السياسة.. فيما هو «سياسى» - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة.. فيما هو «سياسى»

نشر فى : الأحد 7 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 7 أبريل 2013 - 11:39 ص

لم يسبق لى زيارة إيران، وأعلم أن سجلها فى حقوق الإنسان «التى سننافسها فيه قريبا» لا يدعو لإعجاب أو تقدير.

 

ولكنى أعلم أنه فى العام ذاته (١٩٣٩) الذى نادى فيه أحمد حسين بالأخذ بالشريعة الإسلامية باعتبارها أساسا للحياة فى مصر، ونودى فيه بإحياء الخلافة، وبالملك فاروق الأول؛ ملك مصر والسودان «خليفة للمؤمنين» تزوج محمد رضا «بهلوى» شاه إيران الشاب بالأميرة فوزية جميلة جميلات أسرة محمد على وشقيقة الملك فاروق.. وكان الزواج «سياسيا» بامتياز.

 

●●●

 

اليوم، فى العام الثالث عشر من القرن الحادى والعشرين، وبغض النظر عن اختلاط الهدف باضطرار «الحاجة»، إلا أننى أحسب أن قرار الرئيس المصرى باستقبال نظيره الإيرانى أحمدى نجاد ــ متجاهلا حذاء رفع فى وجهه ــ كان قرارا صائبا، يعيد إلى «السياسة» معناها. أو بالأحرى يضعها حيث يجب أن تكون.

 

ولذلك، فقد كان من قبيل المفارقات «الصادمة» أن أقضى نصف ساعة كاملة على الـ BBC أدافع عن قرار حكومة مرسى بالتعامل مع ايران «الدولة» على أساس من «السياسة» لا على أساس من دين الدولة أو مذهبها، ثم أحول مؤشر المذياع فأجد مجلس الشورى، وقد باغتنا بقرار «صادم» يجعل من الانتخابات التى هى شأن «سياسى» محض معركة دينية، وذلك بالسماح باستخدام الشعارات الدينية فى الدعاية الانتخابية. وهو قرار، فضلا عن أنه يغامر بوحدة الوطن أحسبه ينزل بنقاء الدين من عليائه، إلى مستنقعات السياسة القذرة ومعاركها الانتخابية الرخيصة.. ليشتروا به ثمنا قليلا.. «فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ»

 

ثم إنه ــ فى منطلقاته ــ لا يختلف كثيرا عن ما ذهب اليه معارضو موقف الرئيس من المسألة الإيرانية، استدعاء للدين إلى ساحة حسابات سياسية؛ داخلية كانت أو خارجية. وفى هذا يشبه هؤلاء وأولئك ذلك الذى يختار الطبيب أو المهندس، ليس على أساس كفاءته أو مهارته، وإنما على أساس من عقيدته أو مذهبه الدينى. رغم أنه فى الوقت ذاته يرفل من صبحه إلى مساه فى رفاه منتجات تكنولوجية غربية صنعها «أو ابتدعها» مسيحيون، ويهود، وهندوس.. وملاحدة (!)

 

●●●

 

لم تكن «اللحظة العبقرية» للحادى عشر من فيراير ٢٠١١؛ لحظة التجسيد الحى لـ«كيف تنتصر مصر عندما تكون «يدا واحدة»؟ ــ  قد فقدت وهجها بعد، حتى صعد الشيخ الجليل يوسف القرضاوى لمنبر الميدان فى الجمعة التالية مباشرة (١٨ فبراير ٢٠١١)  ليلقى «خطبة النصر» مؤثرة معبرة بليغة، بدت وكأنها تستلهم روح الميدان «الجامع» حين بدأها بـ«أيها المسلمون والمسيحيون». لم يستوقف أحدا يومها ما بدا «خشونة إقصائية» من بعض مرافقى الشيخ، فهمناها فى حينه على أنها محض أعراض زحام وتوقير واجب لعمر الشيخ وتاريخه، إلا أن وقتا طويلا لم يمض حتى كان هناك من بدا وكأنه قد تنكَّر، على الأرض بأفعاله وشعاراته لاستهلالة القرضاوى «الجامعة». متذرعا، أو بالأحرى ممتشقا «سيفا» دينيا فى وجه خصومه «السياسيين» ليمهد طريقه مهما كان الثمن نحو الصناديق.. بداية من «نعم المؤمنة.. ولا الكافرة»، والتظاهرات التى ربطت شعاراتها قسرا بين «شريعة الله، وشرعية الرئيس»، وليس نهاية بقرار الشورى الذى يسمح باستخدام الشعارات الدينية فى الدعاية الانتخابية (!) والحال هكذا، لا نستغرب إذن أن يزايد فصيل «دينى» على رئيس جاء من رحم جماعة «دينية» رافعا فى وجهه شعارات «دينية»، احتجاجا على قرارات لا علاقة لها بعبادة أو شعائر، وإنما هى من صميم «السياسة» الخارجية. وكان قد سبقهم فى نعت الرئيس بأقسى النعوت نفرٌ ممن يصنفون فى خانته «الإسلاميون»؛ وجدى غنيم على سبيل المثال. تارة لأنه تجرأ والتقى بعدد من الفنانين، وأخرى لموقفه من المسيحيين «المواطنين». قائلا له «اتق الله» مرة، وواصفا إياه أخرى «بالجهل أو النفاق.. الخ».  والحاصل أن الهجوم بغض النظر عن شطط اللفظ كان دائما ما يستل سيفا «دينيا»، وهنا جوهر المشكلة. فالدين بطبيعته، «ولهذا أُنزل» لا يعرف غير الحق والباطل. ولذا تكون النزاعات التى ترفع لافتته مهما كانت فى حقيقتها سياسية نزاعات «صفرية». لا فرق فى ذلك بين «الفتنة الكبرى» هنا، وحرب «الثلاثين سنة ١٦١٨ــ ١٦٤٨» هناك.

 

●●●

 

قديمة هى فى مصر قدم التاريخ قصة استدعاء الدين «وشعاراته» لاستخدامه سياسيا. فعلها الفراعنة فى مصر القديمة فى قصص مشهورة. وفعلها نابليون لا غيره فى رسالته الشهيرة وهو على أبواب مصر غازيا. والتى استهلها قائلا: «لا اله الا الله وحده، ولا شريك له فى ملكه...» واختتمها بالدعاء لحضرة السلطان العثمانى «أدام الله ملكه… وأصلح حال الأمة».

 

على النهج ذاته سار الملك فاروق، والذى أمعن فى استخدام الدين ورقة فى لعبة السياسة. ففى عهده ظهر لأول مرة فى مصر من يتحدث عن «التفويض الإلهى» ليربط بين شريعة الله وشرعية الملك. ثم كان أن استصدر «الملك» فتوى تقول أنه من الأشراف ومن حقه أن ينصب نفسه «خليفة للمسلمين». ثم بدا أنه صدق نفسه، ليصدقه الآخرون، فكان يطلب من حراسه أن يؤدوا الصلاة معه «لأن الله هو الحارس»، ويأمر بأن يضع المسئولون أيديهم على المصحف عند تأدية اليمين أمامه. إلى آخر قصص أخرى كثيرة تنافس فيها رجال بلاطه بالادعاء والرياء والمشورة.

 

وإن كان كثيرون من غير قراء التاريخ، لا يذكرون بالقطع تلك الحكايات، فلعل من جيلنا من يذكر قطعا ما فعله السادات «الداهية» متدثرا أمام خصومه فى البداية بعباءة «العلم والإيمان»، ثم مواجها إياهم «بالجماعات الدينية» فى جامعات السبعينيات، قبل أن يقدم على تعديل دستور ١٩٧١ ليطلق سنوات تولى رئاسة الجمهورية (كانت قبل التعديل محددة بمدتين) وكان كالعادة أن لجأ للأسلوب ذاته، فستر التعديل «المعيب» بغطاء المادة الثانية الشهيرة. ومن مفارقات الأقدار أننا نحن الذين دفعنا ثمن هذا التعديل، دون أن تمهل الرجلَ «الجماعات التى أنشأها» ليستفيد عمليا منه. فكان أن جاء مبارك. ولم يكن بقيمة خلَفه، أو بدهائه، فترك لرجال نظامه «الأمنى» الملف كله. وفى هذا وقائع ثبتت.. وأخرى تنتظر. منها ما يُحكى عن تربية جماعات بعينها لمناوأة جماعات أخرى. ومنها العمل على إثارة فزع الأقباط بعد وصول ٨٨ من الإخوان إلى برلمان ٢٠٠٥، ومنها كل ما قيل عن حادث كنيسة القديسين المريب.

 

●●●

 

وبعد..

 

فلأولئك الذين لا يتورعون عن حرق الوطن.. والمستقبل، أو لا يدركون ربما خطورة ما يقدمون عليه، ولا يستحون من فكرة بيع صكوك الجنة للبسطاء ليشتروا بها أغلبية «الصناديق»، أرجوكم تدبروا ما جرى عند منزل القائم بالأعمال الإيرانى، وأعيدوا الاستماع إلى أشرطة وجدى غنيم، الذى ما فتئ يذكركم بها.

 

الفتنة تنتظر فى كل ركن.. فاتقوا الله فينا.. وفى أنفسكم. وحاولوا قراءة التاريخ.

 

 

 

 

 

 

 

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات