أزمة المنظمات الأهلية - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 12:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة المنظمات الأهلية

نشر فى : السبت 7 يناير 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 7 يناير 2012 - 8:00 ص

فجأة، انفجرت مشكلة تمويل المنظمات الأهلية الحقوقية التى ظلت تعمل على نطاق واسع فى مصر قبل ثورة 25 يناير، وتضاعف نشاطها بدرجة كبيرة بعد الثورة.. بعضها بناء على تراخيص قديمة سمح بها النظام السابق أو بدون.. ولكن المشكلة تفاقمت حين اكتشفت الدولة أن بعض هذه المنظمات فتحت لها فروعا ومقارا فى محافظات عديدة وبدون ترخيص.. وأن  أموالا كثيفة جرى تحويلها لتمويل أنشطة وقوى سياسية فى الانتخابات.. قيل إن بعضها من الجماعات الإسلامية!

 

وليس صحيحا أن جميع المنظمات الحقوقية استهدفت أغراضا سياسية. ولكن عديدا منها كان يعمل فى مجالات التنمية الاقتصادية والبيئية أو التدريب المهنى والتعليم أو تشجيع الصناعات الصغيرة. وكان للعديد منها فضل التشجيع والدفاع عن شباب الثورة، وفى فضح الممارسات السياسية الخاطئة للنظام السابق، وما تنطوى عليه من انتهاكات لحقوق الإنسان.

 

لم تكن المشكلة إذن فى الأنشطة الحقوقية أو التنموية التى تقوم بها هذه المنظمات، طالما أن نشاطها يتم فى إطار اتفاقيات المعونة والمساعدات التى وقعتها الدولة مع جهات أجنبية.. ربما شهدت هذه الأنشطة هامشا واسعا من التغاضى حينما كانت تعمل بالتوافق أو التعاون مع جمعيات شبه رسمية مثل المجلس القومى للمرأة وما يشبهه!

 

غير أنه تحت غطاء تعزيز بناء الديمقراطية وحقوق الإنسان، بادرت منظمات أمريكية شبه رسمية مثل المعهد الجمهورى التابع للحزب الجمهورى، والمعهد الديمقراطى التابع للحزب الديمقراطى إلى فتح مقار لها فى مصر.. وتقدمت بطلب تراخيص بذلك، ولكنها بدون انتظار الحصول على الموافقة، بدأت تمارس نشاطها. الذى لم يقتصر على توجيه الدعوات وإلقاء المحاضرات وإصدار التقارير ولكنه اقترن بالتدريب. وكانت مؤسسة فريدوم هاوس المعروفة بأنها على اتصال بأجهزة المخابرات الأمريكية، من أكثرها نشاطا فى دعوة الشباب وتدريبهم على مبادئ الحرية الأمريكية!

 

وكانت نتيجة ذلك أن دولا لم تعرف طريقها إلى الديمقراطية إلا أخيرا مثل صربيا والتشيك وبولندا رأت من واجبها أن تدخل اللعبة.. وقيل إن حركة 6 أبريل تدربت على تطبيق الدعوة للتغيير بالأساليب السلمية للديمقراطية فى صربيا، التى ذبحت عدة آلاف من المسلمين فى البوسنة قبل سنوات قليلة، ولا يمكن اعتبارها نموذجا للديمقراطية بحال من الأحوال!

 

وقد أضرت هذه المنظمات بسمعة الجمعيات الحقوقية المصرية. وأصبح من الصعب فى كثير من الأحيان التفرقة بين أنشطة منظمات حقوقية مصرية والمنظمات الأجنبية.

 

جانب كبير من المسئولية يقع على عاتق الدولة، التى اهتمت بوضع قوانين تكبل أيدى المنظمات المصرية لحقوق الإنسان، وتضيق الخناق عليها.. بينما تركت المنظمات الأجنبية تنفق على وجوه مختلفة من الأنشطة السياسية وغير السياسية دون حساب.. الأمر الذى أدى إلى ضبط مبالغ كبيرة صرفت أو كانت بسبيلها إلى الصرف لتمويل أنشطة أمريكية بدون ترخيص قانونى.

 

ربما يكون لدى المنظمات الحقوقية المصرية العذر §فى قبول تمويل بعض أنشطتها، نظرا لإحجام الممولين المصريين عن الإسهام فى مساعدة الجمعيات الأهلية المصرية.

 

وفى الحقيقة فإن هذه الجمعيات الحقوقية المصرية كان بوسعها أن تبرئ صفحتها بإعلان ميزانياتها، وتفصيلات حساباتها المتعددة فى البنوك، ومصادر تمويلها، والمشروعات التى قامت بتنفيذها لصالح المجتمع، لتقطع بذلك دابر كل الشكوك والاتهامات الموجهة إليها.. بدلا من اللجوء إلى احتجاجات وشكاوى من المداهمات التى قامت بها سلطات التحقيق، أو الطعن فى نزاهة القضاء وإجراءات التفتيش.

 

المسألة هنا ليست فى اسلوب المداهمات الذى لجأت إليه السلطات القضائية مهما تكن فظاظتها، ولكنه فى النتائج الخطيرة التى يسفر عنها التحقيق.. فحين يتضح أن نحو 20 منظمة تعمل بتمويل أجنبى لتحقيق أهداف سياسية، سواء فى جمع المعلومات أو تقديم التقارير لحساب سفارات وجهات أجنبية، فنحن بإزاء «وكالة من غير بواب».. ولا توجد دولة مستقلة فى العالم المتقدم تسمح بإقامة مراكز ثقافية أو تعليمية أو دعائية أو ذات صفة سياسية بدون موافقة قانونية وترخيص من حكوماتها. ولا أفهم كيف يشتد غضب الثائرين على مداهمات قضائية قانونية، ولا يشتد غضبهم على ما تتعرض له البلاد من تدخلات أجنبية، وتهديد بقطع المعونات إذا لم تقدم فروض الطاعة والولاء.

 

الأمر كله يحتاج إلى إعادة نظر فى القوانين لإصدار تشريعات صارمة تنظم أنشطة التمويل الأجنبية واخضاعها للرقابة القانونية سواء للأطراف المانحة أو للمنظمات الحقوقية المتلقية!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات