موائد الرحمن فى ظل الغلاء - عمرو هاشم ربيع - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موائد الرحمن فى ظل الغلاء

نشر فى : الخميس 7 مارس 2024 - 8:40 م | آخر تحديث : الخميس 7 مارس 2024 - 8:40 م
أيام تفصلنا عن بداية شهر رمضان، وهو شهر الخيرات، إذ يعكف فيه الناس على عديد المبادرات الاجتماعية. ولكون إخراج زكاة المال يحل بمرور الحول، فقد جرى العرف فى مصر أن يعتبر الكثيرون أن شهر رمضان من كل عام هو موعد إخراجها.
واحد من أهم منافذ الخير، بل وأهمها قاطبة، هو إطعام الطعام، وهنا يركز معظم الناس القادرين على إفطار الصائمين، تصديقا لقول النبى صلى الله عليه وسلم (من أفطر صائما فله مثل أجره). بطبيعة الحال يقوم بعض الناس بتلك العادة السنوية تقربا إلى المولى عز وجل عن طريق تقديم الطعام بشكل فردى، بمعنى قيام الناس بإفطار صائم أو أكثر من محدودى الدخل أو من يتوسم فيهم عدم المقدرة وشدة الحاجة، وربما صعوبة الطلب من الغير لعزة النفس وعدم الامتهان. بعض الناس يقوم بدعوة الأقارب والأصدقاء، وإقامة ما يشبه الحفلات الكبيرة لإفطار الصائمين.
الشكل الأكثر علانية من كل ما سبق هو إقامة موائد الرحمن، حيث يقوم الناس بشكل فردى وعادة بشكل جماعى وتشاركى، ودون انتظار كلمة شكر أو حمد، بإعداد إفطار يومى للعشرات وربما المئات من الناس، وهؤلاء ربما يكونون موظفى ورديات فى مصنع أو عاملين فى أحد المؤسسات الساهرة. لكن غالبية هذا الشكل يتم على أرصفة الشوارع فى القاهرة وربوع المحافظات، حيث تقام السرادقات المجهزة بشكل جيد لإطعام الناس دون أى شرط، ما يجعل الجميع يجلس لتناول وجبة ساخنة عقب آذان المغرب، متحابين، متألفين، لأن الطعام الجماعى هو من أكثر الأشياء التى تعضدد أواصر المحبة بين الناس مصداقا لقول المول عز وجل (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا يتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا). اليوم يبدو الأمر مختلفا عن العام الماضى، فالغلاء استوحش، ونسب التضخم أصبحت مربكة للغاية، وأكثرها سوء قسوة التضخم فى الغذاء. فالسلع المرتبطة بالغذاء هى من أكثر الأمور التى زاد ثمنها بين العامين الماضى والحالى، ولا شكل أنه من السهولة بمكان أن يجد المرء عديد الأسعار للسلعة الواحدة، حسب المكان الذى يرتبط عادة بالمستوى الاجتماعى، والشريحة الطبقية.
كثيرون اليوم أصبحوا يهمسون فى أذن بعضهم البعض بعدم المقدرة على فعل ما اعتادوا عليه فى السنوات الماضية، بعضهم اشترط لقبول دعوات الإفطار، أن يحمل بعض الغذاء الساخن لمشاركة المضيف عناء إعداد الوجبات وإعداد مكان الإفطار، فيما أصبح يسمى فى المجتمعات الأكثر رقيا بظاهرة الـDish party. ونظرا للخشية من حدوث ارتباك أثناء المائدة، فإنه عادة ما يتفق بين الناس على أنواع محددة من الأطباق التى يحملها كل منهم إلى المائدة، وبذلك لا تتكرر الأصناف ولا تتضارب الأكلات.
بالطبع يحق للبعض رفض هذا الأسلوب، بدعوى يقلل من الثواب أو الأجر عند الله، لكن عادة ما يشترط الناس هذا الشرط لقبول الدعوات، حتى لا يرهق الضيف، فالأعمال بالنيات، والأجور تكون محفوظة إن شاء الله.
لكن فى مواجهة هذا الغلاء ستكون موائد الرحمن هذا العام فى حالة أختبار كبير، من حيث عددها وجودتها، ما سيجعل الناس الأكثر احتياجا فى أمس الحاجة لبقاء تلك العادة الحميدة، وهو أمر يحد من خياراتهم، حيث مرد الكثيرين على المشاركة فى عدة موائد فى الأيام الأولى، بحيث يجلس كل يوم على مائدة مختلفة، إلى أن يختار بشكل نهائى المائدن الأكثر ارتياحا لها. كل هذا يعتقد أنه تغير هذا العام.
فوسط كل ذلك ستكون موائد الرحمن هذا العام لها شكل ومضمون خاص ومختلف، لكن على الأرجح ستستمر وإن كانت محدودة كما وكيفا.
عمرو هاشم ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
التعليقات