى أن التفكير بات عملية تفاعلية بين الإنسان والآلة.

هنا يظهر مفهوم «العقل الثانى»، أى التفاعل المستمر بين وعى الإنسان والخوارزميات، بما يشكّل نوعًا من «التعايش المعرفى» الذى يجعل التفكير نشاطًا جماعيًا لا فرديًا، حوارًا ذهنيًا بين الطرفين.

ثم تنتقل الكاتبة إلى الجانب العاطفى من الظاهرة، فتسرد تجربة «فيليبى»، الذى يستخدم «تشات جى بى تى» بوصفه معالجًا نفسيًا رقميًا، ويطلب منه محاكاة مفكرين مثل سام هاريس لمساعدته فى اتخاذ قرارات هادئة. يرى فيليبى أن الذكاء الاصطناعى أكثر حيادية وسهولة من جلسات العلاج النفسى التقليدية، وأقل ارتباطًا بـالوصمة الاجتماعية. ومن خلال هذه التجربة تتضح الحدود الغامضة بين المساعدة التقنية والعلاقة الإنسانية، إذ أصبح الذكاء الاصطناعى مستمعًا ومصدر دعم عاطفى فى الوقت ذاته.

حتى الكاتبة نفسها تختبر هذا التفاعل بسؤال مباشر: «كيف أعرف إن كنت أبالغ فى رد فعلى؟» فتفاجأ بإجابة متدرجة تدعوها إلى تسمية الشعور وتأمله من منظور مختلف، فيردّ الذكاء الاصطناعى برد إنسانى وداعم، أقرب إلى صوت صديق حقيقى.

ويستشهد المقال بأبحاث تشير إلى أن هذا التفاعل يولّد ما يسمى بـ«التماثل الذاتى»، أى أن الإنسان يرى الذكاء الاصطناعى امتدادًا لذاته، ما يجعل التواصل معه طبيعيًا ومريحًا. لكن الكاتبة تحذر من الوجه الآخر لهذه الراحة: فحين يكرر الذكاء الاصطناعى تأكيد آرائنا بدلًا من تحدّيها، قد نفقد تدريجيًا قدرتنا على النقد والنمو الذاتى.

حتى فيليبى نفسه يعترف بأنه ينسى أحيانًا أن الذكاء الاصطناعى مجرد برنامج، لأنه يتذكر تفاصيل شخصية عنه، فيشعر كما لو كان يتعامل مع شخص حقيقى. وتعلّق الكاتبة بأن هذا الشعور يعكس تحوّلًا أوسع بدأ فى زمن الجائحة، حين استُبدلت اللقاءات البشرية بالتفاعلات الرقمية، مما أعاد تشكيل وعى الشباب وطريقة تواصلهم مع العالم.

فى الختام، يؤكد المقال أن الذكاء الاصطناعى يمنح الجيل الجديد معرفة فورية ودعمًا دائمًا، لكنه فى المقابل قد يختصر مسار النضج الإنسانى القائم على التساؤل والتجربة. فإذا أصبح كل قلق يُهدّأ بكلمة من آلة، فهل سيبقى الإنسان قادرًا على خوض رحلة التأمل والنمو الذاتى؟

بهذا السؤال الختامى، تترك الكاتبة القارئ أمام مشهد إنسانى جديد، تتقاطع فيه العقول البشرية والرقمية فى تجربة واحدة تُعيد تعريف معنى التفكير والمشاعر وربما الإنسان نفسه.

مراجعة وتحرير: يارا حسن

النص الأصلي

 

التعليقات