الشعب يريد إسقاط الشعب - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 7:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشعب يريد إسقاط الشعب

نشر فى : الأربعاء 8 فبراير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 فبراير 2012 - 9:10 ص

تمر مصر اليوم بمرحلة لا أعتقد أن لها مثيلا فى تاريخ البشرية. فقد ثار الشعب قبل عام ونادى بإسقاط النظام الحاكم، واستبشر خيرا يوم 11 فبراير 2011 بتوارى رأس النظام وسقوط بطانته التى كانت تهيمن على الحياة السياسية لتتحكم فى جميع مناحى الحياة. تميز ذلك النظام بالإفراط فى القمع الأمنى والتمادى فى القهر الاجتماعى والإفقار الاقتصادى والمسخ الثقافى، إلى جانب إذلال الدولة على المستويين الإقليمى والعالمى، فى ظل تبجح بإنجازات غير مسبوقة، مستشهدا بشهادات من مراكز دولية مشبوهة. فبات من الواضح أن الأطراف الخارجية التى تدخل الأوضاع فى مصر فى إطار اهتماماتها، كانت ترحب ببقاء ذلك النظام، لكونه يحقق لها أهدافها إن طوعا أو كرها، بشكل مباشر وغير مباشر.

 

انطلقت جموع الشعب وراء طليعتها الشبابية الواعية وتوسمت خيرا فى مستقبل تتحقق فيه الأهداف المثلى التى نادت بها: عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية، كأركان أساسية لاسترداد الكرامة الإنسانية. كانت هذه الأهداف تقتضى إقامة نظام جديد قادر على صياغة استراتيجية طويلة المدى تتضمن برامج عمل متوالية لبلوغ درجات متصاعدة من تلك الأهداف. وإذا شئنا الدقة فإن تلك الأهداف هى فى حقيقتها مرامى بعيدة المدى، تتطلب وضع أهداف محددة قصيرة ومتوسطة الأجل للسير نحو استيفائها. وكلما كانت الأوضاع السائدة بعيدة عن تلك المرامى، كلما ثقلت مهام المراحل الآنية وارتفعت فيها مستلزمات التغيير الفورى مقابل التدرج فى العمليات للاقتراب من الغايات النهائية. هذا التغيير يندرج تحت مسمى «التخطيط الهيكلى» تمييزا له عن «التخطيط الوظيفى» المألوف فى الأوضاع العادية (ص 7 من كتابنا: «التخطيط من أحل التنمية الاقتصادية والاجتماعية»، معهد الدراسات العربية العالية، جامعة الدول العربية، 1963).

 

●●●

 

وعندما نادى الثوار بتغيير النظام، فسر ذلك بالتركيز على إجراء تغيير للمؤسسات السياسية من الصيغة التى حصرت السلطة فى أيدى ديكتاتورية القلة إلى إقامة نظام ديمقراطى بمؤسساته التى تعطى وزنا عادلا لكل فئات المجتمع. وتبع ذلك تسمية الفترة الفاصلة بين النظامين بالفترة الانتقالية، وهو ما حصر مهامها فى تمكين عناصر النظام الديمقراطى من تنظيم صفوفها لتتمكن من الحصول على موقع مناسب لوزنها المجتمعى فى الشارع السياسى، وتسيير الأمور الأخرى دون إدخال تغييرات جذرية قبل أن يتوافق الرأى العام على أسسها. وترتب على ذلك أن بقيت الأجهزة الإدارية، بما فيها الأجهزة الأمنية التى ضربت فى مقتل خلال الصراع بين النظام الفاسد والثوار، على حالها. وكان معنى هذا تجاهل أن الأمر لا يقف عند حد تغيير المنظومة السياسية، بل يستلزم إعادة بناء المنظومة الإدارية بشقيها المركزى والإقليمى التى نخر جسدها الفساد الذى أشاعه النظام السياسى الفاسد. والأهم من ذلك إصلاح أمور المجتمع الذى نجح ذلك النظام فى تفتيته وإشاعة النظرة الفردية الدونية، التى تفرض على كل فرد أن ينشغل فيها بالوفاء بأساسيات البقاء على قيد الحياة، أيا كان انحطاط السبل التى تتمثل فى التذلل لذلك النظام وما تحتويه من أدوات الفساد والإفساد.

 

لقد ساهم ذلك فى هروب الناس إلى الملاذ الدينى لأنه بقى المنظومة الوحيدة التى تنهى عن سوء الخلق وتجمع بين الناس على اختلاف مواقعهم، وتستبقى لهم أملا فى الاستعاضة بنصيب فى الآخرة عما حرموا منه فى دنياهم. وتجلى ذلك فى غلبة التيار الإسلامى على الساحة السياسية، رغم أن الكثيرين ممن صوتوا له لم يحل تدينهم سابقا من المساهمة سلبا أو إيجابا فى الفساد المتغلغل، فكانت من أول المعالم توظيف الأموال. وكان أهم ما كشفته الثورة الخلل الرهيب فى تشكيل المجتمع والانتقال من الانشغال بالشئون الشخصية إلى المستوى الفئوى، الذى جسدوه بالنزول إلى الشارع لانتزاع ما يرونه حقوقا لهم حرمهم منها النظام البائد وتجاهلها النظام (الانتقالى) القائم. وبحكم تغلغل العقيدة السلطوية التى تغلغلت فى النفوس، باتت كل فئة ترى أنها على صواب وأن الخطأ فى القيادات. فرؤساء الشركات والجامعات يجب أن يذهبوا، وعلى النواب والوزراء أن يرحلوا وعلى المجلس العسكرى أن ينسحب. قد يكون كل هذا صحيحا، ولكن من هو البديل الأفضل؟ وهل القضية هى الأشخاص أم المناخ الذى يعملون فيه، والمعين الذى يستمد منه الأشخاص. الغريب المطالبة بذهاب «العسكر» رغم أن المدنيين جرى تغييرهم أكثر من مرة، لنصل فى النهاية إلى رفض الجنزورى منذ لحظة تكليفه، ووزير الداخلية بعد أن شهدت بداية عهده قدرا من الأمن سرعان ما تصدت له قوى خارجة عن القانون.

 

●●●

 

إن البيئة تحددها تشكيلة الشعب الذى يتحدث الجميع باسمه كما لو كان كتلة متجانسة. هناك مجموعة من الشباب اكتسبت صفة ثائر ولم تصدر لهم بعد بطاقة هوية تعرفهم، فأصبح كل شاب يصيح فى الشارع «يسقط يسقط» ثائرا، يكتسب تعاطف كتاب يخشون الاتهام بمعاداة الثورة فيبادروا إلى ضرورة إكسابهم الحرية كاملة ويجرّموا كل تعرض لهم. وحين يتوجه هؤلاء إلى مكان بعينه، بدءا بوزارة الداخلية أو القيادة لا يتطوع أيا منهم بتوضيح ماذا يحققه ذلك: هل هو هدم البنيان أو إرهاب المسئولين؟ وإذا انضم إليهم أطفال يكلفون برمى الحجارة والنيران تباكى المشفقون على المهمشين وكأنهم اكتشفوهم فجأة. وإذا قام أشخاص بإحراق مبنى تاريخى أو حيوى قيل إنهم بلطجية دون أن يٍسأل المتظاهرون الذين هيأوا لهم الفرصة. إن المعنى الواضح لتدمير مبانى الأمن والمحاكم والضرائب، هو إخفاء الكم الهائل من وثائق الفساد وأدوات الردع، وهو أن هناك طائفة ضخمة من الفاسدين الذين بنوا حياتهم على وجود النظام السابق، وهم ليسوا فلولا بالمعنى الدقيق، بل ذيولا وأذنابا ستظل تعيث فسادا فى أى نظام.

 

يحار الإنسان فى تركيبة الشعب الذى نطالب بأصواته لتتخير لنا من هم جديرين بقيادة المسار. هناك الثوار وهم قلة، والمتربصون للتسلط على النظام الجديد وهم كثرة، والمستمرئون الفساد يحالفهم البلطجية، وهناك المنحرفون فى طريق الإجرام، بما فيه من مخدرات وأسلحة عابرة للحدود الليبية، وعصابات الخطف. وهناك من يخلطون الحق بالباطل بادعاء رفع ظلم بأسلوب يضرب مصالح المجتمع فى مقتل بمن فيهم من قضوا على مصير السياحة فى هويس إسنا. وهناك من يمثلون أمام المحاكم ليحاسبوا على جرائم ارتكبوها، فإذا بهم يستضافون فى إقامة مجانية على حساب الدولة ويتمتعون بحماية لا ينالها باقى الشعب. وهناك من ارتفعت معنوياته يوم 11 فبراير 2011 لتنهار دون أن تبدو أمامه بارقة أمل فى مستقبل أفضل.

 

لقد أضيفت إلى العملية الانتقالية عملية إنقاذية لا تتخذ شكل تعجيل استكمالها لتأتى نتائجها أسوأ من غيابها، بل تواجه استكمال هدم الماضى والإعداد لبناء سليم. لا يستطيع أى رئيس منتخب أو معين مواجهة الأمر بمفرده. واقترح قيام المجلس العسكرى بتشكيل لجنة تسيير من ثلاثة من أعضائه، وثلاثة مدنيين، سياسى واقتصادى، وأمنى، تصدر قراراتها بموافقة المدنيين. وإنشاء لجنة مقترحات تتقدم إليها جميع الجهات والأفراد بالرأى بشأن مشاكل محددة تتعلق بمصالح عامة أو محلية أو قطاعية عاجلة، ترتبط بنواب الشعب ثم الشورى الذى يتفرغ لها حال قيامه. ووقف التظاهرات والاعتصامات، مع تغليظ العقوبة على من يخالف ذلك وفق القوانين المدنية، ولو اقتضى الأمر تعديل التشريعات القائمة. وسرعة إعادة هيكلة جهاز الشرطة وإعادة انتشار الجيش لحماية الحدود من انتشار السلاح.

 

متى نسمع هتاف «لنبنى..»؟

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات