أزمة الصحف القومية - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة الصحف القومية

نشر فى : السبت 7 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 7 يوليه 2012 - 8:00 ص

لم يكن مجلس الشورى فى أى وقت من الأوقات صاحب القول الفصل فى اختيار أو تعيين أو تجديد رؤساء الصحف القومية ومجالس إدارتها. وإنما كان مجرد جهة تصديق باعتباره ممثلا لملكية الدولة لهذه الصحف، بناء على ما يقرره رئيس الدولة ويفصح عنه وزير الإعلام. هكذا كان الوضع.. ولكن.. فجأة وفى ظل انهيار النظام السابق الذى صار يطلق عليه الدولة العميقة، برز مجلس الشورى كفاعل فى إدارة المؤسسات الصحفية القومية. ووجد الشورى نفسه مطالبا بأن يضع نظاما لاختيار رؤساء التحرير بمقتضاه، يتجاوب مع فكر الأغلبية الحاكمة «الحرية والعدالة» ويضع المعايير لتطوير المؤسسات الصحفية وإصداراتها التى تبلغ 55 إصدارا.

 

من اللافت للنظر أن الذين يعارضون الآن بقوة تدخل مجلس الشورى فى تغيير رؤساء الصحف القومية، كانوا من بين الذين عينوا فى عهد الرئيس السابق وعن طريق مجلس الشورى، وقادوا مؤسسات الإعلام طبقا للمنظومة الحاكمة آنذاك. وهم الآن يعارضون الدور الذى يلعبه مجلس الشورى وحزمة المعايير التى يسترشد بها واللجان التى شكلها لاختيار رؤساء التحرير.

 

أما مجلس الشورى نفسه أو بالأحرى لجنة الثقافة والإعلام فيه، فقد تركت المعضلات والمشكلات التى تواجهها البلاد. وبادرت إلى التصدى لإصلاح المؤسسات الإعلامية المنهارة.. ليس عن طريق البحث عن حلول شاملة وناجعة لمؤسسات جرى تجريفها وأسىء استغلالها ثلاثين عاما، وضاعت فيها المعايير المهنية لتحل محلها معايير سياسية وشللية، وورثها حزب الحرية والعدالة عن الحزب الوطنى المنحل.. ولكن عن طريق تثبيت أوضاع تمكن السادة الجدد من السيطرة، بعد أن تعددت الشكاوى من كهنة فرعون ومن عدم انضباط الصحفيين وتجاوزاتهم فى ترويج الشائعات وعدم تدقيق الأخبار.

 

يبدو أن مجلس الشورى فى مرحلة الفراغ البرلمانى الذى حل فيه مجلس الشعب، ووجود ما يهدد استمرار الشورى، قد وجد من الضرورى أن يفعل شيئا.. أى شىء! ويكاد يكون الإعلام هو الاختصاص الوحيد الذى بقى له. ومن ثم بادر بالانشغال بوضع أسس جديدة بناء على قائمة من المعايير لاختيار رؤساء الصحف.. تضمنت بديهيات تنطبق على أى صحفى وليس بالضرورة على كل من يتولى رئاسة مؤسسة صحفية ويحسن إدارتها.

 

والسؤال الذى يجب أن نسأله هو إلى أى مدى يمكن أن يؤدى اختيار رؤساء التحرير ومجالس الإدارات بهذه الطريقة إلى إصلاح حال المؤسسات الصحفية؟!

 

من الواضح أن العلاج الذى تفتق عن ذهن مجلس الشورى لا يخرج عن كونه علاجا سطحيا لحالة مستعصية. فالصحف فى مصر تعانى من اختناق شديد.. تراكم فى أعداد بدون عمل. أجيال أضيفت إلى الطاقة العاملة فى الصحف بدون تأهيل أو إعداد. موارد مالية ضعيفة أو معدومة تعتمد على مساعدات مالية مستمرة من الدولة لسداد الديون وشراء ورق الصحف وصرف العلاوات ومنع الانفجار المهنى. هياكل مالية وإدارية مهترئة. مع غياب شامل للقدرة على المنافسة المهنية وملاحقة التطور العالمى فى تقنيات الصحافة.

 

كل هذه التطورات لا يكفى معها تغيير أسلوب اختيار رؤساء التحرير. فتغيير الأسماء والأشخاص ليس وحده كفيلا بتغيير أحوال المؤسسات القومية إلى الأفضل. وطالما ظلت الدولة ممثلة فى مجلس الشورى هى القوة المهيمنة على الصحف، فلن تتحرر الصحافة القومية من أسباب تخلفها.

 

لقد كان المتوقع أن يتم إرجاء بحث أوضاع الصحف القومية إلى اللحظة المناسبة. وأن تكون النظرة إلى تصحيح وتحرير الصحف القومية نظرة شاملة، تقوم على إصلاح البنية التحتية وتحرير الصحافة من هيمنة الدولة والقوى السياسية، وتمكينها من تحقيق استقلالها المالى والاقتصادى عن طريق تحرير ملكيتها من سيطرة الدولة والمؤسسات الرأسمالية، أو إشراك الصحفيين والعاملين فى إدارة مؤسساتهم.

 

وقد طرحت فى الماضى مشروعات شتى لتخليص الصحافة من حالة اليأس والتوهان والضعف التى منيت بها، وتمكينها من مواجهة تحديات العصر، والتعبير الحر عن مشاكل المجتمع والفرد. وتقديم الحلول وممارسة دورها فى الرقابة الإعلامية الصحيحة، ولكن كل المحاولات ذهبت أدراج الرياح. وعدنا إلى النقطة التى بدأنا منها أيام صفوت الشريف.

 

وكأن الزمن لم يتحرك!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات